وجه رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش رسائل مباشرة وصريحة إلى فرنسا لتخرج من المنطقة الرمادية وتعلن موقفها الواضح والصريح حيال ملف الصحراء المغربية. وجاءت تصريحات أخنوش قبيل الزيارة المنتظرة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرباط.
دعا رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش فرنسا إلى الخروج من المنطقة الرمادية وألا تظل تمارس دور المراقب بشأن قضية الصحراء المغربية، مشددا على أنه “حان الوقت للخروج من هذه الوضعية”.
وهذا أول موقف رسمي صريح من المغرب يطالب فرنسا بحسم رؤيتها بشأن قضية الصحراء، الأمر الذي يضع باريس في موقف صعب، وهي التي تصر على الإمساك بالعصا من المنتصف للحفاظ على علاقتها مع المغرب، دون أن تغضب الجزائر.
واعتبر رئيس الحكومة المغربية في مقابلة أجراها مع صحيفة “لوبنيون” الفرنسية أن “هناك تطورات كبيرة في قضية الصحراء في أعقاب اعتراف القوى العظمى بسيادة المغرب على الأقاليم الجنوبية”، مشددا على أن “باريس ينبغي ألّا تكون مجرد مراقب”.
وشهدت قضية الصحراء تطورات ملفتة في السنوات الأخيرة لاسيما في علاقة باعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على صحرائه، وإعلان عدد من الدول الأوروبية الوازنة على غرار إسبانيا وألمانيا عن تأييدها للطرح المغربي القاضي بمنح حكم ذاتي للأقاليم الجنوبية.
وقال هشام معتضد الخبير في العلاقات الدولية والأمنية والمقيم بكندا، إن الطلب المغربي يتماشى والتطورات الدولية للملف، ذلك أنه تقع على عاتق فرنسا مسؤولية سياسية كان من المفروض عليها تحملها تجاه المغرب في ما يخص دعمه في هذا النزاع قبل اعتراف القوى العظمى بسيادته على الأقاليم الجنوبية، نظرًا إلى العلاقات الاستثنائية بين البلدين، وهي الآن مطالبة بالإسراع في تبني موقف صريح ومباشر وواضح من هذا النزاع بعيدًا عن الخطابات السياسية والدبلوماسية الظرفية والمحتشمة.
وأضاف معتضد أن فرنسا مطالبة اليوم بتغيير مقاربتها السياسية المتجاوزة في علاقاتها الخارجية مع المغرب والعمل على تطويرها من أجل إعطاء دفعة جديدة وقوية لروابطها التاريخية والاقتصادية مع شريكها الإستراتيجي، وهذه الدفعة رهينة بموقف باريس السياسي بخصوص ملف الصحراء المغربية، حيث أن محددات تعزيز أي شراكة إستراتيجية متقدمة مع المغرب تمر عبر الاعتراف الواضح والمسؤول والمنخرط بسيادته على كافة أقاليمه الجنوبية.
وتأتي تصريحات رئيس الحكومة المغربية مع قرب زيارة رسمية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المغرب التي من المرجح إجراؤها في فبراير أو مارس المقبلين للقاء العاهل المغربي الملك محمد السادس، حسبما أعلنت وزيرة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا في ديسمبر الماضي، وهي أول زيارة لماكرون إلى المغرب منذ تنصيبه رئيسا للجمهورية الفرنسية.
ويرى مراقبون أن المغرب سيحرص خلال الزيارة المنتظرة على الضغط على باريس لإصدار موقف واضح من ملف الصحراء، وأشار هؤلاء إلى أن تصريحات أخنوش تصب في هذا الاتجاه، لافتين إلى أن الرباط لن تقبل باستمرار المواقف الضبابية، والتي لا تخلو من حسابات سياسية للإيليزيه حيال الجزائر.
وتمهيدا لزيارة ماكرون، أكدت كولونا من الرباط في ديسمبر الماضي أن “موقف فرنسا من الصحراء واضح وثابت، نحن ندعم وقف إطلاق النار وجهود الأمم المتحدة والمبعوث الخاص إلى الصحراء في جولاته، ونأمل عودة المسلسل السياسي من أجل حل سياسي عادل وواقعي”.
وفي رده على المسؤولة الفرنسية، قال ناصر بوريطة وزير الخارجية والتعاون الدولي المغربي إنه حان الوقت من أجل اتخاذ قرارات واضحة، مبرزا أنه “خلال السنوات الثلاث الأخيرة كان هناك تطور لافت بقيادة الملك محمد السادس في مواقف عدد من الدول القريبة من فرنسا سياسيا وجغرافيا”، مضيفا أن “باريس مدركة تمام الإدراك لأهمية موضوع الصحراء المغربية بالنسبة إلى المغاربة والقوى الحية”.
واعتبر معتضد أن الزيارة المقبلة للرئيس الفرنسي إلى المغرب عليها أن تترجم الرغبة الفرنسية في تحمل مسؤوليتها السياسية تجاه الرباط والابتعاد عن بناء زيارته على مجرد خطابات دبلوماسية وسياسية لم يعد لها أي دور فعال في بناء الواقعية السياسية في المنطقة، ولا أي قيمة لدى الفكر البراغماتي الذي أصبح يهيمن على التوجه العام في المغرب والمنطقة.
المغرب سيحرص خلال الزيارة المنتظرة على الضغط على باريس لإصدار موقف واضح من ملف الصحراء المغربية
وأوضح معتضد أن أصحاب القرار بالإيليزيه يواجهون امتحانا كبيرا في زيارتهم المرتقبة إلى الرباط، فهي بمثابة مناسبة لجس نبض جدية المسؤولين الفرنسيين في الاصطفاف إلى جانب القوى العظمى والمنتظم الدولي بخصوص ملف الصحراء المغربية وقضية هذا النزاع المفتعل.
وربط أخنوش حديثه عن شراكة بلده مع فرنسا بالاتحاد الأوروبي، عندما أكد أن اتفاق الشراكة بين الاتحاد والمغرب يحتاج إلى قوة دفع جديدة وإلى ثقة متبادلة، مؤكدا أن الشراكة بين المملكة وأوروبا هي “الأكثر تقدما”.
وذكر بأن المغرب هو الشريك الأول للاتحاد الأوروبي في القارة الأفريقية، قائلا “يجب أن نتصرف باهتمام مزدوج، وهو توفير الحلول للمغاربة، مع ضمان توازنات الاقتصاد الكلي لدينا”، مضيفا أن “عمل السلطة التنفيذية اليوم يجب أن يتركز بالأساس على التخفيف من موجة الصدمة دون ترك إرث صعب للأجيال القادمة”.
وفي السياق ذاته جدد الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل وبوريطة بداية الشهر الجاري بالرباط، التأكيد على الإرادة المشتركة للاتحاد الأوروبي والمغرب لتعميق شراكتهما الإستراتيجية والقيام بما هو ضروري للحفاظ على إطارها القانوني.
وشدد معتضد على أن فرنسا مطالبة بالاعتراف بشكل رسمي بسيادة المغرب على صحرائه، والتي سيكون لها أثر مهم وإيجابي على موقف الاتحاد الأوروبي في هذا الملف، معتبرا أن على باريس إن أرادت تنزيل رؤية أكثر تقدمية وتشاركية وربحية للطرفين، أن تتبنى مواقف سياسية أكثر جرأة تتماشى ونوعية العلاقة الإستراتيجية التي تريدها، لأن التحولات الجيوستراتيجية والدولية لم تعد تُؤمّن مكانا لأصحاب المواقف الرمادية.