تصريحات المسؤولين السياسيين الإسرائيليين وتأكيدهم أن استئناف العلاقات بين المغرب وبلدهم يفيد كلا الطرفين ويعزز الاستقرار في المنطقة موضوع أمام امتحان اعترافهم بمغربية الصحراء. فبالرغم من أنهم يدركون جيدا أهمية قضية الصحراء بالنسبة إلى المغرب، إلا أنهم يتعللون بأن الوقت الحالي يتطلب التركيز على تطوير العلاقات الثنائية، وأن مسألة الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء سيحسمها اتفاق بين رئيسي الدبلوماسية في البلدين، وهذا الكلام فضفاض ويفتقر لمضمون سياسي يعزز الثقة بين الطرفين.
في يونيو الماضي صرحت وزيرة الداخلية الإسرائيلية آيليت شاكيد بالرباط أن إسرائيل تعترف بالسيادة المغربية على الصحراء، لكن سرعان ما تراجعت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن بيان شاكيد واكتفت بالقول “إن خطة الحكم الذاتي المغربية للصحراء هي تطور إيجابي”، دون أن تتبنى هذا الموقف على غرار عدد من الدول الكبرى كمدريد وواشنطن، وهذا يعني أن تل أبيب لازالت مترددة.
تردّد إسرائيل لم تعد له أي مبررات سياسية أو نفسية أو أمنية بعد اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بسيادة المغرب على صحرائه، وهو ما أقرته الإدارة الحالية، والمطلوب من الحكومة اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو القطع مع هذا التردد الذي طبع الحكومة السابقة.
◙ الموقف الذي يتخذه شركاء المغرب بشأن مغربية الصحراء مؤشر رئيسي على حقيقة وصلابة العلاقات الثنائية وتطورها، وهذا الأمر ينطبق على الإسرائيليين
ولكي يضع حدا لهذا التردد سواء من إسرائيل أو غيرها، جاء الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب، حاسما ومباشرا عندما طالب الملك محمد السادس شركاء المغرب التقليديين والجدد بموقف واضح من سيادة المغرب على صحرائه، وكان المقصود بالشركاء التقليديين، فرنسا التي أصبح موقفها مبهما من هذا الموضوع، كما يقصد إسرائيل التي تصنف بالشريك الجديد، لكنها تتردد في الاعتراف بمغربية الصحراء رغم عودة العلاقات الثنائية.
دافع إسرائيل في تخلفها على الاعتراف بمغربية الصحراء له أوجه اقتصادية وسياسية وأمنية، فهي تريد من الرباط ضمان عدم مزاحمة شركاتها اقتصاديا واستثماريا داخل أفريقيا، ودعما سياسيا ودبلوماسيا غير مشروط في المحافل الدولية.
وباعتبار المغرب لاعبا جوهريا في الاتحاد الأفريقي والعالم العربي، تريد تل أبيب ضمان الحصول على دعم مغربي داخل الاتحاد، حتى لا يتم سحب صفة المراقب الممنوحة لإسرائيل داخل الاتحاد الأفريقي مرة أخرى، بعد استعادتها عام 2021، وهي الصفة التي تم إلغاؤها في عام 2002، عندما مُنحت فلسطين مقعد مراقب.
حكومة إسرائيل تريد علاقات مشروطة مع المغرب تدعم خارطة مصالحها الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية داخل أفريقيا بشكل خاص، وتريد استغلال موقع الرباط في هذا الملف قبل أن تعترف بسيادته على صحرائه، إضافة إلى أنها تريد حصة كبيرة ودائمة لشركاتها الاستثمارية بالمناطق الجنوبية تنطلق منها نحو القارة السمراء، خصوصا شركات التكنولوجيا المتطورة وتلك العاملة في التنقيب عن الثروات المعدنية.
تطمع حكومة تل أبيب في الحفاظ على المغرب ضمن الشراكات القائمة في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب، لكن الرباط تحمي مصالحها وحدودها وعلاقاتها الإستراتيجية وأمنها القومي قبل أي اعتبارات مصلحية غير مضمونة وعابرة، دون أن نغفل أن إسرائيل تريد أن يهمل المغرب الملف الفلسطيني، وهذا لا يمكنه أن يحدث لأنه يقع في صلب الاهتمام الملكي الإستراتيجي.
الموقف الذي يتخذه شركاء المغرب بشأن مغربية الصحراء مؤشر رئيسي على حقيقة وصلابة العلاقات الثنائية وتطورها، وهذا الأمر ينطبق على الإسرائيليين، لهذا فاعتراف إسرائيل بشكل رسمي بسيادة المغرب على الصحراء شرط مغربي مقابل فتح الرباط سفارة لها في تل أبيب، بدل الاكتفاء بمكتب الاتصال الدبلوماسي فقط، وهذا ما أكده أيضا أربعة مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين معنيين بشكل مباشر في هذه القضية لموقع أكسيوس الأميركي.
في إجابة عن سؤال لوكالة أيفي الإسبانية في أكتوبر 2021 حول موقف إسرائيل من سيادة المغرب على الصحراء قال ديفيد غوفرين مدير مكتب الاتصال السابق لإسرائيل بالرباط، إن “إسرائيل تساند كل قرار سلمي للنزاع، وتؤيد مبدئيا المفاوضات المباشرة بين الأطراف المعنية بالنزاع. الأساس هو إيجاد حل سياسي سلمي لكل النزاعات”.
وهنا لم يلتزم غوفرين بواجب التحفظ، وتدخل في الشؤون الحساسة بالمملكة المغربية وعلى رأسها قضية الصحراء، متحدثا عن مفاوضات مباشرة بين المغرب وجبهة بوليساريو دون إشراك الجزائر الحاضن والداعم الرسمي للانفصاليين، ما يعني أن هذا الدبلوماسي تدخل بشكل سافر في موضوع شائك وأدلى برأي نجده ترجمة لموقف سياسي يتبناه أحد مكونات الحكومة الإسرائيلية.
أيضا، هناك طرف سياسي داخل الحكومة الإسرائيلية يريد مقابل الاعتراف بالصحراء تعاونا أمنيا شاملا غير مشروط لتطويق محاولات التوسع الإيراني بشمال وغرب أفريقيا والذي يضر بمصالح تل أبيب في القارة، حيث أصبح واضحا أن طهران تعمل على توسيع نفوذها في أفريقيا، من خلال الجزائر، التي تحاول التسلل إليها.
بعيدا عن الأطراف السياسية، علاقات المغرب مع المؤسسة العسكرية في إسرائيل كان لها ثقلها الكبير، ولذلك نعتقد أنها القوة الدافعة والأساسية في تعزيز العلاقات بين المغرب وإسرائيل، لتطويق محاولات الخارجية الإسرائيلية مساومة الرباط بملف الصحراء، دون الاعتراف الواضح والصريح بسيادة المغرب عليها.
◙ لكي يضع حدا لهذا التردد، جاء الخطاب الملكي بمناسبة ثورة الملك والشعب، حاسما ومباشرا عندما طالب الملك محمد السادس شركاء المغرب التقليديين والجدد بموقف واضح من سيادة المغرب على صحرائه
بمعنى آخر، ليس ضروريا أن تكون تصريحات غوفرين نابعة من أجندة اشترك فيها الجانب العسكري، بل هي من صناعة دبلوماسيين يريدون مكاسب آنية من خلال استفزاز المغرب، بالضغط على الوتر الحساس المتمثل في الصحراء، فالتوتر بين العناصر الدبلوماسية والأمنية قائم حتى هذه اللحظة، حيث يعتبر الأمن ذا أهمية وجودية، والدبلوماسية تعتبر شيئا مساعدا، بل هامشيا.
توتر نلمسه في تصريحات وزير الدفاع يوآف غالانت في حفل تنصيب الميجر جنرال هيرزي هاليفي قائدا للجيش الإسرائيلي الجديد، خلفا لأفيف كوخافي، عندما أكد أنه سيعمل على كبح جماح “الضغط الخارجي” على الجيش الإسرائيلي حتى يتمكن هاليفي من أداء دوره، في إشارة واضحة إلى وزيري اليمين المتطرف بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير.
وهذا ما سيدفع بالتطور الإستراتيجي في العلاقات بين المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية والمغربية نحو الأمام، وتنفيذ عدد من الاتفاقيات الأمنية غير المسبوقة في المنطقة، هذا الانخراط الكبير والمكثف لهذه المؤسسة وهيمنة الجانب الأمني المتزايدة في علاقات إسرائيل مع المغرب، هو ما سيدفع حكومة إسرائيل للاعتراف بسيادة المغرب على صحرائه.
في مارس 2022 استضافت إسرائيل أول اجتماع عربي – أميركي لوزراء الخارجية، والآن نرى أن عقد قمة “النقب الثانية” في المغرب خلال شهر مارس القادم سيكون فرصة للضغط على المسؤولين الإسرائيليين للخروج من منطقتهم الرمادية والاعتراف الواضح بسيادة المغرب على صحرائه، خصوصا وأن هناك احتمالا كبيرا أن تحتضن القمة إحدى مدن الصحراء المغربية الكبرى.
Reading your article helped me a lot and I agree with you. But I still have some doubts, can you clarify for me? I’ll keep an eye out for your answers.
Bonjour
je sais pas ce que vous voulez savoir exactement , mais vous pouvez me joindre directement sur
direction@akhbarona.aljalia.ma
Bien à vous