انطلق يوم أمس مؤتمر جبهة البوليسارو الانفصالية السادس عشر لتجديد قياداتها، في سياق توترات شديدة بين حليفتها الجزائر والمغرب أساسه ملف الصحراء المغربية.
وتلقي الجزائر بثقلها في دعم هذا المؤتمر الذي يتوقع أن يتم خلاله التجديد لرئيس الجبهة الانفصالية الحالي إبراهيم غالي، في محاولة لرأب التصدعات الداخلية في الجبهة، بينما تعاني الأخيرة من العزلة والضعف لأسباب داخلية وأخرى اقتصادية.
ويتنامى تيار معارض لغالي ومجموعة من المحيطين به ممن يتمعشون من النزاع المفتعل ويحظون بسخاء مالي جزائري فضلا عن تمعشهم من هبات مالية إنسانية لساكني مخيم تندوف.
ويجتمع أكثر من 2200 عضو في الجبهة و370 ضيفا أجنبيا حشدت الجزائر لاستقدامهم، على امتداد خمسة أيّام على بعد 175 كلم جنوب مدينة تندوف الجزائرية في ما تسميه الجبهة ‘مخيم اللاجئين بالداخلة’ الذي يحمل اسم بلدة ساحلية في الصحراء المغربية وهي منطقة غنية بالفوسفات والثروة السمكية في قلب صراع متواصل منذ نصف قرن.
ويبدو أن زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي (73 عاما) الذي يحظى بدعم لا غنى عنه من الجزائر، واثق من إعادة انتخابه خلال المؤتمر الذي انطلقت أعماله ظهر الجمعة.
ويقول محمد يسلم بيسات ممثل الصحراويين في جنوب إفريقيا، إن “هذا أول مؤتمر منذ استئناف الكفاح المسلح” نهاية العام 2020، في إشارة إلى الأنشطة المسلحة للجبهة التي تعتبره انتهاكات صارخة للاتفاقيات الدولية ومنها اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في تسعينات القرن الماضي.
ويدور نزاع منذ عقود حول الصحراء المغربية التي يسيطر المغرب على جل ترابها ويعتبرها جزءا لا يتجزأ من أراضيه مقترحا منحها حكما ذاتيا تحت سيادته، في حين تطالب جبهة البوليساريو مدعومة من الجزائر باستقلالها.
وهي سبب رئيسي لتوتر العلاقات بين البلدين المغاربيين حيث قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط منذ صيف 2021.
وخرقت الجبهة قرار وقف إطلاق نار ساري المفعول منذ العام 1991، في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2020 بعد انتشار القوات المغربية في أقصى جنوب الإقليم لطرد عصابات البوليساريو الذين كانوا يغلقون معبر الكركرات الطريق الوحيد المؤدي إلى موريتانيا ويعتبرونه غير قانوني لأنه لم يكن موجودا حين تم الاتفاق مع الرباط.
ومنذ ذلك الحين تقول جبهة البوليساريو إنها “في حالة حرب دفاع عن النفس” وأعلنت “منطقة حرب” تشمل كل ما تسميه زورا “أراضي الجمهورية الصحراوية”، بما في ذلك المجال البري والبحري والجوي.
وينعقد المؤتمر في الوقت الذي تقع فيه الصحراء المغربية في قلب التوترات المتصاعدة بين الدولتين القويتين في المغرب العربي.
وقطعت الجزائر فعليا علاقاتها الدبلوماسية مع المغرب في أغسطس 2021 بسبب الخلافات العميقة حول هذا الملف والتقارب الأمني بين الرباط وإسرائيل.
وبعد أن شجع اعتراف الإدارة الأميركية للرئيس السابق دونالد ترامب في نهاية العام 2020 بسيادة المغرب على هذه المنطقة، توظف الرباط منذ ذلك الحين نشاطها الدبلوماسي بشكل متزايد لحشد دعم دول أخرى لمواقفها.
وينظم المؤتمر الـ16 تحت شعار “تصعيد القتال لطرد الاحتلال واستكمال السيادة” وهو الشعار الذي يرجح أن جنرالات الجيش الجزائري هم من أعدوه في الغرف المغلقة التي تمسك بملف الصحراء.
وتنتهي مع انعقاد المؤتمر ولاية غالي الذي خلف محمد عبدالعزيز الذي توفي في 2016. وغالي هو أيضا رئيس الكيان غير الشرعي المسمى “الجمهورية العربية الصحراوية”، المعلنة من طرف واحد في عام 1976.
وتؤكد ممثلة جبهة البوليساريو في جنيف أميمة عبدالسلام أن “الكلمة الأخيرة ستكون للشعب الصحراوي خلال هذا المؤتمر. منصب الأمين العام ليس حكرا على أحد”، مفندة تقارير صحافية عن صراع لخلافة غالي، موضحة “حتى الآن، لا توجد قائمة بالمرشحين لمنصب الأمين العام. هذه مجرّد شائعات”.
لكن تقارير سابقة تحدثت عن خلافات زعامة وصراع اجنحة وسط اتهامات لغالي بالتلاعب وبشراء الأصوات وكسب الولاءات خاصة القبلية التي يعتبر صوتها حاسما.
ويرى المتخصص في القانون الدولي طاهر الدين العماري أنه سيعاد انتخاب غالي على رأس جبهة البوليساريو لأنه “إذا قرّر المؤتمر استبداله، فسوف يضعف التمثيل الصحراوي”. وقال إنه “خيار منطقي لاستمرار الجبهة في القتال”.
واعتبر أيضا أن الجبهة الانفصالية تواجه وضعا جديدا على ضوء النجاحات الدبلوماسية المغربية، مضيفا أن على الجبهة أن “تتكيف مع السياق الدولي الجديد”.
وأشار على وجه الخصوص إلى تغيير موقف إسبانيا، القوة الاستعمارية السابقة والذي أصبح يتماشى الآن مع موقف المغرب.
ودعا مجلس الأمن الدولي في نهاية أكتوبر/تشرين الأول إلى استئناف المفاوضات المتعثرة للسماح بـ”حلّ دائم ومقبول للطرفين” بهدف تسوية النزاع.
وزار الموفد الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا المنطقة عدة مرات في الأشهر الأخيرة دون إحراز تقدم.