يحاول حزب العدالة والتنمية المغربي الذي مني بهزيمة قاسية في الانتخابات التشريعية الأخيرة تدارك الوضع من خلال استغلال أي حادثة أو هزة يمر بها الائتلاف الحكومي الحالي للتصويب على الأخير، والتشكيك في قدرته على تسيير دواليب الإدارة.
دعا الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبدالإله بنكيران إلى إجراء انتخابات مبكرة، مستغلا في ذلك الجدل المثار حول تعاطي الائتلاف الحكومي الحالي مع بعض الملفات، ومنها ملف امتحان المحاماة.
واتهم بنكيران الحكومة الحالية بالفشل في “كسب ثقة الشعب”، وقال “إنها لا تبالي بانتقادات واحتجاجات المواطنين، ولا يهمها الرأي العام”، مستندا في ذلك إلى أرقام المندوبية السامية للتخطيط، التي تتحدث عن تراجع ثقة المغاربة في الحكومة التي يقودها عزيز أخنوش.
وأوضح رئيس الحكومة السابق في تقرير سياسي قدمه في الجلسة الافتتاحية للمجلس الوطني لحزبه المنعقدة ببوزنيقة، قرب الدار البيضاء، أن المغرب بلد مستقر ولا خوف عليه بسبب إعادة الانتخابات، وإذا بدا للحكومة أن إجراء الانتخابات هو الصواب فعليها أن تبادر إلى ذلك دون قلق، لكون هذا الاستقرار غير مرتبط بها بل يضمنه العاهل المغربي الملك محمد السادس.
واعتبر المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية أن الحكومة الحالية المنبثقة عن انتخابات الثامن من سبتمبر تعاني من أزمة مشروعية وفاعلية وتواصل، وأشار الأمين العام للحزب الإسلامي إلى أن الجواب الصحيح على فشل الحكومة في الوفاء بوعودها “لا يمكن أن يكون إلا بانتخابات جديدة حرة ونزيهة وشفافة وعبر صناديق الاقتراع”.
واعتبر أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري رشيد لزرق أن بنكيران، الذي يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن الصعوبات التي تواجهها البلاد جراء سياساته عندما كان رئيسا للحكومة، يحاول استثمار أي حادثة للدعوة إلى انتخابات سابقة لأوانها، مشيرا إلى أن خطاب بنكيران يطفح بشعبوية واضحة ومزايدة مكشوفة لكون الأزمة التي يستند إليها لم تكن لها تداعيات على استقرار المؤسسات.
وبدا واضحا أن بنكيران يحاول استغلال أزمة نتائج الامتحان الكتابي للمحاماة التي جرت قبل أسابيع، قائلا إننا “اليوم أمام أزمة سياسية لا نعرف كيف سنخرج منها”، وإن الحكومة تتعاطى مع هذه المشكلة بـ”اللامبالاة وكأن شيئا لم يقع، ووزير العدل عبداللطيف وهبي، فقد الشرعية المجتمعية والشعبية”.
وتعليقا على الجدل الذي أثارته نتائج امتحان المحاماة صرح الأمين العام لحزب العدالة والتنمية “ليس لدي دليل على أن النتائج شابها التزوير؛ لكن ما فهمته من خلال ما حصل أن وهبي يشارك في الحكومة بدون ثقة”.
وأكد لزرق أن عدم تركيز الأمين العام على نتائج امتحان المحاماة التي فشل وهبي في التعامل معها والاقتصار على تحميلها بعدا سياسيا، راجع إلى كون العديد من أتباع حزب العدالة وقياداته استفادوا من نتائج الامتحان.
وأكد بنكيران أمام المجلس الوطني لحزبه أن حكومة الثامن من سبتمبر 2021 (حكومة عزيز أخنوش) تعتبر نفسها غير ملزمة وغير معنية بتقديم أي حساب، “لأنها حكومة ليست وليدة صناديق الاقتراع، ولا تعبر عن إرادة وأصوات المواطنين”.
وفي تناقض واضح ذكّر بنكيران برفض حزبه الدخول في حملة ضد رئيس الحكومة الحالي، والتي كان قد اعتبرها موجهة من قبل جهات تستهدف أخنوش في بداية توليه المنصب، قائلا إن سبب عدم دعمه للحملة كان من أجل الحفاظ على صورة الحكومة المغربية وعلى المغرب، “وكي لا نكون أضحوكة، وتمنينا نجاح الحكومة؛ لكن هذا لم يقع وإلى حد الآن تبين أنها تحكم بدون ثقة ولا تبالي بالمجتمع”.
وشدد أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري على أن نسبة الثقة تكون من خلال شرعية الإنجاز والحكومة الحالية جاءت بنتيجة انتخابات شهدت نسبة مهمة من التصويت كما كان معولا عليها لتجاوز أزمات كوفيد، غير أن المغرب تأثر بتداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية وأزمة الغلاء وتدني مستوى المعيشة، الأمر الذي انعكس بالفعل على تدني نسب الثقة في الحكومة والوعود التي قطعتها بتكريس الدولة الاجتماعية، لكن هذا الأمر لا يستحق التشكيك في شرعية الحكومة كما يقتضي تجاوزه من خلال الإسراع في تنزيل حزمة من الإصلاحات الاجتماعية.
وأكد رشيد لزرق أن حكومة أخنوش بأغلبيتها العددية تمتلك كل مقومات النجاح وتبني خيارات إصلاحية بعيدا عن الشعبوية التي كانت في السابق تحول دون اتخاذ قرارات قوية مثل إقرار الدعم المباشر للفئات الفقيرة بمعزل عن أي حسابات سياسية أو انتخابية، وتنزيل الإصلاحات التي جاء بها الملك محمد السادس.
أمين عام حزب العدالة والتنمية بنكيران عمد إلى إصباغ تصريحاته السياسية بمسحة دينية
وعمد الأمين العام لحزب العدالة والتنمية إلى إصباغ تصريحاته السياسية بمسحة دينية، حيث قال إن “الحديث عن إصلاح مدونة الأسرة لا يمكن أن يخرج عن الإطار الديني”، معتبرا أن “المجتمعات الأجنبية مهددة بالانهيار بسبب ابتعادها عن الدين”، وأضاف أنه “إذا مست أسس الشرع فستمس أسس الدولة واستقرارها القائمة على إمارة المؤمنين”.
وحذر بنكيران من “التيارات التي تستهدف دين المغاربة ومقدساتهم عن طريق الدعوة إلى مراجعة وتغيير شرع الله وتغيير نصوص قطعية الثبوت والدلالة، كالإرث والزنا أو ما يسمى بالعلاقات الرضائية، والمجاهرة بذلك وبالدعوات للقبول بالمثلية”.
وفسر لزرق، في تصريحاته ، هذا الهجوم الذي يستخدم أدوات الدين بأن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية باعتباره رئيس حكومة سابقا كان يفترض أن يكون أكثر حرصا عل خلق جو مناسب للعمل السياسي، ويعطي مدلولا غير شعبوي للمعارضة، مشيرا إلى أن منطق الأنا الذي يلازم بنكيران، الذي يبدو أنه مازال لم يتجاوز هزيمة حزبه في انتخابات 2021 وخفوت العدالة والتنمية الانتخابي، عاجز عن تغيير أسلوبه ونهجه في الاستفادة من أي حادثة وتحويلها إلى عائد انتخابي.