عَرْبَدَةُ نـظام شـنقريحة في بـطولة الشـان 2022 ..تُنهِي أحـلام الـجزائر بإحـتضان الكـان 2025 ..
البراق شادي عبد السلام
«إنها أفضل كأس عالم على الإطلاق، تنظيم غير عادي، آلاف الحناجر تهتف، 25 مليون أرجنتيني خلف لون واحد، كرة القدم معجزة بلادنا،بلادنا الرائعة التي انتقدهاالآخرون بشدة». هكذا قال معلق المباراة النهائية في كأس العالم عام 1978 بعد فوز الأرجنتين بالبطولة، ومن أجل هذه اللحظة فعل النظام العسكري الأرجنتيني بقيادة الجنرال خورخي رافائيل فيديلا كل ما يمكن فعله ليطهر أياديه الملطخة بدماء الشعب الأرجنتيني وآلامه، والذي كان يعاني من القمع والتعذيب وإنتهاك صارخ لحقوق الإنسان ومن التدهور الاقتصادي و الإجتماعي المغلف بدكتاتورية عسكرية خانقة بعد إنقلاب دموي على النظام الديمقراطي سنة 1976 ، في نفس السياق الأديب الأرجنتيني خوان خيلمان كتب معلقا على صورة الدكتاتور الأرجنتيني الجنرال فيديلا و هو يسلم كأس العالم 1978 التي أقيمت في الأرجنتين لقائد المنتخب دانييل باساريلا أنذاك: ”كرة القدم اليوم هي أفيون الشعوب و ليس الدين”.
جماهيرية كرة القدم و عشق الجماهير اللامتناهي لها جعلها أكثر الرياضات عرضة للإستغلال السياسي طوال تاريخها ، و أكثر تجلي لهذا الإستغلال ظهر و لازال و سيبقى عند الأنظمة الشمولية الدكتاتورية العسكرتارية، مثلا في الجمهوريات التابعة للمعسكر الشرقي سابقا و الأنظمة الفاشية في إيطاليا و ألمانيا و إسبانيا بدايات الثلاثينات و ديكتاتوريات أمريكا اللاتينية سنوات السبعينات و الثمانينات و اليوم مع النظام العسكرتاري الجزائري ، حيث تم ربط كرة القدم بكرامة المواطن الجزائري و مشاركة منتخب بسيادة الوطن ؛ فهذا النظام يعتبر أن أي إنتصار للمنتخب و أن أي إنجاز رياضي هو إنتصار للجيش و الدولة و تثبيت لوهم القوة الإقليمية الضاربة !!
إن الإستغلال السياسي للأحداث الرياضية من خلال نسب إنجازات المنتخب أو الأندية للزعيم المبجل أو الجنرال الفلاني بهدف إلهاء الجماهير و تضليلها أو إكتساب شرعية شعبية مهزوزة يعتبر من أكثر الأفعال الشنيعة إستخداما لدى العديد من الأنظمة الفاشلة سياسا وإجتماعيا و الذي يؤدي ضريبة هذا التضليل المتعمد هي الشعوب التي سرعان ما تستفيق من حلاوة النصر أمام واقع إجتماعي مخزي و مؤسف .
هذا الإستغلال السياسي البئيس لطالما إلتجأ إليه النظام العسكرتاري الجزائري من أجل تغطية هزائمه الداخلية و الخارجية ، في كل مرة يعتبر إنتصار المنتخب الجزائري هزيمة لدول الجوار أو الفوز بفرصة إحتضان منافسة رياضية تفوقا على البنية التحتية للجيران، لكن مع منافسات بطولة أمم أفريقيا للمحليين (الشان 2022 ) تجاوز هذا النظام الحاقد حدود المعقول في ربط غير مفهوم لرحلة المنتخب المغربي نحو مطار قسنطينة بسيادة الجزائر على مجالها الجوي كأن المغرب سيرسل كوموندو متخصص في العمليات الخاصة و ليس رياضيين شباب مغاربة همهم الأول و الأخير لعب كرة القدم و تمثيل بلدهم أحسن تمثيل، (هم في الحقيقة مجموعة من الأسود المدربة جيدا على الفوز بالكؤوس و تحقيق الإنتصارات و إخضاع القوى الكروية العالمية ) فبسبب الروح الرياضية التي يتميز بها هذا الفريق المغربي و حالة الصفاء الذهني التي توفرها الأطر التقنية و الفنية بعيدا عن الضغوطات و الممارسات الغير مهنية و الغير إحترافية فإن هذا الفريق قادر على خلق معجزات أخرى تنضاف إلى أنتصارات مونديال قطر .
في المقابل نجد الخروج المُذِل للمنتخب الجزائري من منافسات كأس الأمم الإفريقية بالكاميرون 2021 ثم الإقصاء الصاعق من المشاركة في كأس العالم على يد المنتخب الكاميروني في الدقائق الأخيرة و المهزلة التي شاهدها العالم من إعتداء شنيع على المنتخب المغربي في وهران بمناسبة ألعاب البحر الأبيض المتوسط ، كل هذه الإنتكاسات لم تكن لأسباب كروية أو رياضية بحتة فالمنتخب الجزائري هو حامل اللقب الإفريقي 2019 و المتوج بكأس العرب 2021 و تصنيفه العالمي كان جيدا و يلعب له لاعبون متمرسون في مختلف الدوريات الكبرى عالميا لكن السبب الرئيسي لإنتكاسات الكرة الجزائرية والرياضة الجزائرية بصفة عامة هو الضغط النفسي الكبير و الرهيب الذي يسبب الشتات الذهني المرهق الذي يتعرض له اللاعبون و الطاقم الفني و التقني من نظام الجنرال شنقريحة على شكل بلاغات عسكرية و تدوينات من الرئاسة الجزائرية ثم مقالات حماسية في المجلة الرسمية للجيش بالإضافة للتعامل الغير المهني للإعلام الجزائري مع طبيعة المهمة الرياضية و تحويلها إلى مسارات سياسية و مزايدات فارغة فمثلا أثناء تغطية القنوات الجزائرية لمشاركة منتخب الجزائر في كأس الأمم الإفريقية بالكاميرون 2021 فقد تم إعتبار مشاركته المنافسات هو مواجهة مفتوحة أخرى ضد المغرب خاصة و أن المنتخب الجزائري واجه في الدور الأول حلفاء المغرب التقليديين الداعمين له في قضية الصحراء المغربية ( سيراليون- ساحل العاج – غينيا ) كل هذه العوامل و أمور أخرى أثرت على آداء المنتخب الجزائري و لو تتذكرون فقد جعلته لقمة صائغة لفيلة ساحل العاج صاحبه خروج مذل من الكان ، فهزيمة الجزائر الكروية في ذلك الوقت و لازالت هي واحد من الأوجه المتعددة لهزائم النظام الجزائري في مختلف المجالات و على جميع المستويات :
- سياسيا بنظام رئاسي ضعيف يفتقر لشرعية الشارع الجزائري مما جعله رهينة سياسية في يد الجنرالات و القوى العسكرتارية المختلفة و قراراته ترتهن لنتائج صراعات أجنحة الدولة .
-إقتصاديا بأزمة خانقة سببها الفساد المالي و الإداري المستشري في البلاد بشكل كبير بالإضافة لغياب مفهوم الحكامة في التدبير و التسيير نتج عنها طوابير لا نهائية من أجل السميد و الزيت و الحليب في بلد يدعي أنه القوة الإقتصادية التي تقدم الدعم المالي للجيران و تسقط الديون على الدول الإفريقية .
- إجتماعيا بأزمة مجتمعية خانقة نتيجة تداعيات الازمة الإقتصادية و إحجتاجات قطاعية لا تتوقف بسبب التدبير العشوائي لتداعيات جائحة كورونا على الإقتصاد الجزائري الغير مهيكل .
-
ديبلوماسيا نتيجية الإختيارات المتطرفة للديبلوماسية الجزائرية و فتح جبهات ديبلوماسية لا تحسن إدارتها بحس إستراتيجي كموقف الذل مع فرنسا سابقا الذي إنتهى برفض ماكرون الإعتذار على إهانة الجزائر و الشطحات الديبلوماسية في الإتحاد الإفريقي و محاولة خلق حرب وهمية في الصحراء المغربية و التدخل الغير المدروس في الملف الليبي بخط أحمر وهمي والعلاقات المشبوهة مع محور الشر ( إيران – حزب الله – الحوثيون) ثم التطاول على الإختيارات الديبلوماسية للمغرب و التآمر على وحدته الترابية .
ثم مجموعة من الهزائم الرياضة فهزيمة المنتخب الجزائري و الخروج المذل من كأس إفريقيا بالكاميرون ثم إقصاؤه من كأس العالم بعد هدف كاميروني قاتل كانت هي الصفعة التي تلقاها النظام الجزائري و معه الشارع المغيب بتحقيقه إنتصارات وهمية و ترويج خطاب المؤامرة الخارجية ؛ اليوم في منافسات الشان 2022 تتكرر نفس القصة و يظهر قائد أركان الجيش الجزائري الجنرال شنقريحة متوسطا المشهد ( بدون صفة رياضية ) إلى جانب ضيوف الجزائر من القيادات الكروية الدولية و القارية في إفتتاح ملعب نيلسون مانديلا بالجزائر العاصمة في وضع نشاز خارج الأعراف و القوانين الرياضية و هو أمر مستهجن و غير مستحب رغم أن البطولات العسكرية و المؤسسات العسكرية في العالم بها الكثير من الأطر و الكوادر و المواهب التي تنحني لها القامات ، لكن ما يقوم به الجنرال شنقريحة بالتنطع وراء المدنيين و البحث عن الصور التذكارية هو إهانة لفلسفة المؤسسة العسكرية في كل دول المعمور التي لديها مهمة مقدسة واحدة و وحيدة تتمحور حول حماية الحدود و الدفاع عن الوطن .
العدوان الجزائري الذي تمثل بمنع المنتخب المغربي من حقه المشروع بالمشاركة و الدفاع عن لقبه القاري في منافسات الشان 2022 هو الرصاصة الأخيرة التي يطلقها نظام شنقريحة على نفسه في إنتحار كروي أمام القارة الإفريقية والمنتظم الرياضي الدولي حيث يستبعد نفسه بشكل ميكانيكي غبي عن التنافس لإحتضان منافسات الكان 2025 ؛الخطأ الرياضي الجسيم الذي إرتكبه النظام الجزائري في حق الكرة الإفريقية عن طريق التمسك بمبررات شوفينية شمولية و بخطاب قريب لقاموس الحرب مرتبط بمفهوم السيادة و الأمن و المجال الجوي يضعف الموقف الجزائري في التنافس مستقبلا بشكل كبير جدا و يؤكد أن هذه الدولة لا تمتلك المرونة السياسية و الكياسة الديبلوماسية المطلوبة لتنظيم كأس إفريقيا في 2025 التي ستشارك فيها القوة الكروية الإفريقية الضاربة ممثلة بمنتخب أسود الأطلس الذي إنتزع المركز الرابع عالميا و تنافس بشكل مباشر على الكأس الذهبية في مونديال قطر 2022.
حضور الجنرال شنقريحة بصفته المهنية الصرفة كنائب لوزير الدفاع و رئيس لأركان الجيش الجزائري في تدشين ملعب رياضي مدني إلى جانب رئيس الفيفا السيد جياني إنفانتينو و رئيس الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم – الكاف – السيد باتريس موتسيبي يطرح أكثر من علامة إستفهام حول الهدف الأساسي للنظام الجزائري من تنظيم هذه الدورة و مدى قانونية و صحة الإجراءات الأحادية الجانب التي إتخذها النظام الجزائري في حق المنتخب المغربي حامل اللقب و الفريق الأكثر ترشيحا للفوز بالكأس؛ في الجهة المقابلة نجد أن بلاغ الجامعة الملكية لكرة القدم عَبَّرَ بِـلُغَـة منطقية و عقلانية على مطالب المغرب المشروعة في المشاركة و الدفاع عن لقبه القاري و بشكل هادئ و متزن حَـمَّـلَ المسؤولية التاريخية لإبعاد المنتخب المغربي حامل اللقب من المشاركة في منافسات الشان إلى النظام الجزائري، الجزائر اليوم تبدو أنها في ورطة سياسية و ديبلوماسية حقيقية حيث أظهر هذا النظام على صبيانيته و قِصَرِ نظره و ضبابية الرؤية لديه و فهمه التقني المحدود و الميكانيكي البسيط للأمور تحت مُسَمَّى ” قرار سيادي” و ذلك بإبعاد المنتخب المغربي لأسباب سياسية – تخص النظام الجزائري وحده – عن منافسات إفريقية ينظمها الإتحاد الإفريقي لكرة القدم – الكاف – هو أمر يستدعي وقفة تأمل في واقع و مآل الكرة الإفريقية و بأن هكذا قرارات عدوانية تؤثر على صورة كرة القدم بإفريقيا و في الجهود الذي تبذلها الأطر الإفريقية ( كفوزي لقجع و آخرون ) داخل دواليب الفيفا من أجل تحقيق مبدأ العدالة المجالية في كرة القدم و غيرها من الأهداف النبيلة لأجل النهوض بأوضاع كرة القدم في إفريقيا ؛ اليوم الإتحاد الإفريقي أمام إمتحان حقيقي : إما إنصاف المغرب كرويا و رياضيا و إتخاذ الإجراءات القانونية و التأديبية المناسبة في حق دولة مارقة رياضيا هي الجزائر أو إعطاء الشرعية لمهزلة رياضية تخرق القانون الرياضي و الأعراف الرياضية الدولية و القارية و تفتح بابا من التصرفات المزاجية و القرارات العشوائية الغير متطابقة مع القوانين الإفريقية و الدولية الجاري بها العمل .
السيد فوزي لقجع و الجامعة الملكية لكرة القدم إتخذت بشكل إستراتيجي و بكل الهدوء اللازم القرار المناسب في الوقت المناسب بالطريقة المناسبة و بشكل أنيق صاغت بلغة الكبار ردا قويا و صادما أسقط ورقت التوت على بهلوانيات و عنتريات و لطميات النظام الجزائري الذي ورط الإتحاد الإفريقي لكرة القدم الكاف و الإتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا في”جريمة رياضية” متكاملة الأركان بإستبعاد المنتخب المغربي من المنافسات لأسباب – سياسية داخلية جزائرية و هذا ما نقلته وسائل الإعلام العالمية لصور البعثة المغربية و الطائرة المغربية في مطار الرباط تنتظر الموافقة الجزائرية بعد إستكمال جميع الإجراءات البروتوكولية المرتبطة بالموضوع و التي تزامنت مع وصول وفد الفيفا و الكاف و معاينته لعناصر المنتخب المغربي في قاعات الإنتظار قبل إنتقال الوفد الدولي و الإفريقي للمشاركة في سحب القرعة لكأس العالم للأندية الذي ستنظمه المملكة المغربية بكل مسؤولية في فبراير المقبل .
تأسيسا على ماسبق نجد أنه لأسباب مرتبطة بغياب المرونة لدى الجانب الجزائري للأسف لم نستطع المشاركة في بطولة أمم إفريقيا للمحليين ( الشان) 2022 و لنفس الأسباب المرتبطة بالرعونة الجزائرية تقترب حظوظ المغرب أكثر لإستقبال النسخة الخامسة و الثلاثين لكأس الأمم الإفريقية ( الكان ) 2025 .
بالعودة لقصة كأس العالم 1978 و لنهاية الجنرال الدموي الأرجنتيني خورخي فيديلا الدكتاتور الذي كان يروج لنفسه صورة تتميز بملامح حادة و صارمة مدعيا القوة و الكبرياء و الأنفة فقد قضى ما تبقى من سنين عمره بزنزانة باردة في سجن ماركوس – باز بالعاصمة بوينوس أيريس بعد الإنقلاب عليه سنة 1981 و محاكمته بالسجن مدى الحياة و تحولت الألسنة التي كانت تهتف له و تناصره إما خوفا أو رياءاً أو نفاقاً إلى ألسنة تسبه بأفظع و أبشع الألفاظ ليموت في ماي 2013 حيث عثر عليه ميتاً في المرحاض داخل زنزانته ولم تقم له جنازة عسكرية بعد تجريده من رتبته العسكرية في لحظة تحول الجنرال القوي الذي مات بإشاره واحدة من يده الآلاف من الأرجنتينيين إلى مجرد شخصية بائسة في التاريخ و لم يعد هناك شخص واحد يستطيع أن يدعى حبه أو مناصرته بعد ما فعله و لم تنفعه الملايير التي أهدرها من خزانة الدولة لينال منتخبه كأس العالم و لم تشفع له فرحة الشعب الأرجنتيني بالفوز بالكأس و استمر في أعينهم مجرد .. قاتل .. ديكتاتور .. سفاك للدماء : و لم يعد على ألسنة الشعب الأرجنتيني عقب وفاته إلا جملة واحدة ( المجرم القاتل مات ).