لم يجد النظام الجزائري، الذي لم يستعد حيويته سوى بفضل ارتفاع أسعار النفط والغاز، مكانا يسجل فيه انتصارات تليق بالشعب الجزائري، علما أنّ إيجاد مثل هذا المكان أمر بالغ السهولة في الجزائر نفسها.
في غياب القدرة على الاهتمام بالجزائر والشعب الجزائري ورفاهه والاستحواذ على ثقته، لم يجد النظام “السياسي العسكري” على حدّ تعبير الرئيس إيمانويل ماكرون غير متابعة حربه على المغرب في عمليّة هروب مستمرّة إلى الأمام. تكشف هذه العملية عجزا عن التخلص من عقدة مغربية تتحكّم بالنظام من جهة وعن التعاطي مع شعب محروم من أيّ حقوق من أيّ نوع كان من جهة أخرى.
الجديد في الأمر أن هذه العقدة المغربيّة، انتقلت أخيرا من السياسة إلى الرياضة. مثلما كان هناك خوف من ذكر كلمة المغرب أثناء بطولة كأس العالم لكرة القدم في قطر، صار مطلوبا في الوقت الحاضر اختلاق كلّ الأسباب كي يتعذّر على الفريق الوطني المغربي المشاركة في بطولة القارة الأفريقية للاعبين المحليين التي تستضيفها مدينة قسنطينة الجزائريّة.
فاز الفريق المغربي في الدوحة في مباريات عدّة وصولا إلى نصف النهائي في المونديال. من بين الفرق التي فاز عليها، كانت فرق بلجيكا وإسبانيا والبرتغال، وهي من أقوى الفرق العالميّة. كان المذيع أو المذيعة الجزائرية يتعمد تجاهل الفوز المغربي. كان يكتفي بذكر اسم الفريق الخاسر من دون الإتيان على ذكر اسم الفائز خشية التعرّض إلى العقاب.
◙ المغرب لا يمتلك الثروات التي تمتلكها الجزائر، لكنّه يمتلك قبل كلّ شيء ثروة اسمها الإنسان… وتلك الروح الوطنيّة التي ظهرت أثناء بطولة كأس العالم لكرة القدم
ذكر الاتحاد المغربي لكرة القدم في بيان أصدره في وقت كان اللاعبون والإداريون والصحافيون المغاربة في مطار الرباط – سلا في انتظار الصعود إلى الطائرة المغربيّة للتوجه إلى قسنطينة “تعذر على المنتخب الوطني السفر إلى مدينة قسنطينة من أجل المشاركة في النسخة السابعة من بطولة أفريقيا للاعبين المحليين، التي ستقام بالجزائر في الفترة الممتدة ما بين 13 كانون الثاني – يناير و4 شباط – فبراير 2023، للدفاع عن لقبه، الذي أحرزه في الدورتين الأخيرتين، وذلك لعدم الترخيص لرحلته انطلاقاً من مطار الرباط – سلا في اتجاه مطار قسنطينة بواسطة طائرة الخطوط الملكية المغربية، الناقل الرسمي للمنتخبات الوطنية”.
ليس سرّا أن الجزائر أغلقت لأسباب غير واضحة، بل في غاية الوضوح، مجالها الجوّي أمام أيّ طائرة مغربيّة متوجهة إلى المغرب أو أقلعت من أحد مطاراته. كان ذلك في 22 أيلول – سبتمبر من العام 2021. كان التفسير لتلك الخطوة المتخذة على أعلى المستويات العلاقات بين المغرب وإسرائيل التي جرى رفع مستواها، علما أنّها علاقات قديمة تعود إلى وجود جالية مغربيّة كبيرة في الدولة العبريّة.
لم يتنكر المغرب يوما لأبنائه بغض النظر عن دينهم. كان المغرب في كلّ وقت صادقا مع نفسه ولم يتخلّ يوما عن موقفه الصريح الداعم لحقوق الفلسطينيين والدفاع عن القدس. لم يبع الفلسطينيين في أيّ يوم أوهاما ولم يتاجر بقضيتهم كما فعل غيره.
في الواقع، كان السبب الحقيقي لرد الفعل الجزائري المضحك المبكي زيادة التأييد الدولي والأوروبي والعربي لموقف المغرب من قضيّة الصحراء. كان الموقف الأميركي القاضي بالاعتراف بأن “الصحراء مغربيّة” نقطة تحوّل على الصعيد العالمي وجاء في وقت لم يعد خافيا أن المغرب حقّق اختراقات في هذا المجال دوليا وعربيّا وأفريقيا.
أغاظ ذلك النظام الجزائري الذي كان في استطاعته الانضمام إلى الدول التي تعترف بـ”مغربيّة الصحراء” وينعم بعلاقات طبية مع المغرب ويستفيد من تجربته في مجال التنمية والبنى التحتية والإعمار ورفع مستوى التعليم والسعي إلى تفاعل أكبر مع المواطن العادي وهمومه.
◙ في غياب القدرة على الاهتمام بالجزائر والشعب الجزائري ورفاهه والاستحواذ على ثقته، لم يجد النظام “السياسي العسكري” على حدّ تعبير الرئيس إيمانويل ماكرون غير متابعة حربه على المغرب
ليس عيبا أن يأتي الرئيس عبدالمجيد تبون ووزراؤه إلى المغرب مع الضباط، الذين يحكمون الجزائر بالفعل، للاطلاع على ما يجري على الأرض المغربيّة وعلى حال الناس، بما في ذلك حال الطبقة الفقيرة التي تحسّن وضعها في السنوات العشرين الأخيرة إلى حد كبير.
نعم، هناك مشاكل في المغرب، لكن السلطة، على رأسها الملك محمّد السادس لا تخشى مصارحة الناس بذلك. بدل الهروب من هذه المشاكل، توجد شفافية كبيرة في التعاطي معها من أجل التوصل إلى حلول ومخارج. باختصار شديد، لا يهرب المغرب من مشاكله الداخليّة إلى خارج حدوده. على العكس من ذلك، يسعى إلى معالجة هذه المشاكل في ظلّ ثقة متبادلة بين محمد السادس وأبناء شعبه من كلّ الفئات ومن كلّ المناطق.
لا يمتلك المغرب الثروات التي تمتلكها الجزائر، لكنّه يمتلك قبل كلّ شيء ثروة اسمها الإنسان… وتلك الروح الوطنيّة التي ظهرت أثناء بطولة كأس العالم لكرة القدم. ظهرت هذه الروح الوطنيّة الجامعة عندما نزل محمّد السادس إلى الشارع ليشارك المواطنين فرحتهم التي لعب الدور الأساسي في صنعها عبر الاهتمام شخصيا برفع مستوى كرة القدم المغربيّة. جاء ذلك بشهادة مدرب المنتخب الوطني وليد الركراكي.
ليس وضع العراقيل في وجه توجه الفريق المغربي إلى الجزائر سوى تتمة للقمة العربيّة التي انعقدت في الجزائر مطلع تشرين الثاني – نوفمبر الماضي، وهي قمة فشلت قبل أن تنعقد وذلك عندما عجز النظام الجزائري عن الإتيان ببشّار الأسد إلى الجزائر. تكرّس ذلك الفشل عندما أقحم النظام الجزائري حربه على المغرب في القمة. كان الأمل الوحيد بجعل هذه القمة تحظى ببعض النجاح حضور الملك محمّد السادس. كان العاهل المغربي سينقذ تلك القمة التي تميّزت ببيان لا طعم له ولا علاقة له بما يدور في المنطقة والعالم.
مرّة أخرى، وضع العسكر الذين يتحكمون بالجزائر هاجسهم المغربي في الواجهة. خشوا هذه المرّة من مجيء فريق مغربي إلى الجزائر للمشاركة في دورة أفريقية. ما خشوا منه فعلا تفاعل المواطنين الجزائريين مع الفريق المغربي… كما حصل أثناء مباريات بطولة كأس العالم في قطر!