تبون في الطريق إلى طهران

الصراف

زيارة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى طهران لو تمت بالفعل، كما توحي التحضيرات، فإنها ستكون أول زيارة لرئيس عربي لا تخضع بلاده للاحتلال الإيراني. وحيث أن الرئيس تبون لا يجهل الافتخارات الإيرانية بأنها تسيطر على أربع عواصم عربية (هي بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء)، فلسوف يكون من المفيد، لو أنه أخذ بالاعتبار أن الجزائر يمكن أن تكون الخامسة.

أما كيف؟ فذلك مما لا يحتاج إلا النظر في التجارب السابقة.

والافتخارات ليست مجرد استعراض عضلات سياسية. إنها استعراض عضلات ميليشياوية، تمارس سلطة فعلية في هذه البلدان، ما يجعل مصائرها تتقرر في طهران.

لا شك أن الرئيس تبون يعرف ذلك. ولو قال إنه لا يعرف، “فتلك مصيبةٌ…”.

◙ بالاستعداد لزيارة طهران يقف الرئيس تبون على الضفة السياسية والأخلاقية والإنسانية الخطأ. يقف أيضا على ضفة المصالح الخطأ بالنسبة إلى الجزائريين، لأنه يريد أن يعطي لإيران امتيازات لا تستحقها

هذا فقط من أجل لفت الانتباه. ولفت الانتباه لا يكتمل من دون الإشارة إلى أنه يعرف أن الجزائريين مستعدون للتضحية بأرواحهم وأولادهم دفاعا عن سيادة الجزائر واستقلالها، وأنهم لم يبذلوا كل ما بذلوا من أجل أن تصبح بلادهم مطيّة إضافية من مطايا الولي الفقيه.

وثمة إشارة أخرى مما تقتضيه الحال. فحيثما يعتقد الرئيس تبون أن إسرائيل هي “العدو”، فالحقيقة التي يجب ألا تغرب عن باله، هي أن إيران الولي الفقيه أسوأ من إسرائيل، كقوة احتلال، بخمس مرات على الأقل.

وإليك الجدول:

• إسرائيل تحتل بلدا عربيا واحدا. إيران تحتل أربعة بلدان.

• إسرائيل تقتل فلسطينيا واحدا أو اثنين كل يوم. ميليشيات إيران تقتل العشرات كل يوم.

• إسرائيل تعتقل نحو 5800 فلسطيني. إيران تعتقل عشرة أضعاف هذا العدد من الإيرانيين، والعراقيين والسوريين واليمنيين.

• إسرائيل، بكل وحشيتها، لا تجيز أحكام الإعدام. إيران تعلق المشانق سرا وعلنا لكل من يعارضها أو يعارض ميليشياتها.

• إسرائيل لا تمارس أعمال التعذيب. إيران تمارسها، ومارستها ضد مئات الآلاف من العراقيين والسوريين، في سجون رسمية وأخرى سرية.

• إسرائيل هجرت لدى نشأتها 1.2 مليون فلسطيني (805 آلاف منهم من 531 قرية وبلدة)، صاروا نحو خمسة ملايين بعد سبعة عقود. إيران وميليشياتها في العراق وسوريا هجرت أكثر من 10 ملايين في أقل من خمسة أعوام من الحرب الأهلية التي رعتها في هذين البلدين.

• إسرائيل حاربت ودمرت جسورا وبنايات ثم انهزمت عسكريا وانسحبت من لبنان. إيران حاربت بميليشيات حزب الله، وانهزمت سياسيا وشعبيا، ولم تنسحب حتى بعد أن دمرت كل شيء في البلد.

• إسرائيل دولة قانون لشعبها ودولة احتلال على الفلسطينيين. سلطة الولي الفقيه في إيران دولة احتلال على شعبها وعلى غيره على حد السواء. وليس فيها قانون ولا قضاء. وهي أعدمت أكثر من 35 ألف إنسان (من منتسبي مجاهدي خلق، وأسرهم وأصدقائهم وجيرانهم، وكل من تصادف أن قال لأحد منهم “صباح الخير”) في غضون أسابيع، في واحدة من أكبر المجازر التي عرفها التاريخ البشري، بعد مجازر بول بوت في كمبوديا.

• وإسرائيل لها أطماع نظرية، أقصاها “من النيل إلى الفرات”. ولإيران أطماع عملية أدناها العالم الإسلامي كله.

◙ “الثورة ضد الاستكبار العالمي” التي يقودها الولي الفقيه، تستطيع أن تُغنّي في الجزائر الأغنية نفسها التي يغنيها الرئيس تبون ضد إسرائيل

وعلى هذا الأساس، فلو أن الرئيس تبون ذهب إلى تل أبيب وتجاذب أطراف الحديث مع أحقر صهيوني خلقه الله، فلسوف يكون، في عين الواقع والتاريخ والدين والسياسة والكرامة الإنسانية والأخلاق، أقل شرا من الذهاب إلى طهران.

فماذا يريد أن يفعل هناك؟

يريد أن يشتري أسلحة. يريد أن يقيم علاقات تعاون تجاري. يريد أن يُسرّب لروسيا من خلال إيران ما لا يستطيع تسريبه إليها مباشرة. يريد أن يمد لإيران جسورا لكي تصل بتصدير ثورتها إلى الجزائر. يريد أن يعزز علاقاتها الميليشياوية مع ميليشياته في جبهة بوليساريو. يريد أن يفك عنها قيود العزلة والعقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة وأوروبا. يريد أن يسخر من التظاهرات التي تندد بسلطة الطغيان. يريد أن يلقي ماء دبلوماسيا لكي يطهر ما تنفذه سلطة الولي الفقيه من إعدامات ضد المحتجين. يريد أن يغسل قدم الولي الفقيه من أعمال التعذيب والاغتصاب التي يمارسها حرسه الثوري في السجون ضد الإيرانيين. يريد أن يضع يده بيد الرئيس إبراهيم رئيسي الذي تصدر حفلة إعدامات العام 1988، من دون أن يشعر أن يده تلوثت بدماء أبرياء. يريد أن يتجاهل ما ترتكبه ميليشيات إيران من جرائم وتهديدات لدول المنطقة.

وحتى لو زُعم أنه يريد أن يذهب لكبح جماح هذه التهديدات، فإنه سوف يقدم لها ثمنا من كل ما سبق ذكره أعلاه، ما يجعل بقاء الجماح أرحم. على الأقل لكي لا تصبح الجزائر مطية من مطايا التسويات.

لقد لعبت الجزائر دور وساطة بين العراق وإيران في العام 1975، ولكن ذلك كان مع إيران الشاه. كانت إيران في ذلك الوقت دولة ونظاما، بينما هي اليوم عصابة وميليشيات.

بالاستعداد لزيارة طهران يقف الرئيس تبون على الضفة السياسية والأخلاقية والإنسانية الخطأ. يقف أيضا على ضفة المصالح الخطأ بالنسبة إلى الجزائريين، لأنه يريد أن يعطي لإيران امتيازات لا تستحقها، في جغرافيا أفريقية ليست قريبة منها، في ظرف غير مناسب، وفي بيئة علاقات إجرامية تمارسها في أوكرانيا، كما تمارسها مع دول الجوار بصواريخ وطائرات مسيرة.

والغرب الذي يبدو منشغلا الآن عن رسم خطط استباقية للتصدي لمخططات التمدد الإيراني في شمال أفريقيا، من خلال البوابة الجزائرية، لن يتساهل في النهاية مع هذه البوابة بالضرورة، بعدما تساهل مع التمدد الروسي ومجموعة فاغنر، فأصاب نفوذه ما أصابه.

◙ الافتخارات ليست مجرد استعراض عضلات سياسية. إنها استعراض عضلات ميليشياوية، تمارس سلطة فعلية في هذه البلدان، ما يجعل مصائرها تتقرر في طهران

وماذا تملك إيران لتقدمه؟ لا شيء سوى تلك الصواريخ والطائرات. لا شيء سوى “تصدير الثورة”.

فإذا ما سألت عن التمدد كيف يكون، فانظر إلى التمدد الإيراني في البحرين، ولسوف ترى منظمات “خيرية” ومشروع “تشيع”، بريئا وسلميا، لا يريد شيئا سوى أن يلطم على الحسين في عاشوراء، ومن بعدها جمعيات سياسية، وميليشيات، وفساد يمتد إلى أركان البناء، وقراءة هدّامة، شقاقية، وجرائمية للتاريخ الديني. هذا إذا لم يُكتشف رأس ولي من الأولياء الصالحين، لكي تنشأ عصابة طائفية لحمايته، كما توفر في مرقد “السيدة زينب” في دمشق، فأصبح كعبة لبيع المحابس و”زاوج المتعة”.

ثم انظر في الأزمة التي نشأت في سوريا، وهي أمر ما يزال من الممكن أن يحدث في الجزائر بسبب عطب المكائن السياسية فيها. وسترى كيف توسعت الأدوار حتى صارت احتلالا شبه تام.

لا يشكل استقلال الجزائر حصانة ضد نزاعات التمدد “الثورية” الإيرانية، ولا حتى مذهبها المالكي. فـ”الثورة ضد الاستكبار العالمي” التي يقودها الولي الفقيه، تستطيع أن تُغنّي في الجزائر الأغنية نفسها التي يغنيها الرئيس تبون ضد إسرائيل. ولن يطول عليه الوقت ليرى الشعار يُرفع في الجزائر “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل”، كما ترفعه ميليشيات الحوثي في صنعاء، لكي يعرف أن “المدد” قد جاء.

يريد الرئيس تبون أن يذهب إلى طهران لكي يأتي به. فيبيع استقلالا لم يجرؤ أحد على بيعه.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: