تعمل الحكومة الجزائرية على تبديد الصورة القاتمة حول وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، وهي تعكف في هذا الإطار على صياغة قانون جديد يحد من ظاهرة الاتجار بالبشر.
وتتعرض الجزائر لانتقادات متكررة من منظمات دولية بسبب “سوء معاملة المهاجرين الأفارقة”، كما أن السلطة الجزائرية تواجه إحراجا كبيرا حيال ظاهرة هجرة الشباب الجزائري التي تفاقمت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة.
وقرر مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير الذي عقد برئاسة الرئيس عبدالمجيد تبون، إصدار قانون حول وضعية الاتجار بالبشر، وصرّح الرئيس الجزائري خلال الاجتماع بأن هذا القانون سيشكل قيمة مضافة ويعزز النصوص القانونية في مجال حماية حقوق الإنسان.
ولم تستبعد دوائر قانونية أن يأتي القانون الجديد بإجراءات صارمة في حق شبكات تهريب البشر، مقابل تحسين وضعية الاستقبال والترحيل، فضلا عن فرض المزيد من القيود على الهجرة غير النظامية، لكن ذلك يبقى مقرونا بمدى مردودية الإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية التي أقرتها السلطة، وجدواها في تغيير موقف الآلاف من الشباب الجزائري الحالم بالهجرة إلى أوروبا.
السلطة الجزائرية تواجه إحراجا كبيرا حيال ظاهرة هجرة الشباب الجزائري التي تفاقمت بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة
ويمثل القانون المنتظر رسالة سياسية للدوائر الدولية الرسمية والمستقلة، وينطوي على تطمينات وضمانات جديدة لتخفيف حدة الانتقادات التي تثار حول وضعية حقوق الإنسان في الجزائر، خاصة في ظل الإفادات التي يقدمها مهاجرون أفارقة حول ظروف التهجير القسري وسوء المعاملة والإفراط في ممارسة التعسف في حق هؤلاء.
وتحولت الجزائر في السنوات الأخيرة إلى مقصد وإلى نقطة عبور لأعداد كبيرة من المهاجرين الأفارقة، لاسيما القادمين من مالي وتشاد والنيجر، وعمدت السلطات المختصة في أكثر من مرة إلى إعادة هؤلاء إلى الشريط الحدودي الجنوبي، في ظروف وصفها البعض بـ”غير الإنسانية”، على اعتبار أن هؤلاء سيضطرون إلى قطع دول أخرى من أجل العودة إلى بلدانهم الأصلية في ظروف خطيرة.
وفي ظل غياب بيانات رسمية حول أعداد المهاجرين غير النظاميين وشبكات الاتجار بالبشر، تحدث تقرير إسباني مؤخرا عن “وصول 250 مهاجرا من الضفة الجنوبية إلى جزر البليار، أغلبهم جزائريون والآخرون أفارقة، خلال إجازة أعياد الميلاد”، لينضافوا إلى المئات الذين يصلون يوميا خاصة إلى سواحل إسبانيا، مقابل حديث تقارير محلية عن انقطاع أخبار قاربين لمهاجرين غير نظاميين توجها من وهران إلى إسبانيا في غضون الأسبوع الماضي، الأمر الذي يرجح فرضية غرقهم.
وتفرض الجزائر إجراءات أمنية مشددة للحد من ظاهرة الهجرة السرية، إلى جانب عقوبات صارمة في حق الناشطين في مجال التهجير، لكن أصواتا حقوقية وسياسية شددت على ضرورة البحث في الأسباب السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تضطر شبابا وعائلات بأكملها إلى الهجرة السرية، بدل الإفراط في المقاربة الأمنية لتطويق الظاهرة.
وفيما لم يتعرض الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى ظاهرة الهجرة السرية وتجاهلها في مختلف الخطابات والتصريحات، فإن زعيمة حزب العمال لويزة حنون وصفت في تصريح لها الوضع بـ”الخطير”، وقالت “كأننا نعيش حالة حرب.. يوميا هناك قوارب للهجرة السرية تشد الرحال إلى الضفة الأخرى من أوروبا”.
الجزائر تفرض إجراءات أمنية مشددة للحد من ظاهرة الهجرة السرية، إلى جانب عقوبات صارمة في حق الناشطين في مجال التهجير
وظلت الجزائر محل انتقاد منظمات حقوقية دولية وإقليمية حول ظاهرة الهجرة السرية والاتجار بالبشر، ولذلك ظلت منذ العام 2016 إلى غاية العام الماضي مصنفة ضمن المستوى الثالث في تقرير الاتجار بالبشر، ولم يتم إنزالها إلى المستوى الثاني إلا في شهر يوليو الماضي، وهي تريد تعزيز مكانتها بإجراءات قانونية منتظرة لتمتين ثقة تلك الدوائر.
وتعتبر الجزائر نفسها ضحية لظاهرة عابرة للحدود، فهي مقصد ونقطة عبور للوافدين من القارة السمراء، ولذلك فإن العملية تتطلب جهودا حكومية مشتركة وبمساعدة منظمات وهيئات دولية، حيث دعا الدبلوماسي لزهر سوالم، المدير العام للعلاقات متعددة الأطراف بوزارة الشؤون الخارجية، إلى “ضرورة تكثيف الجهود الدولية لمواجهة جريمة الاتجار بالبشر وخطرها، وأن بلاده ضحية لهذه القضية نظرا لما تعرفه المنطقة من أزمات متتالية تنشط في ظلها جماعات إجرامية”.
ولفت مختصون إلى أن القانون المنتظر يأتي في وقته المناسب، ويؤمّل من خلاله أن يسد النقائص الموجودة في النصوص القديمة، ويضع آليات جديدة بخصوص التعامل مع الأفارقة غير النظاميين، فضلا عن وضع تدابير جديدة تتصدى لنشاط شبكات تهريب البشر.
وحسب تقرير لوكالة مراقبة الحدود الأوروبية “فرونتكس”، فإن 67 في المئة من المهاجرين غير النظاميين القادمين إلى إسبانيا حتى نهاية يوليو 2021 عبر البحر المتوسط كانوا من الجزائر، وهو ما يبرز حجم التدفق الهائل للمهاجرين السريين مرورا بالسواحل الجزائرية.
وأدرجت الجزائر منذ سنوات مهمة محاربة شبكات الهجرة والاتجار بالبشر ضمن مهام الوحدات العسكرية المرابطة على الحدود، كما هو الشأن للتهريب والمخاطر العسكرية، غير أن اختلالات ظهرت في المنظومة، مما يكون قد دفعها إلى بلورة تشريع جديد أكثر فاعلية من النصوص القانونية المعمول بها حاليا، كونها أظهرت عدم فعاليتها في التصدي للظاهرة.
وينص القانون الجزائري الحالي على أنه “يعاقب على تهريب المهاجرين بالحبس من ثلاث سنوات إلى خمس سنوات وبغرامة من 300.000 إلى 500.000 دينار جزائري”.