لم تهضم الحكومة الجزائرية بعد، أن مسألة الجفاف هي ظاهرة مناخية يستوجب التعامل معها بكل الإمكانيات المتاحة وغير المتاحة، وأن دورها هو تشييد السدود وحفر الآبار وإصلاح شبكات التوزيع، والاستغلال اللازم لتساقط الأمطار، وغرس أحزمة الغابات.. وغيرها، وأن صلاة الاستسقاء هي شعيرة دينية يبادر بها الناس بمحض إرادتهم للتقرب من ربهم والتضرع إليه ليغيث الأرض والإنسان والحيوان.
باتت صلاة الاستسقاء توجها يقع في صلب عمل الحكومة، فتقيم الصلوات في عموم مساجد الجمهورية، كلما اشتد الجفاف وأمسكت السماء ماءها، وكأنها هي الحل الوحيد لقوانين الطبيعة، وكأن الذي خلق هذا الكون لا ينتظر من البشر إلا صلاة الاستسقاء، ليتنازل عن النواميس التي وضعها لصالح البشر.
منذ سنوات دق الخبراء والمختصون أجراس الإنذار من موجة الجفاف التي تضرب البلاد والمنطقة عموما، ومن بين التحذيرات تقرير أعدته الأمم المتحدة حول الوضعية الخطيرة التي ستشهدها منطقة شمال أفريقيا، جراء التغيرات المناخية، هو حتمية طبيعية للتوقعات المؤلمة التي تنتظرنا في المدى القريب.
◙ هناك الكثير من اللبس بين العبادة والحكمة، لأنه كثيرا ما يجرؤ البعض على التحايل ليس على بعضهم فحسب، بل على الله، فكثرت ممارسات النفاق والمظاهر الزائفة
الجدير بالحكومة الالتفات الجدي لمواجهة ظاهرة الجفاف بالبحث والعلم والاستشراف، وإيجاد الحلول الملائمة، فقد تصبح هذه المنطقة غير قابلة للحياة تماما بسبب الجفاف، وليس بالدعوة في كل مرة إلى صلاة الاستسقاء التي لم تعد مصدرا لإغاثة الناس، ليس لأنهم عصاة، وإنما لأنهم استعملوها في غير محلها ولذلك باتت لا جدوى منها.
الإنسان منذ العصور القديمة عاش وعمل على تطويع الطبيعة وكان اكتشاف النار بالنسبة إليه إنجازا كبيرا لا يضاهيه في العصر الحديث، مثلا، إلا اكتشاف الكهرباء، لكن هذه الردة التي نعيشها في الجزائر خرجت عن أحكام المنطق، لأنها حولت عجزه وفشله إلى اتكال على إرادة السماء، بدل تجسيد تلك الإرادة على الأرض وتحويلها إلى أمر واقع، لأن الأصل أن رسالة الإنسان هي تعمير الأرض وخلافتها.
في كل مرة يضرب فيها الجفاف البلاد تأمر الوزارة الوصية بصلاة الاستسقاء، وفي كل مرة يستجيب الناس، ولا ينزل المطر، فما الذي حدث؟ هل صار الناس عصاة لهذه الدرجة ولا يستجيب الخالق لدعواتهم؟ أم أن الحكومة هي العاصية لأنها صارت تمارس الحيلة حتى في صلاة الاستسقاء والتعبد إلى الله؟
بعض سليطي اللسان في الجزائر قالوا إن وزارة الشؤون الدينية لا تبرمج صلاة استسقاء، إلا بعد أن تطّلع على خارطة التوقعات الجوية، وتحاول في كل مرة برمجتها في توقيت واحد، ليقول غير المصلين إن الله يستجيب لأجندة الحكومة ولورع الناس. ولأن الحيلة لم تعد تنطلي على أحد، فإن الجفاف مستمر والغيث لم ينزل بعد الصلوات التي أقيمت. وفوق ذلك ذهب بعض السذج إلى أن تغيير يومها من السبت إلى الجمعة سيغير المفعول، وكأن الخالق يفاضل بين الأيام.
في الثلاث سنوات الأخيرة تراجعت التساقطات المطرية بشكل كبير، وطال الجفاف المحاصيل والحيوان وماء الشرب، والقادم أسوأ بحسب الخبراء والمختصين، لكن لا حديث ولا نقاش جادا داخل الحكومة ولا داخل المجتمع حول كيفية مواجهة الوضع، وكأن الحل في صلاة الاستسقاء.
وما لم تفهمه النخب الحاكمة والمسيرة للشأن العام في البلاد، أن للصلاة المذكورة سياقها وشروطها ودواعيها وليست هي الحل الوحيد لظاهرة الجفاف، فقبل ذلك ما هو وضع شبكات التوزيع والصرف التي يعود بعضها إلى عقود خلت، والتي تهدر بسببها كميات كبيرة من الماء. وما هو وضع السدود والحواجز المائية وكم برمجت الحكومة من مشروع لاستغلال أكبر قدر ممكن من الأمطار، وما هي وضعية حواجز الغابات الكفيلة بتلطيف الجو ومقاومة التغيرات المناخية، ووقف زحف الصحراء إلى الشمال؟
◙ صلاة الاستسقاء باتت توجها يقع في صلب عمل الحكومة، فتقيم الصلوات في عموم مساجد الجمهورية، كلما اشتد الجفاف وأمسكت السماء ماءها، وكأنها هي الحل الوحيد لقوانين الطبيعة
خلال العام 2020، ولكي لا يقال إن العاصمة دون ماء، تم تبديد كميات ضخمة من الماء من ثاني سدود البلاد (كدية أسردون)، حيث تم تفريغ أسبوعي ليس عبر القنوات الناقلة، وإنما عبر مجرى الوديان في عز الصيف، فضاع ما ضاع في التربة الجافة وفي ري النباتات والأشجار على مسافة نحو 100 كلم، ووصل جزء يسير إلى حنفيات سكان العاصمة ومغاسل المؤسسات الرسمية. وهذا نموذج من نماذج تسيير الثروات المائية في البلاد. فكيف يغيث الخالق خلقه بركعتي صلاة وهم لم يحترموا أبرز قواعد الحكمة والاستقامة التي وضعها لإدارة قوانين الطبيعة.
هناك الكثير من اللبس بين العبادة والحكمة، لأنه كثيرا ما يجرؤ البعض على التحايل ليس على بعضهم فحسب، بل على الله، فكثرت ممارسات النفاق والمظاهر الزائفة، ودخلت حتى في التقاليد الرسمية، وتعمد سياسات الهروب إلى الأمام. وفيما يبحث العالم عن حلول للتغيرات المناخية ولتداعياتها على حياة الإنسان، تستسهل الحكومة الأمر وتكتفي بالدعوة إلى إقامة صلاة الاستسقاء لنزول المطر.
هل تكفي صلاة الاستسقاء لتحقيق الأمن المائي، ذلك ممكن برأي الموروث الديني والفقهي، لأن قدرة الخالق تفوق كل شيء، لكن للخبراء والمختصين رأي آخر: من لم يعمل على تطويع الطبيعة جاهدا سينتهي كما انتهت أقوام أخرى. فقط الأسباب تختلف، وإذا كان غياب الغيث عن الناس نوعا من العقاب الرباني، فإن تجاهل قوانين الطبيعة نوع من العصيان يمارسه الناس بقيادة الحكومة.