جوزيب بوريل في الرباط لتجاوز سوء تقدير بشأن الصحراء

ماموني

تشكل زيارة الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل إلى الرباط، فرصة لإنهاء سوء التقدير الذي وقع فيه المسؤول الأوروبي بشأن الصحراء المغربية، والتأكيد على حرص أوروبا لتعزيز الشراكة الإستراتيجية مع المغرب.

أعرب المغرب والاتحاد الأوروبي عن رغبتهما المتبادلة في تعميق الحوار والتعاون في إطار الشراكة الإستراتيجية بين الجانبين، والتي يوليها العاهل المغربي الملك محمد السادس أهمية خاصة، وذلك خلال مباحثات أجراها رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش مع الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية جوزيب بوريل.

وبدأ بوريل الخميس زيارة رسمية إلى الرباط تستمر يومين، بعدما ألغت المملكة في سبتمبر الماضي اجتماعا ثنائيا كان مقررا معه، وذلك احتجاجا على تصريحات أدلى بها بوريل لقناة إسبانية تخص ملف الصحراء المغربية.

ويتعامل المغرب بحساسية كبيرة حيال أيّ مواقف أو تصريحات لاسيما تلك التي تصدر عن شركاء فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية، وتعتبر الرباط أن هذه القضية تشكل المحدد الرئيسي لشكل وطبيعة العلاقات مع القوى الدولية والإقليمية.

وتأتي زيارة المسؤول الأوروبي لطي صفحة سوء التقدير الذي وقع فيه الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية، وتصحيحا للخطأ الذي ارتكبه في تصريحاته حول قضية الصحراء المغربية.

وكان بوريل قال في حوار مع تلفزيون “أر تي في أ” الحكومي الإسباني إن ”حل النزاع في الصحراء المغربية يمرّ عبر تنظيم استشارة للشعب الصحراوي”، مضيفا أنه “يجب تنظيم مشاورات بحيث يكون الشعب الصحراوي هو الذي يقرر مستقبله والحكومة الإسبانية تدافع أيضًا عن نفس الموقف”.

 

هشام معتضد: الاتحاد الأوروبي أمام اختبار فيما يخص ملف الصحراء
هشام معتضد: الاتحاد الأوروبي أمام اختبار فيما يخص ملف الصحراء

 

وأثار هذا الموقف غضب المغرب، قبل أن تأتي هذه الزيارة وتعيد تصويب المسألة.

والتقى بوريل خلال زيارته إلى الرباط مع رئيس الحكومة ووزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين في قطاعات اقتصادية ومن المجتمع المدني، وكانت فرصة لمناقشة معمقة حول تنفيذ الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، بما في ذلك منظور أجندة البحر الأبيض المتوسط الجديدة.

وأشاد أخنوش بديناميكية العلاقات الثنائية بين المملكة والاتحاد الأوروبي، والتي مكنت من هيكلة الشراكة بين الجانبين وتجويدها على مختلف الأصعدة، وبحصيلتها الإيجابية في مجالات الزراعة والصيد البحري، والمالية والاستثمار والاقتصاد الأخضر، والهجرة والأمن، منوها بالقيمة الرفيعة التي بلغتها المبادلات التجارية بين الطرفين، وهو ما مكّن المغرب من تبوّؤ مكانة الشريك الاقتصادي والتجاري الأول للاتحاد الأوروبي في القارة الأفريقية.

وعلق هشام معتضد الأكاديمي والخبير المغربي في العلاقات الدولية، والمقيم في كندا، أن موافقة المغرب على هذه الزيارة يعني أن المسؤول الأوروبي راجع مواقفه بخصوص ملف الصحراء، وأن الاتحاد الأوروبي عمل على احتواء الوضع بكل مسؤولية دبلوماسية وهو ما يبرهن مرة أخرى على التزامه الإستراتيجي تجاه هذا الملف خاصة بعد خطاب العاهل المغربي، في أغسطس الماضي، الذي حدد بشكل قطعي وصريح أن ملف الصحراء هو النظارة التي يرى من خلالها المغرب عالمه الخارجي.

وأكد معتضد في تصريحات لـه أن بوريل ومن خلاله الاتحاد الاوروبي أمام فرصة جديدة لإظهار نواياه الحسنة تجاه قضية الصحراء المغربية وإثبات أنه قادر على دعم القضايا العادلة، خاصة وأن المؤسسة الأوروبية تعلم تطورات قضية الصحراء وقادرة على المساهمة الفعالة في تسريع مسلسل التسوية السياسية الخاص بهذا النزاع المفتعل، والتأقلم مع التحولات الجيوستراتيجية التي يعرفها الملف على الساحة الإقليمية والدولية، خاصة وأن توجه المنتظم الدولي المتعلق بقضية الصحراء عرف تطورات سريعة قطعت مع الأيديولوجيات ذات التوجه الانطوائي والاستغلالي للملف.

 

زيارة تعيد تصويب المسار
زيارة تعيد تصويب المسار

 

وشدد بوريل على أهمية الشراكة الإستراتيجية التي تجمع الاتحاد الأوروبي بالمغرب في مختلف المجالات التي تراعي البعد الجيوسياسي للمحيط المتوسطي. وأوضح في مؤتمر صحافي مع ناصر بوريطة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج أن المغرب يظل شريكا موثوقا به للاتحاد الأوروبي رغم الصعوبات والتحديات التي يواجهها الطرفان .

أما بخصوص موقف الاتحاد الأوروبي من قضية الصحراء فقد جدد المسؤول الأوروبي التأكيد على دعمه لحل سلمي عملي متوافق عليه من جميع الأطراف برعاية الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

من جهته قال بوريطة إنّ “الشراكة الإستراتيجية بين المغرب والاتحاد الأوروبي تتعرّض بين الفينة والأخرى لتحرّشات قضائية وإعلامية هدفها ضرب عمق هذه الشّراكة، مشددا على أن تلك الشّراكة التي تجمع المملكة بالاتحاد الأوروبي إستراتيجية ومفيدة للطّرفين”.

وأضاف بوريطة أن المغرب يعول على شركائه من أجل الدفاع عن المصالح المشتركة والمتطابقة بين الطرفين بصراحة وإيجابية، معتبرا أن ملف الصحراء يمثل العيون التي يعتمد عليها المغرب من أجل تقييم علاقاته الخارجية مع كل الأطراف.

أخنوش يشيد بديناميكية العلاقات الثنائية بين المملكة والاتحاد الأوروبي، والتي مكنت من هيكلة الشراكة بين الجانبين وتجويدها على مختلف الأصعدة

ومن المواضيع التي تشكل إلى جانب ملف الصحراء مثار تباينات بين الطرفين في بعض الأوقات، اتفاقيات الاتحاد الأوروبي مع المغرب في مجال الزراعة والصيد البحري التي تم التوقيع عليها لأول مرة في عام 2000.

وفي مارس الماضي ورغم دخول قرار المحكمة الأوروبية القاضي بإلغاء اتفاقيتي الزراعة والصيد البحري الموقعتين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، مرحلة الاستئناف، كشف فيرجينيوس سينكيفيوس المفوض الأوروبي للبيئة والمحيطات والثروة السمكية أن الأعضاء السبعة والعشرين في الاتحاد الأوروبي يريدون الاستمرار في التزاماتهم تجاه المملكة.

ولفت هشام معتضد في تصريحاته أن الاتحاد الأوروبي بات يعرف جيدًا أن المغرب أصبح أكثر صرامة ووضوحا فيما يخص تأسيس علاقات إستراتيجية معه وهو الآن أمام اختبار جديد فيما يخص ملف الصحراء وذلك في اطار اتفاقية التبادل التجاري الحر، خاصة وأن المنتوجات القادمة من الأقاليم الجنوبية للمغرب ستكون حجر الأساس ووحدة قياس إرادة المؤسسة الأوروبية في القطع مع مقاربتها الكلاسيكية والالتحاق بالقافلة الدولية الداعمة لتبادل حر يشمل كافة منتوجات المملكة القادمة من جميع ترابها الوطني.

وعلى الرغم من صدور قرار المحكمة الأوروبية القاضي بإلغاء اتفاقيتي الزراعة والصيد البحري الموقعتين بين الاتحاد الأوروبي والمغرب، فإن مفعول القرار القضائي لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد استكمال جميع مراحل التقاضي، بما فيها درجة الاستئناف.

والتزم الاتحاد الأوروبي والمغرب بتوفير أساس مناسب للحوار السياسي الذي يطور أيّ نوع من العلاقات والتنسيق، بالإضافة إلى عقد سلسلة من الاتفاقيات التجارية، ويتعين بموجبها على المغرب تعزيز التجارة وتوسيع هذه العلاقة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: