تستعد جبهة بوليساريو لعقد مؤتمرها السادس عشر الذي سيتم خلاله اختيار رئيس جديد أو منح رئيسها الحالي إبراهيم غالي عهدة رئاسية جديدة، وهو الأمر الذي يرجحه مراقبون في ظل الدعم الجزائري القوي للرجل.
تستمر الخلافات داخل بوليساريو على الاسم الذي سيتولى قيادة الجبهة للسنوات الأربع المقبلة، وهو ما دفع رئيسها الحالي إبراهيم غالي، الذي يتشبث بالرئاسة، الاثنين إلى تكوين لجنة مؤلفة من شخصيات محسوبة عليه للإعداد للمؤتمر السادس عشر المقرر عقده ما بين 13 و17 يناير، في حين يقول مراقبون إن الدعم الجزائري لغالي سيرجح الكفة لصالحه.
وتتكون الهيئة التي يرأسها محمد سالم ولد السالك “وزير خارجية الجبهة” من محمد يسلم بيسط “سفير الجبهة بجنوب أفريقيا”، وخيرة بلاهي “وزيرة الصحة” ومحمد سيداتي ممثل بوليساريو السابق لدى الاتحاد الأوروبي.
ويراهن غالي على هذه الأسماء لاقتراحه مرشحا لمنصب الأمين العام ورئيس الجبهة ما سيزيد من حدة الانقسام مع منافسيه الذين يريدون أن يحلوا مكانه.
ومن بين الأسماء المترشحة عبدالقادر الطالب عمر ممثل الجبهة في الجزائر، والبشير مصطفى السيد المسمى “الوزير المستشار لرئاسة الجمهورية” وإبراهيم غالي ومحمد إبراهيم بيد الله المنسق السابق لميليشيات الجبهة.
ويسمح توفر شرط “تجربة الحرب ضد المغرب” لإبراهيم غالي بإزاحة اثنين من منافسيه الأقوياء، حيث طالبت عدة أصوات قيادية داخل الأمانة العامة وكبار المسؤولين التنفيذيين في نوفمبر الماضي بإلغاء هذا البند.
وأكد محمد الطيار الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية أن مصير بقاء قيادة بوليساريو مرتبط بالنظام الجزائري الذي يغذي الانفصال بالأقاليم الجنوبية المغربية بشتى الطرق، ما يجعله معنيا بالدرجة الأولى بالإبقاء على رئيس الجبهة الحالي للفترة المقبلة، رغم مظاهر الضعف والارتباك التي تبدو عليها الجبهة تحت قيادة إبراهيم غالي والهزائم المتوالية وأيضا الانقسامات الكبيرة.
وبدوره اعتبر مصطفى ولد سيدي مولود، القيادي السابق ببوليساريو، أن معادلة قبيلة “الركيبات” ثابتة موروثة من زمن محمد عبدالعزيز وهي التي تحكم داخل الجبهة، والحاسمة لصالح رأس هرم السلطة في الجبهة، مشددا على أنه ما دامت قبيلة ركيبات الشرق (أهل براهيم وداود، لبيهات، الفقرة) ليس لديها مرشح منها لخلافة غالي في الوقت الراهن، فإن أغلبيتهم المريحة في المخيمات ستختار غالي لعهدة ثالثة مهما كانت مساوئه.
وحذر إبراهيم غالي في تقرير قدمه إلى المسؤولين الجزائريين من عواقب إزاحته من قيادة جبهة بوليساريو على الاستقرار في مخيمات تندوف، إذ يستفيد من دعم الركيبات وهي أكبر قبيلة صحراوية، وأيضا من دعم الجيش الجزائري، فيما يفتقد منافسوه لهذا الدعم.
وبخصوص محمد إبراهيم بيد الله، وهو أحد مؤسسي الحركة الانفصالية، الذي يستوفي شرط “التجربة القتالية”، والمنتمي إلى قبيلة الركيبات بدوره، فقد أوضحت نفس المصادر أن المسؤولين بالجزائر يضعون حوله عدة علامات استفهام بشأن ولائه.
وأكد محمد الطيار أن وضعية بوليساريو الداخلية وانعدام الخيارات أمام قيادتها، مع ارتفاع الأصوات داخل مخيمات تندوف المطالبة بإنهاء الصراع، والمنادية بالكف عن إرسال المجندين إلى الجدار الأمني المغربي، حيث يلقون جميعا مصرعهم، كلها عوامل ستجعل من المؤتمر المقبل محطة أخرى من محطات التراجع والخيبات حتى وإن تم التوافق على استمرار إبراهيم غالي في قيادة الجبهة بمباركة جزائرية.
ولفت محمد الطيار إلى أن ما يحدث الآن هو عجز الجزائر وبوليساريو عن قراءة التوازنات والتطورات الحاصلة في قضية الصحراء المغربية وكيف حسم المغرب المشكلة المفتعلة بشكل نهائي، وأشار إلى توالي الانقسامات التي لم تعجل بالتوافق على شخصية أخرى لقيادة الجبهة ما ينبىء بنهاية بوليساريو الوشيكة، خصوصا بعد تخلي إسبانيا عن المشروع الانفصالي وتخليها عن قادة الجبهة الذين يحمل أغلبهم الجنسية الإسبانية وعلى رأسهم إبراهيم غالي.
إبراهيم غالي حذر الجزائر من عواقب إزاحته من قيادة جبهة بوليساريو على الاستقرار في مخيمات تندوف
ولم تتحدث جبهة بوليساريو عن الخلافات العميقة التي شهدها اجتماع أمانتها العامة الذي عقد نهاية ديسمبر الماضي، وادعت في المقابل وجود “موقف موحد من كافة القضايا والمواضيع المطروحة التي تضمنتها الوثائق المرفوعة إلى المؤتمر”، وعلى رأسها الاستمرار في مواجهة المغرب الذي تصفه الجبهة بـ”العدو”.
ووجهت الأمانة العامة للجبهة الانفصالية رسالة إلى سكان مخيمات تندوف، ودعتهم إلى الوقوف “وقفة رجل واحد، لتقوية عرى التلاحم والوحدة الوطنية”، ومواجهة ما أسمته بـ”التحديات الكبيرة والمتزايدة، والتصدي لمؤامرات العدو ومناوراته وتعنته”.
وقبل أيام قليلة من انعقاد مؤتمرها طالب تحالف مجموعات “الإصلاح” المنضوية تحت راية “مناضلي الجبهة” بالتخلص من الوجوه المعمرة، ومحاسبتهم على “التجاوزات والاختلالات القاسية” التي ارتكبها ممثلو قيادة الحركة الانفصالية، وعجزهم عن تحقيق أهداف الصحراويين، رغم أن هذا التحالف لم يعلن عن تأييده لأحد المرشحين لقيادة بوليساريو.
وقال القيادي بالجبهة محمد لغظف عوة مقرر ما يسمى بـ”لجنة الخارجية والإعلام والتشريفات” خلال اللجنة التحضيرية للمؤتمر إن المؤتمر القادم “سيعقد في ظل ظروف استثنائية، أبرزها استئناف الكفاح المسلح، وأخرى دولية متغيرة لها انعكاسات على المستويين الإقليمي والجهوي، والقضية الصحراوية بشكل عام”.
وبخصوص خيار الحرب الذي تلوّح به بوليساريو مرارا وتأكيد أمانتها العامة على هذا الأمر في آخر اجتماعها نهاية ديسمبر الماضي، فقد أكد محمد الطيار أن تلك التهديدات تهدف إلى التغطية على ما حصدته قيادة الجبهة الانفصالية من الخيبات والإخفاقات السياسية، ورفض السلام والاحتفاظ بالمحتجزين كورقة في صراعها مع المغرب.