يثير مستقبل العلاقات الروسية – الجزائرية تساؤلات كثيرة في ظل مؤشرات على فتور بين الجانبين، وقد تكرس مع تأجيل أو إلغاء الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون زيارته إلى موسكو، وانتقاد تبون لحضور مجموعة فاغنر في مالي.
لم يجر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون زيارة لروسيا كما كان منتظرا قبل نهاية العام المنقضي، مما يوحي بتطورات غير معلنة في العلاقات بين البلدين، خاصة مع الضغوط الغربية على الجزائر لتخفيف اندفاعها صوب موسكو.
وكان الرئيس الجزائري انتقد قبل أيام وجود عناصر فاغنر في مالي وذلك في حوار أجراه مع صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، حيث اعتبر أن الأموال التي تصرف على العناصر الروسية كان الأجدى استغلالها في التنمية.
وأثارت تصريحات الرئيس تبون المنتقدة بشكل ضمني للوجود الروسي تكهنات كثيرة، حول ما إذا كانت العلاقات بين الطرفين التي لطالما وصفت بالتاريخية والإستراتيجية قد دخلت طور الفتور.
إلغاء مناورات عسكرية مع روسيا كان من المنتظر أن تجرى في حماقير الواقعة في أقصى الجنوب الغربي للجزائر
وتعززت وجاهة هذه التكهنات مع عدم ذهاب الرئيس تبون إلى موسكو، خصوصا أن تسريبات من قصر المرادية أكدت في الفترة الماضية أن الاستعدادات تجري على قدم وساق لهذه الزيارة.
ويحمل الإرجاء أو الإلغاء عدة دلالات حول منعطف جديد في العلاقات الجزائرية – الروسية، خاصة وأنه تزامن مع وقائع تفتح المجال أمام فرضية فك الارتباط بين الطرفين بسبب الضغوطات التي سلطها الغرب، لاسيما الولايات المتحدة، خلال الأشهر الأخيرة، من أجل إبعاد الجزائر عن الحليف الروسي.
ويأتي التحول الجديد بالتزامن مع عدة تطورات مثيرة، حيث تم خلال شهر نوفمبر الماضي الإعلان عن إلغاء مناورات عسكرية كانت مقررة بين وحدات عسكرية مشتركة من البلدين في منطقة “حماقير” الواقعة في أقصى الحدود الجنوبية الغربية للبلاد، وفيما اكتفت وزارة الدفاع الجزائرية ببيان مقتضب لم توضح فيه الأسباب الحقيقية لقرار الإلغاء، تحدثت مصادر إعلامية روسية عن “انشغال الجيش الروسي بالحرب في أوكرانيا”.
وكان الجيشان أجريا قبل ذلك مناورات عسكرية مشتركة في روسيا، وفق ما قالت عنه القيادة العسكرية في البلدين إنه “برنامج مسطر خلال العام 2022”، كانت مناورات حماقير إحدى محطاته.
وحمل تصريح تبون بشأن مجموعة فاغنر طابعا مفاجئا للمتابعين قياسا بنوعية العلاقات التي تربط الجزائر بروسيا، خاصة وأن بلاده هي التي سهلت مهام القوات المذكورة في النزول إلى مالي، فضلا عن أن التصريح لوسيلة إعلامية فرنسية قد يحمل موقفا معينا، قياسا بالتوتر الذي طبع العلاقة بين باريس وموسكو منذ العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
وفي توزيع نهائي لموازنة القطاعات المعلن عنها في الجريدة الرسمية الجزائرية في عددها الأخيرة، تم الإعلان عن تخصيص أقل من 18 مليار دولار لوزارة الدفاع الوطني، بعدما تم الكشف في وقت سابق عن تخصيص نحو 23 مليار دولار في مشروع قانون المالية للعام الجديد، أو خلال المصادقة عليه من طرف نواب غرفتي البرلمان.
ولم يستبعد مراقبون أن يكون قرار الخفض ناجما عن ضغوطات غربية وأميركية تحديدا على السلطات الجزائرية، بعدما تحدثت تقارير دولية عن تخصيص الجزائر لموازنة ضخمة للمؤسسة العسكرية، تحسبا لإبرام صفقات عسكرية تقدر بنحو 12 مليار دولار مع روسيا خلال العام الجديد.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن زار الجزائر في شهر أبريل الماضي، في زيارة وصفت حينها ببداية دخول الجزائر معترك الاصطفافات بين الغرب وروسيا في أتون الأزمة الأوكرانية، خاصة بعدما أعقبتها زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، حيث تم الإعلان عن توجيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوة لنظيره الجزائري لزيارة موسكو، وتبعتها سلسلة مشاورات وتحضيرات أكدت أن الزيارة ستكون قبل نهاية العام الجاري.
كما أجرت سفيرة واشنطن في الجزائر عدة لقاءات مع مسؤولين جزائريين في وزارة الخارجية وقيادة أركان الجيش، بالتوازي مع دعوة أعضاء من الكونغرس حكومة بلاهم إلى إدراج الجزائر في خانة الدول المعادية للمصالح الأميركية، بسبب تقاربها مع روسيا وقرب إبرام صفقة عسكرية ضخمة تسمح بتوفير مورد مالي للخزينة الروسية، وبإجهاض حزمة العقوبات المسلطة على روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
وتبعت ذلك زيارة منسق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك مطلع الشهر المنقضي، رفقة مسؤولين آخرين، حيث تم استقبالهم من طرف الرئيس تبون، ولا يستبعد أن تكون الزيارة حلقة من سلسلة الضغوطات الأميركية على الجزائر من أجل إبعادها عن روسيا.
وتحولت مالي المرتبطة باتفاق سلام ترعاه الجزائر منذ العام 2015، إلى ساحة صراع قوي بين فرنسا وروسيا، بعدما قررت باريس الانسحاب العسكري من باماكو وإنهاء عملية “برخان”، ودخول قوات فاغنر كحامية للأمن الداخلي بموجب اتفاق مبرم بينها وبين المجلس العسكري الحاكم في البلاد. وقال تبون في حوار مع لوفيغارو “الإرهاب ليس أكثر ما يقلقني، يمكننا هزيمته.. أنا قلق أكثر من حقيقة أن منطقة الساحل تغرق في البؤس.. الحل هناك هو 80 في المئة اقتصادي، و20 في المئة أمني”.