حاولوا اختطاف نائب الرئيس.. مواجهة شرسة مع عصابات المخدرات في بلجيكا
أكد وزير العدل ونائب رئيس الوزراء البلجيكي، فانسان فان كويكنبورن، أن مافيات المخدرات الدولية باتت تشكل خطرا على الأمن القومي لبلاده، يناهز إرهاب الجماعات المتطرفة، التي أعلنت مسؤوليتها عن تفجيرات بروكسل الدامية قبل نحو 6 أعوام.
وأوضح الوزير البلجيكي في تصريحات خاصة لصحيفة “التايمز” البريطانية أنه وبعد ضبط كميات هائلة من الكوكايين في ميناء أنتويرب، واعتقال العديد من “أمراء المخدرات”، ومحاولة اختطافه، فإن محاربة تلك المافيات أصبح الأولوية رقم واحد للأمن القومي لبلاده.
وتابع: “الجريمة المنظمة هي الإرهاب الجديد الذي نواجهه اليوم.. إنها معركة صعبة للغاية، وهي تذكرنا بالهجمات الإرهابية التي شهدتها بروكسل”، في إشارة إلى التفجيرات الانتحارية التي هزت العاصمة البلجيكية في مارس من العام 2016 وأسفرت عن مقتل 32 شخصًا على الأقل.
ويعيش فان كويكنبورن، 49 عامًا، في حجز وقائي مع زوجته وأطفاله بعد أن أحبطت الشرطة محاولة مافيا مخدرات هولندية لاختطافه، وقد أمضى إجازة أعياد الميلاد في منزل آمن تحت حراسة مشددة.
وفي أواخر سبتمبر، اعتقلت السلطات المختصة أربعة رجال قرب منزل الوزير البلجيكي، وكان بحوزتهم بندقية كلاشينكوف وقنابل وأسلحة أخرى.
وتعتقد أجهزة الأمن البلجيكية أن “شخصية بارزة في عالم المخدرات” قد أمرت باختطاف فان كويكنبورن لاستخدامه كورقة مساومة مقابل إطلاق سراح سجين خطير.
“أمر مروع”
وعن حديثه عن محاولة اختطافه، قال الوزير البلجيكي: “لم يشكل الأمر مفاجأة بالنسبة لي، ولكنه كان أمرا مروعا باعتبار أن تلك المحاولة كانت سوف تستهدف أفراد عائلتي”.
وتابع: “لكن وفي الوقت نفسه فإن تلك المحاولة تعد دليلا واضحا على أننا وجهنا لتلك المافيات ضربات موجعة.. إنهم يحاولون ترهيبنا، بيد أن هذا لن يجدي نفعا، فنحن لن نتراجع أو نستسلم”.
وأحد المشتبه في الإعداد لمحاولة الاختطاف، زعيم مافيا هولندية يدعى، رضوان تاغي، وهو من أصول شمال أفريقية، ويقبع حاليا داخل سجن شديد الحراسة بالعاصمة أمستردام.
وتاغي، البالغ من 45 عاما، متهم بإصدار أوامر بقتل شاهد رئيسي ضده واستهداف محامي نيابة رفيع المستوى، وقتل الصحفي الهولندي البارز والناشط في مجال العدالة، بيتر دي فريس.
“تهديدات حقيقة”
ويوضح فان كويكنبورن في تصريحاته أن “عصابات الجريمة المنظمة تستخدم حاليا أساليب إرهابية، فقبل نحو عشرة أعوام كانوا يستهدفون بعضهم البعض والآن باتوا يستهدفون الدولة ورجالاتها من سياسيين ورجال شرطة وقضاة بالإضافة إلى قتل الصحفيين، لذلك يمكننا الحديث بشكل جازم وواضح عن وجود تهديد حقيقي لبلدنا”.
وهناك مشتبه هولندي آخر في محاولة الاختطاف يدعى “جوس ليديكر” والمعروف باسم “بولي” الذي يعني بالعربية “ممتلئ القوام”.
وتشير تحقيقات الشرطة إلى أن ليديكر(30 عاما) يعد أحد المهربين الرئيسيين للكوكايين إلى أوروبا، وقد جرى ربطه بصور امرأة عارية مقتولة وعليها علامات تعذيب، عثر عليها في هاتف من طراز “بلاكبيري” جرت مصادرته أثناء عملية القبض على رضوان تاغي في دبي في العام 2019.
ويقول مسؤولون إن ليديكر قد غسل أموالا تقدر بعشرات الملايين من الدولارات ومئات الكيلوغرامات من الذهب، وأنه يتزعم “عصابة الأخطبوط” التي اشتهرت بإخفاء المخدرات في شحنات الحبار المجمد.
وتستحوذ عصابات المخدرات التي يديرها تاغي وليديكر على الجزء الأكبر من تجارة الكوكايين الأوروبية، فيما أشارت التحقيقات إلى أنهما يجلبان المخدرات إلى ميناء أنتويرب قبل توزيعها في أنحاء أوروبا.
“ضربة موجعة”
وكانت تجارة المخدرات قد تضررت بشدة خلال العام الماضي بسبب موجة من الاعتقالات إثر فك تشفير تطبيق “SKY ECC”، وهو تطبيق مراسلة آمن كان يستخدم كثيرًا من قبل أفراد وزعماء المافيات الدولية.
وقد تمكنت الشرطة البلجيكية من الحصول على نحو مليار رسالة جرى إرسالها عبر ذلك التطبيق، وفي هذا الصدد يقول فان كويكنبورن: “بات لدينا تفاصيل كثيرة ومعلومات جيدة للغاية بشأن المافيات الدولية والأشخاص الذين يقفون وراءها”.
وتصادر الجمارك البلجيكية كمية كبيرة من الكوكايين في ميناء أنتويرب بحيث لا تستطيع المحارق مواكبة عمليات تدميرها بالكامل.
وكان قد جرى خلال الأسبوع الماضي الترحيب بـ “كريسماس الأبيض” بعد مصادرة عشرة أطنان من الكوكايين تزيد قيمتها على 800 مليون دولار، وذلك مع تكثيف عصابات المخدرات لنشاطها خلال فترة الأعياد.
ووفقًا لأرقام الأمم المتحدة، تصل قيمة تجارة الكوكايين الأوروبية إلى أكثر من 138 مليار دولار سنويًا، ومع وجود مبالغ ضخمة بحوزة تلك العصابات فإن ذلك يشكل تخريبا جليا للاقتصاد في بعض البلدان الأوربية مثل بلجيكا وهولندا.
وقد أدى اختراق تطبيق “SKY ECC” إلى إلقاء القبض على ثلاثة من ضباط الجمارك وكبار الشرطة الذين كانوا ينقلون معلومات استخبارية عن اعتراض شحنات المخدرات إلى رجال العصابات.
وشملت الاعتقالات الأخرى مسؤولين في مكتب المدعي العام البلجيكي وموظفي قواعد البيانات الذين نقلوا تفاصيل الأهداف المحتملة إلى زعماء المافيات.
وأكد فان كويكنبورن: “لدينا أدلة على انتشار فساد على جميع المستويات.. ولكن من المهم أن نقول إن الفساد ليس واسع الانتشار”.
وتابع: “للتأكد من ذلك، فقد أعطينا لجهاز ( إف إس إس إي) و(الذي يعد أقدم منظمة استخبارات في العالم) صلاحيات كبيرة قبل بدء موسم الصيف الماضي، لأننا أردنا التأكد من أن الفساد لا يتفشى، وأنه لن يكون لعصابات المخدرات أي تأثير على عمليات صنع القرار في بلدنا”.
وقد بدأت العمليات التي تستهدف غسيل الأموال، والتي تشمل أساليب سرية مثل عمليات الاقتحام والمراقبة السرية، تؤتي ثمارها بالفعل مع اعتقال أعضاء كبار سابقين وحاليين في البرلمان الأوروبي، إذ جرت مصادرة 1.5 مليون يورو نقدًا على خلفية ما بات يعرف باسم قضية “الرشاوى” المزعومة التي يقال إن قطر متورطة فيها.
وقال فان كويكنبورن إن بلجيكا كانت تحت وطأة عصابات المخدرات مثل بعض دول أميركا اللاتينية والبلقان بيد أنها لم تخضع لها.
ويتوقع وزير العدل البلجيكي حدوث اختراقات في الشرق الأوسط العام المقبل بعد دخول معاهدة تسليم المجرمين مع دبي حيز التنفيذ، مشيرا إلى أنه بعد وبعد تفعيل الاتفاقية فأنهم سوف يتمكنون من استلام نحو 20 مطلوبا.
وفي الشهر الماضي، ألقت السلطات المختصة في دبي القبض على ستة من البريطانيين والهولنديين والإسبان والفرنسيين المشتبه بأنهم من “أسياد المخدرات”، وينتمون إلى “كارتل كبير” يسيطر على ثلث تجارة الكوكايين في أوروبا.
وكان قد جرى تشكيل ذلك الكارتل في حفل زفاف، دانييل كيناهان، في العام 2017، وهو إيرلندي مرتبط بالجريمة المنظمة، وقد حضر ذلك الحفل، رضوان تاغي بالإضافة إلى شخصيات بارزة في مافيا كامورا الإيطالية.
وكان من بين الذين حضروا حفل الزفاف، إدين جاكانين، المعروف أيضًا باسم “تيتو”، وهو هولندي بوسني له صلات قوية مع المافيات في البلقان، وقد جرى اعتقاله الشهر الماضي.