تثير الممارسات العنصرية لجبهة بوليساريو استياء واسعا في مخيمات تندوف. واستجاب العشرات لدعوات أطلقها نشطاء للاحتجاج ضد الميز الذي يمارس في المخيمات، لاسيما بحق ذوي البشرة السمراء.
وردد المحتجون في مخيم الرابوني شعارات مناوئة لجبهة بوليساريو وقيادتها، خاصة مسؤول الثقافة الذي أهان سيدة من ذوي البشرة السوداء، وكذلك أساليب العبودية التي تمارس بحق هذه الفئة، داعين إلى إحقاق المساواة والعدل مع مختلف خلفيات وأعراق المجتمع الصحراوي دون ميز أو تفرقة.
وأصدرت جمعية الحرية والتقدم، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، بيانا طالبت فيه بإنهاء ممارسات العبودية المجرّمة دوليا لفظا وفعلا وقانونا، ورد الاعتبار لفئة “الحراطين” المُضيق عليها من قِبل بوليساريو، داعية إلى إحداث قانون يُجرم ممارسات العبودية، ومعاقبة المتورطين فيها، خاصة المسؤولين في الجبهة، من خلال منعهم من الترشح لأي منصب سياسي.
وخوفا من انفلات أمني قد يوسع رقعة الاحتجاجات طوقت عناصر الجبهة الانفصالية مكان الوقفة الاحتجاجية في ظل حضور أمني كبير.
وتغذي مثل هذه الممارسات العنصرية حالة الاحتقان السائدة في مخيمات تندوف بسبب تقييد التنقل والنقص الحاصل في المواد الغذائية، وإعراض قيادة بوليساريو عن معالجة تلك المشاكل.
ولفت محمد الطيار، الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية، إلى أن ذوي البشرة السوداء من العرقيات التي تم استقدامها إلى المخيمات من منطقة شمال مالي ومن الجنوب الجزائري وموريتانيا يعيشون واقعا مريرا وقاسيا في مخيمات تندوف.
وشدد الطيار في تصريحات لـه على أن الأمر يستدعي تدخلا دوليا لوضع حد لمعاناة هذه الفئة، داعيا الجمعيات الإنسانية والمنظمات الحقوقية الدولية المستقلة إلى تسليط الضوء على الواقع المرير في تندوف، وفتح ملف العبودية في المنطقة ومتابعة قادة بوليساريو المتورطين في جرائم الاتجار بالبشر أمام المحاكم الدولية.
وتشكل حالة سالم بلال محمد سالم التي عرضتها منظومة هيومن راتس ووتش منذ ست سنوات عينة من ضمن العديد من العينات التي تعاني من العنصرية في المخيمات التي تديرها الجبهة الانفصالية.
وكان محمد سالم قد اختطف وانفصل عن أسرته وهو في الرابعة من عمره، ثم أرغم على العمل لمدة 18 سنة من دون أن يتقاضى أي أجر نظير عمله.
وقال محمد سالم، في شهادته “لقد أرغموني على العمل كراع للماشية، وحرموني من أكل جيد، بل ومنعوني من الذهاب إلى المدرسة أو رؤية والدي”، مؤكدا أنه لم ينل “حريته” إلا في صيف 2013، أي في سن الثامنة عشرة، بعد تحوله إلى عبد.
وتدخل أشكال العبودية ضمن الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان التي لا زالت قائمة داخل المخيمات، وسبق أن اتهمت الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان جبهة بوليساريو بخداع المجتمع الدولي، والاستمرار في ممارسة الرق والعبودية في مخيمات تندوف.
وأعلن المحتجون في وقفتهم عن رفضهم لجميع الممارسات غير السوية التي تمس بوحدة المجتمع الصحراوي المسالم، وأضافوا أن ممارسات العبودية يجب أن تظل محل إدانة دائمة من الجميع.
العبودية والاتجار بالبشر يشكلان موضوعا مسكوتا عنه، وتخشى جبهة بوليساريو من إثارته، وتحارب كل من يسعى لفتحه
كما طالبت جمعية الحرية والتقدم بوضع قوانين لتجريم ممارسات العبودية لفظا وقولا في قانون العقوبات، وتسليط أقصى عقوبات التأديب على المسؤولين المتورطين في ممارسة العبودية قولا أو لفظا ومنعهم من التمتع بالحقوق السياسية في الترشح لأي منصب باعتبارهم مجرمين، خصوصا مع منع ذوي البشرة السوداء من تقلد أي منصب في جبهة بوليساريو خلال فترة زعيمها الحالي إبراهيم غالي.
واعتبر محمد الطيار أن العبودية والاتجار بالبشر يشكلان موضوعا مسكوتا عنه، وتخشى جبهة بوليساريو من إثارته، وتحارب كل من يسعى لفتحه، كما حدث في عدة مناسبات.
وفي العام 2007 اعتقلت بوليساريو فيوليتا أيالا ودانييل فالشو، وهما صحافيان أستراليان، كانا يسعيان للتحقيق في ممارسات العبودية في مخيمات تندوف. ولم يتم إطلاق سراحهما إلا بعد حملة قادتها منظمة “مراسلون بلا حدود” وبعد تدخل من الأمم المتحدة.
وفي إطار تسليط الضوء على الانتهاكات الجارية داخل المخيمات عرض وفد من المجتمع المدني في جنوب المغرب بداية ديسمبر الجاري أمام أعضاء البرلمان الألماني (البوندستاغ) تقريرا عن التجاوزات التي ترتكبها الجبهة الانفصالية بحق المحتجزين. ويأتي تفجر قضية الممارسات العنصرية في تندوف مع استعدادات جبهة بوليساريو لعقد مؤتمرها العام.
وحذرت جمعية الحرية والتقدم في نوفمبر الماضي من “تهميش” الصحراويين ذوي البشرة السمراء من المشاركة في الاجتماعات التحضيرية لمؤتمر بوليساريو المقبل، والمقرر عقده في الفترة من 13 إلى 17 يناير في مخيم الداخلة.
وأعربت المنظمة غير الحكومية عن أسفها لأن هذا “التهميش” يأتي نتيجة لـ”سياسة الميز العنصري”، التي لم تكتب في النصوص ولكنها راسخة في ممارسات بوليساريو وتستهدف السكان السود.