شدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على المضي قدما في ذات السياسة الخارجية القائمة على النأي بالنفس عن سياسة المحاور، والحفاظ على نفس المسافة مع القوى الدولية المختلفة، وهو نهج دأبت عليه الجزائر، لكنه يواجه اليوم تحديات على ضوء التحولات الدولية العاصفة.
حدد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون معالم سياسته خلال المرحلة المقبلة، سواء بالاستمرار في دعم الجبهة الاجتماعية، وإرجاء طموح الولاية الرئاسية الثانية إلى وقتها المناسب، أو بناء شراكات إقليمية ودولية بعيدة عن لغة المحاور.
وأعرب تبون عن حرص بلاده على بناء صداقات قوية مع جميع القوى الإقليمية والدولية بعيدا عن الخلافات والصراعات القائمة، واعتبر أن الجزائر هي صديقة لروسيا وللولايات المتحدة ولدول أوروبا.
ويبدو أن الرئيس الجزائري يريد أن ينأى عن مقاربة الاصطفافات الإقليمية والدولية التي أفرزتها الأزمة الأوكرانية، من خلال تأكيده على احترام المواقف السيادية والندية والمصالح المشتركة، وعدم التقارب مع طرف، من أجل الضغط لأجل تحقيق تباعد مع طرف آخر.
تركيز الرئيس الجزائري على علاقات بلاده مع السعودية جاء لنفي ما تردد حول أزمة صامتة بين البلدين
وجاءت رسائل تبون في خضم تصاعد الحديث عن ضغوط مختلفة تسلط على الجزائر من أجل ضمها لصالح أجندات إقليمية ودولية معينة، حيث تحولت علاقاتها الوثيقة مع روسيا إلى مصدر قلق حقيقي في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ورفعت أصوات من أجل إدراجها في خانة الدول “المعادية”.
وقال إن “روسيا صديقة، والولايات المتحدة صديقة، ودول الاتحاد الأوروبي أصدقاء.. الجزائر ترفض بناء صداقات مقابل عداوات، نحن نطمح إلى تحقيق تعاون ومصالح مشتركة محترمة من أجل أن يسود الرخاء والسلام”.
وأكد الرئيس الجزائري أنه سيزور روسيا والصين، لكنه لم يكشف عن الموعد المحدد، وهو ما سيضفي غموضا مفاجئا على الزيارة المقررة إلى موسكو قبل نهاية العام الجاري، فرغم أنه لم يبق إلا أيام معدودة عن التاريخ المعلن عنه سابقا، إلا أنه لا توجد أي بوادر توحي إلى ذلك، مما يطرح فرضية تأجيلها إلى موعد لاحق.
وكانت ” أخبارنا الجالية ” علمت من مصادر مطلعة أن “تحضيرات تجري في سرية تامة، وأن عناصر من الوفد الذي سيرافق تبون إلى موسكو، قد طلب منها تسليم جوازات سفرها للمصالح المختصة بغية القيام بالترتيبات اللازمة”، غير أن تفادي تبون الإعلان عن الموعد الدقيق يرجح فرضية التأجيل، الأمر الذي سيفتح باب التأويلات أمام الروايات التي تحدثت عن ضغوط أميركية وأوروبية على الجزائر لفك الارتباط مع روسيا.
وعبرت دوائر نيابية ودبلوماسية أميركية وأوروبية، في وقت سابق، عن قلقها من التعاون العسكري واللوجيستي المطرد بين الجزائر وروسيا، كونه يمثل آلية لتمويل روسيا والاستمرار في الحرب على أوكرانيا، والمساعدة على إجهاض حزمة العقوبات المسلطة على موسكو، وحذرت الجزائر من مغبة إبرام صفقات عسكرية جديدة معها.
وأعلنت القيادة العسكرية في الجزائر عن عدم إجراء مناورات عسكرية كانت مبرمجة منتصف الشهر الماضي، دون أن تقدم توضيحات عن الأسباب، غير أن محللين سياسيين اعتبروا القرار نتيجة طبيعية لمآلات الضغوط الأميركية والأوروبية على الجزائر، وأي إرجاء لزيارة تبون إلى موسكو سيكون حلقة من المسلسل المذكور.
وتطرق تبون في حديثه مع وسائل إعلام محلية إلى العديد من الملفات الداخلية والخارجية، بما فيها تلك المتعلقة بالوضع في المنطقة، حيث نفى وجود أي وساطة أردنية لحل أزمة الجزائر مع المغرب وإسبانيا، ووصف العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني بـ”المظلوم”، لأنه “حُمّل ما لا يحتمل وقُوّل ما لم يقله” خلال زيارته للجزائر.
وقال “لقد ظلموا الملك عبدالله الثاني، هو إنسان طيب.. لم يذكر لي أي دولة، ولم يكلمني عن أي وساطة لا هو ولا غيره”، واللافت في التصريح أن الرئيس لم يعلق بأي مفردة عن علاقة بلاده مع المغرب وإسبانيا، واكتفى بنفي الخبر فقط، عكس التصريحات السابقة التي كان يشدد فيها على “مبررات بلاده في قطع علاقاتها مع البلدين”.
ولفت إلى أن ولي عهد السعودية محمد بن سلمان كان من المفترض أن يزور الجزائر قبل القمة العربية، إلا أنه لم يتم ذلك، وهو مرحب به في بلده الثاني، وأن علاقات الجزائر والمملكة السعودية متميزة.
وأضاف “علاقتنا مع المملكة طيبة جدا جدا، وشعرت بذلك خلال زيارتي لها ولقائي بالملك سلمان. الأشقاء السعوديون يكنون احتراما خاصا للجزائر والجزائريون كذلك. القرارات الخارجية سيادية لنا ولهم، نحاول أن نفهم بعضنا البعض”.
وجاء تركيز تبون على علاقات بلاده مع السعودية، لينفي ما تردد حول أزمة صامتة بين البلدين، تجسدت بغياب ولي عهد المملكة عن القمة العربية التي احتضنتها الجزائر مطلع شهر نوفمبر الماضي، وما يمكن أن ينجر عنه إقليميا قياسا بثقل الرياض في صناعة القرار الخليجي، وحديث بعض التقارير عن أن غرض زيارة العاهل الأردني كانت لأجل إعادة الدفء لمحور الجزائر – الخليج العربي.
وشدد الرئيس الجزائري في حديثه على مساعي بلاده لإعطاء دفع للقضية الفلسطينية كقضية محورية للأمة العربية، وشروعها في مساع إقليمية ودولية لحصول فلسطين على حق الدولة الكاملة العضوية في الأمم المتحدة.
كما عبر في حديثه عن وقوف الجزائر إلى جانب ليبيا وتونس في الوضع الذي تمران به، واعتبر أن “الانتخابات هي الملاذ الوحيد لإنهاء الانقسامات الليبية، وهي الآلية الكفيلة بفرز مؤسسات الدولة الليبية”، وأن “الجزائر تحترم سيادة تونس ومؤسساتها، وستكون إلى جانبها إذا طلب منها ذلك، وأن الذكاء التونسي وطبيعة النخبة التونسية لا يسمحان لتونس بالانهيار”.
وعلى الصعيد الداخلي، أكد الرئيس الجزائري أنه “السابق لآوانه الحديث عن ولاية رئاسية ثانية، لأن الاهتمام الآن منصب حول تحقيق وتنفيذ التعهدات التي التزمت بها للجزائريين خلال الحملة الانتخابية”، وبذلك يكون قد ترك مسافة بين الدوائر التي شرعت منذ أسابيع في الترويج المبكر للاستحقاق المذكور.
وعبّر عن إيلاء الحكومة الأهمية القصوى للجبهة الاجتماعية للتكفل بالفئات الهشة وخلق توازن اجتماعي، عبر الرفع التدريجي للرواتب.