باشر المغرب مشوارا طويلا من أجل الحفاظ على مختلف عناصر تاريخه وتراثه المادي وغير المادي، مراهنا على تثمين هذا التراث وصيانته والحفاظ عليه، علاوة على إحياء العلاقة بين المواطن وبين مختلف العناصر التراثية من فضاءات أثرية وفنون وعادات وتقاليد وغيرها.
الرباط – أكد وزير الشباب والثقافة والتواصل المغربي محمد مهدي بنسعيد مطلع هذا الأسبوع أن الوزارة تعتزم خلال الأسابيع المقبلة إطلاق إستراتيجية موجهة للتراث المادي. كما يراهن المسؤول الحكومي على إحداث علامة التمييز “تراث المغرب” لحماية الموروث الثقافي للبلاد من السرقة والنهب، خصوصا في شقه اللامادي، وهو الإجراء الذي من شأنه الحد من التطاول على الثقافة المغربية.
إلى جانب الخطوة القانونية، باشر المغرب عمليات ترميم المواقع التاريخية بمختلف المناطق، بشراكة مع الجماعات الترابية، في إطار برامج التنمية المحلية وإطلاق مشروع المساحات الخضراء والطبيعية بهذه المواقع.
لفت بنسعيد إلى أهمية تنزيل مشروع رقمنة كل المواقع التاريخية، مما سيجعل عمليات الترميم أسهل على الخبراء، حيث سيتمكنون من التصوير ثلاثي الأبعاد وضبط شكل وبنيان المواقع. بلد مستقر ومتسامح ومتعدد الثقافات وغني بتنوعه الحضاري، هذا هو المغرب وهذه هي قصته التي جعلت مؤسسات الدولة تَهُبّ مجتمعة لحماية التراث الثقافي اللامادي والمادي للمملكة، بما في ذلك فنون الأداء والعادات الاجتماعية والتقاليد الشفوية والطقوس والاحتفالات والممارسات المتعلقة بالطبيعة، علاوة على المواقع التاريخية والأثرية وغيرها من عناصر التراث المادي.
الحفاظ على التراث
فالحديث عن التراث لم يعد كما أكدت المديرة العامة لـ”اليونسكو” أودري أزولاي “محصورا في المواقع التاريخية، بل يشمل التراث من تقاليد واحتفالات وطقوس تنتقل من جيل إلى آخر”. واعتبرت أزولاي أن أهم ما قدمته اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003 هو “إعطاء بعد آخر لمفهوم التراث” وهو ما ساهم فيه المغرب بشكل فعال، خاصة مع احتضان عاصمته الرباط للاجتماع الـ17 لمنظمة اليونسكو الذي انعقد منذ أسابيع قليلة في الرباط وقام بإدراج الكثير من العناصر العالمية والعربية ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية.
وأدرج المغرب الكثير من المواقع والعناصر في قائمة التراث الثقافي البشري، إذ سجل في المجموع 46 عنصرا تراثيا، وهو ما يجعل المغرب على رأس قائمة التراث في العالم الإسلامي النهائية للتراث المادي وغير المادي.
وتتمثل العناصر الثقافية التي تم تسجيلها كتراث مغربي لدى منظمة الإيسيسكو في المهارات والعادات المرتبطة بالكسكس المغربي، وفنون ومهارات القفطان المغربي، وفن الملحون المغربي، ومعارف وممارسات المحظرة، والخيمة الصحراوية، والخط المغربي، وفنون الطبخ المغربي، وفن الدقة المراكشية، وتقنية ومعارف لخطارة الراشيدية، وموسم آسا وموسم مولاي عبدالله امغار.
◙ “ائتلاف ذاكرة المغرب” المتوج بجائزة الاتحاد الدولي لمراكز الحفاظ على التراث (سيكوب) يضم جمعيات من تسع مدن مغربية
كما تتمثل هذه العناصر في فن الغناء البلدي بتافيلالت، والغناء النسائي لتارودانت، وتقنيات التوزيع التقليدي للمياه، ورقصة الكدرة الصحراوية، وزخرفة الحلي الفضية بالنبيل الزجاجي تيزنيت، وتقنيات الجلابة الوزانية، ورقص العلاوي بالشرق، وطرب الآلة، والفلوكة الصويرية، والفخار النسائي الريفي، والزخرفة على الخشب، والصيد بالسلوقي، ومنحلة اينزركي بمنطقة سوس، وزهرية مراكش، وبروكار فاس.
ويواصل المغرب العمل على تسجيل المزيد من العناصر التراثية في إطار سياسة وزارة الثقافة الرامية للحفاظ على التراث المغربي في ظل تنامي بعض الممارسات غير المشروعة.
وهناك تقاليد وممارسات دبلوماسية مغربية عريقة في التعامل مع محاولات انتهجتها شركات ودول للاستيلاء على المنتج التراثي المغربي لأغراض سياسية أو تجارية، دون مراعاة لمكانة ذلك الموروث الذي يعبر عن هوية وحضارة البلد ومواطنيه.
ولا تتوقف العناية بالتراث في حدود المؤسسات الرسمية، إذ تفاعل الناس مع التاريخ والتراث على مستوى واسع وفردي، لا يتحقق من خلال تفسيرات الخبراء للتراث فقط، ولكن من خلال حماية روابط وعلاقات المواطنين، فرادى وجماعات، مع الأماكن والمساحات من حولهم.
إذ يأتي الاهتمام بالتراث في إطار رعاية حقوق الأجيال القادمة والعناية بالهوية وتثمين المكتسبات، وللتراث أيضا مردود تنموي كبير خاصة في مساهماته المشهودة في خلق حركية سياحية.
جائزة دولية
تتواصل المجهودات المغربية للحفاظ على التراث وتثمينه، وهي لا تتوقف عند المؤسسات الرسمية بل أيضا تدخل في صلب عمل الكثير من الجمعيات المدنية، ومن أبرزها “ائتلاف ذاكرة المغرب” الذي توج أخيرا بجائزة الاتحاد الدولي لمراكز الحفاظ على التراث (سيكوب).
وتسلم ائتلاف ذاكرة المغرب، خلال حفل أقيم بمدينة لاغونا بجزر الكاناري، جائزة الاتحاد الدولي لمراكز الحفاظ على التراث (سيكوب)، وذلك لمساهماته في تثمين التراث الثقافي بالمغرب. ومثل الائتلاف خلال هذا الحفل، الذي نظم مؤخرا، عبدالأحد الفاسي الفهري رئيس جمعية ذاكرة دكالة الذي أعرب في كلمة له بالمناسبة عن شكره لمنظمة “سيكوب” على قرارها منح هذه الجائزة لائتلاف ذاكرة المغرب باعتباره
شبكة لجمعيات تعنى بالحفاظ على التراث بالمغرب.وأضاف الفاسي الفهري أن هذه الجائزة، التي تمنح للمنظمات أو المؤسسات أو الأشخاص الذين يساهمون فكريا أو عبر عمل ثقافي، وبشكل نموذجي، على مدى فترة من الزمن، في خدمة التراث الثقافي من جميع جوانبه، سواء عبر التحسيس أو الإصلاح أو الترميم أو إعادة التأهيل، تعتبر حافزا على تطوير العمل الذي تقوم به الجمعيات المكونة لائتلاف ذاكرة المغرب.
◙ الجمعيات المغربية تسعى إلى تمييز وتحفيز العمل الهائل الذي يقوم به المئات من الفاعلين من أجل الحفاظ على الذاكرة الجماعية
وأكد أن الائتلاف، الذي يضم ثماني جمعيات من تسع مدن مغربية، يعمل على وضع إستراتيجيات للعمل المشترك بين الجمعيات الأعضاء، بشكل أفقي، لتثمين التراث في كل تجلياته، ومختلف مكوناته، باعتباره جزءا لا يتجزأ من تاريخ المملكة ورافدا من روافد الهوية الوطنية التي اشتهرت بتميزها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وكذلك العمل على الإقناع بضرورة الاستثمار في قطاع التراث باعتباره رافعة للتنمية الاجتماعية والاقتصادية والبشرية بهدف تثمين القطاع وخاصة عبر العمل الثقافي والتكوين والبحث العلمي.
وقد قرر الاتحاد الدولي لمراكز الحفاظ على التراث “سيكوب” منح هذه الجائزة لائتلاف ذاكرة المغرب، الذي يتألف من جمعية منية مراكش، وجمعية ذاكرة الدار البيضاء وجمعية ذاكرة دكالة ومؤسسة مغرب التراث (فاس)، وجمعية ذاكرة آسفي وجمعية ذاكرة الرباط سلا، وجمعية طنجة البوغاز وجمعية تطوان أسمير، لمساهمات هذه الجمعيات “الاستثنائية والنموذجية في التعريف بالتراث الثقافي المغربي والتحسيس بأهميته والعمل على صيانته مع تنظيم حملات للتعريف بالواقع الحالي لهذا التراث والتعامل معه طبقا للمرجعية الدولية”.
وأوضح بلاغ للاتحاد أن الجمعيات المغربية تسعى إلى تمييز وتحفيز العمل الهائل الذي يقوم به المئات من الفاعلين من أجل الحفاظ على الذاكرة الجماعية. وبهذه المناسبة، وقع الفاسي الفهري، باسم الائتلاف، اتفاقية شراكة وتعاون مع اتحاد مراكز سيكوب بإسبانيا تؤسس لوضع برامج تعاون وتبادل الخبرات بين مراكز الحفاظ على التراث بإسبانيا والجمعيات المغربية.
ويذكر أن الاتحاد الدولي لمراكز الحفاظ على التراث (سيكوب) يتألف من مراكز متخصصة في الحفاظ على التراث وتثمينه بأوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا التي يمثلها المغرب، البلد الأفريقي الوحيد الممثل في هذا الاتحاد، في شخص امحمد بن عبود نائب رئيس جمعية تطاون أسمير، الذي انتخب السنة الماضية نائبا لرئيس الاتحاد.