تدفع الدبلوماسية الجزائرية إلى المزيد من التوازن في علاقاتها بين الولايات المتحدة وروسيا، بعد ظهور بوادر ضغط عليها من طرف كل من واشنطن وموسكو على خلفية موقفها من الطرفين بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، الأمر الذي أثار لغطا لافتا في الأسابيع الأخيرة حول مصير ومستقبل اصطفاف الجزائر مع هذا الطرف أو ذاك، بينما توحي الجزائر بأنها تريد العمل والتعاون مع كليهما خدمة للمصالح المشتركة.
وكشف رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن الجمعة في واشنطن، على هامش مشاركته في القمة الأميركية – الأفريقية، أن بلاده ستنظم ندوة حول مكافحة الإرهاب خلال الأشهر القادمة، وهو ما اعتبر خطوة في طريق تعزيز التعاون الإستراتيجي بين البلدين، قياسا بما يمثله الاستقرار الأمني الإقليمي والدولي من اهتمام حيوي للطرفين.
الدبلوماسية الجزائرية تعمل على إدارة الضغوط الناجمة عن الصراع الغربي – الروسي قبل زيارة تبون إلى موسكو ولقاء بوتين
وذكر ابن عبدالرحمن “أنتهز هذه الفرصة لأبلغكم بأن الجزائر، بالشراكة مع الولايات المتحدة، ستحتضن في الربيع القادم ندوة حول مكافحة الإرهاب في أفريقيا”.
وجاء الإعلان بالموازاة مع الكشف عن اتفاق تم بين الحكومتين الجزائرية والأميركية على زيارة قريبة لوزيرة التجارة الأميركية جينا رايموندو على رأس وفد هام من رجال الأعمال والفاعلين في المجال التجاري، من أجل بحث وتعزيز فرص التبادل التجاري بين البلدين.
وتأتي الخطوات المذكورة في سياق جهود جزائرية من أجل الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من واشنطن وموسكو، بعد الجدل الذي أثير حول مستقبل تلك العلاقات وموقع الجزائر في المدى القريب، في أعقاب صعود أصوات أميركية تدعو الحكومة إلى معاقبة الجزائر بسبب تعاونها العسكري مع روسيا.
ويبدو أن الدبلوماسية الجزائرية بصدد تبديد المخاوف المنبعثة لدى بعض الدوائر، والتأكيد على قدرتها في إدارة الضغوط الناجمة عن الصراع الغربي – الروسي بسبب الأزمة الأوكرانية، خاصة وأن زيارة منتظرة في الأيام القليلة المقبلة للرئيس عبدالمجيد تبون إلى روسيا بدعوة من نظيره فلاديمير بوتين.
وسجل رئيس الوزراء الجزائري نشاطا لافتا في القمة الأميركية – الأفريقية، حيث التقى بمسؤولين أميركيين بمن فيهم أعضاء من الكونغرس، وقد يكون استغلها لشرح موقف بلاده من علاقاته مع الروس.
وغطى رئيس الوزراء الغياب اللافت للرئيس تبون عن القمة، رغم الدعوة التي تلقاها من نظيره الأميركي جو بايدن، وإن لم تفصح الرئاسة الجزائرية عن أسباب الغياب، فإن دوائر إعلامية مقربة منها أرجعت الأمر إلى “عدم برمجة لقاء قمة بين الرئيسين، وأن تبون لم يكن يكتفي بنشاط عادي في القمة يمكن أن يقوم به رئيس الوزراء”.
وأوضح بيان لرئاسة الوزراء أن “اللقاء سمح بتأكيد الرغبة المشتركة للبلدين في تعزيز المحتوى الاقتصادي للعلاقات الثنائية من أجل الارتقاء بها إلى مستوى العلاقات السياسية التي تربط الجزائر والولايات المتحدة”.
وأضاف “لقد استعرض رئيس الوزراء الإصلاحات التي نفذتها الحكومة الجزائرية (…) من أجل تحسين مناخ الاستثمار والأعمال في البلاد، والتي مكنت الجزائر من التموقع كوجهة استثمارية بامتياز، كما تم استعراض الفرص الاستثمارية الهائلة التي تتيحها السوق الجزائرية، لاسيما في ضوء الأولويات التي حددتها الحكومة خاصة في قطاعات الزراعة والمنشآت القاعدية والطاقة والطاقات المتجددة والتكنولوجيات الحديثة والاتصالات”.
رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن يكشف على هامش مشاركته في القمة الأميركية – الأفريقية، أن بلاده ستنظم ندوة حول مكافحة الإرهاب خلال الأشهر القادمة
ورافع رئيس الوزراء الجزائري في الكلمة التي ألقاها في القمة لصالح تعاون متوازن بين الولايات المتحدة والقارة السمراء، وعن ضرورة بناء علاقات ندية ومصالح مشتركة بين الطرفين، تضع في عين الاعتبار حاجة القارة إلى مرافقة شاملة من طرف واشنطن لتجاوز الأوضاع المتراكمة في القارة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
وقال “الجزائر، الفخورة بانتمائها الأفريقي، لطالما وضعت مصالح القارة الأفريقية ودولها والاتحاد الأفريقي ضمن أبرز أولوياتها، الجزائر انخرطت وساهمت في تجسيد كل المبادرات الرامية إلى تعزيز الاندماج القاري، وتسعى بمعية أشقائها لتشجيع عوامل التكامل الاقتصادي والتنمية المندمجة بغية تحقيق الرخاء المشترك”.
وأوضح أن بلاده “تساهم في جهود التنمية في أفريقيا على الصعيد الثنائي، لاسيما من خلال تكوين رأس المال البشري في شتى المجالات، والعديد من المبادرات التضامنية وأشكال التعاون المثمر مع الدول الأفريقية وبالأخص دول الجوار”.
وثمّن المتحدث النتائج الأولية للقمة الأميركية – الأفريقية “بما يضع رؤية صائبة حول الحلول التي ينبغي علينا صياغتها وفق مقاربة تعاونية وتشاركية عرفت نقلة نوعية منذ القمة الأولى التي استضافتها الولايات المتحدة في أغسطس 2014”.
كما سجل بارتياح ما أسماه مسعى “الإدارة الأميركية لتكثيف التشاور السياسي مع الدول الأفريقية حول أبرز القضايا والمسائل الجهوية والدولية ذات الاهتمام المشترك، والعمل على إيجاد صياغة حلول حقيقية واستحداث آليات جديدة من شأنها اتقاء الأزمات الكامنة، وتسوية النزاعات، على أسس الشرعية الدولية، وفي إطار التوافق وتعددية الأطراف، بما يضمن حقوق ومصالح الجميع”.