يشكل قرار فرنسا بالتراجع عن القيود التي فرضتها على التأشيرات للمغرب خطوة لإعادة الدفء إلى العلاقات الثنائية، لكنها تبقى غير كافية حيث إن الرباط تنتظر من باريس أن تنضم إلى مواقف دول قريبة لها “جغرافيا وسياسيا” بشأن قضية الصحراء.
أعلنت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا خلال زيارتها إلى العاصمة المغربية الرباط الجمعة عن انتهاء أزمة التأشيرات التي عكرت صفو العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا منذ أكثر من عام.
ويرى مراقبون أن تراجع الجانب الفرنسي عن قراره بشأن التأشيرات، على الرغم مما أبداه خلال الفترة الماضية من تشدد، يعود بالأساس إلى الموقف الصارم الذي أظهره المغرب في عدم التنازل أو التهاون مع كل ما يمس المغاربة، مشيرين إلى أن الرباط تنتظر تحولا آخر حيال موقف فرنسا من قضية الصحراء، وهو ما لم يتحقق
حتى الآن.
ويعتبر المراقبون أن انتهاء أزمة التأشيرات من شأنه أن يعيد بعض الدفء إلى العلاقة بين الطرفين لكن ذلك لا يلغي وجود ملفات شائكة على الجانبين تسويتها لاسيما في علاقة بملف الصحراء، والذي يتوقع أن يخصص له حيز كبير من النقاش خلال زيارة الرئيس الفرنسي المنتظرة إلى المغرب.
العلاقات بين الحليفين التقليديين شهدت فتورا بعد قرار باريس في سبتمبر 2021 بتقليص عدد التأشيرات للمغرب
وقالت كولونا في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرها المغربي ناصر بوريطة عقب مباحثات بينهما، “لقد اتخذنا إجراءات، مع شركائنا المغاربة، من أجل العودة إلى تعاون كامل في مجال الهجرة”. وأوضحت الوزيرة الفرنسية أن هذا القرار “دخل حيز التنفيذ منذ الاثنين الماضي”، معربة عن “سعادتها” بذلك.
وشهدت علاقات الحليفين التقليديين فتورا في الأشهر الأخيرة، خصوصا بعد قرار باريس في سبتمبر 2021 بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغرب والجزائر إلى النصف، مبررة ذلك برفض البلدين استعادة مهاجرين غير نظاميين تريد باريس ترحيلهم.
وقد كان القرار الفرنسي بمثابة عقاب جماعي للآلاف من المغاربة الذين يتجهون إلى فرنسا للدراسة أو زيارة أقاربهم أو للعمل.
واتخذت الأزمة الصامتة منعطفا لافتا في الفترة الماضية عقب الفراغ الدبلوماسي الذي تجسد بمغادرة هيلين لوغال سفارة فرنسا بالرباط وتعيين محمد بنشعبون، سفير المغرب بباريس، مديرا عاما لصندوق محمد السادس للاستثمار.
لكن على الرغم من ذلك حرص المغرب على مقاربة الأزمة مع باريس بعيدا عن الإعلام، وقال وزير الخارجية المغربي إن “المغرب امتنع عن التعليق رسميا على تلك الإجراءات (خفض عدد التأشيرات) التي اتخذتها السلطات الفرنسية من جانب واحد احتراما لسيادتها، وبطبيعة الحال كانت هناك ردود أفعال شعبية من طرف
الناس المعنيين”.
وأضاف “اليوم أيضا قرار العودة إلى الوضع الطبيعي قرار أحادي الجانب يحترمه المغرب ولن نعلق عليه رسميا، لكنه يسير في الاتجاه الصحيح”.
وتأتي زيارة وزيرة الخارجية الفرنسية إلى المغرب أيضا من أجل التحضير لقدوم الرئيس إيمانويل ماكرون إلى المملكة، “خلال الأشهر الثلاثة الأولى للعام 2023″، كما أوضحت.
وأكدت على أن فرنسا ترغب في أن تكون علاقتها مع المغرب “شراكة مثالية، استثنائية، أخوية وعصرية“.
من جانبه قال بوريطة “تحدثنا حول كيفية إعادة إحياء آليات التعاون بين البلدين”، مؤكدا “الطموح المشترك لتطوير هذه العلاقة”.
وأشار أيضا إلى أن مباحثاته مع نظيرته الفرنسية كانت “مناسبة لننظر إلى واقع العلاقة بأسسها الصلبة ومظاهرها المتعددة والمتنوعة، ولكن أيضا ببعض الإكراهات التي تواجهها من حين إلى آخر”.
ويرى المراقبون أن الفتور في العلاقات بين المغرب وفرنسا لا يرتبط فقط بمسألة التأشيرات على أهميتها بل وأيضا برغبة الرباط في رؤية موقف واضح من قبل باريس بشأن قضية الصحراء.
وقد كان بوريطة واضحا في هذا الخصوص خلال لقائه بنظيرته الفرنسية حيث قال إن “المغرب ليس مع الحل خارج الأمم المتحدة، وليس مع الحل المفروض، لكنه يرى أنه حان الوقت من أجل اتخاذ قرارات واضحة”.
وأوضح وزير الخارجية المغربي أنه في “الثلاث السنوات الأخيرة، كان هناك تطور لافت، بقيادة الملك محمد السادس، في مواقف عدد من الدول القريبة من فرنسا، سياسيا وجغرافيا”، في إشارة إلى الولايات المتحدة وإسبانيا اللتين أقرتا بمغربية الصحراء ودعمتها مبادرة الرباط في حكم ذاتي تحت السيادة المغربية.
وجاء تصريح بوريطة ردا على حديث كولونا بأن “موقف فرنسا من الصحراء واضح وثابت، حيث ندعم وقف إطلاق النار وجهود الأمم المتحدة والمبعوث الخاص إلى الصحراء في جولاته، ونأمل عودة المسلسل السياسي من أجل حل سياسي عادل وواقعي”.
انتهاء أزمة التأشيرات من شأنه أن يعيد بعض الدفء إلى العلاقة بين الطرفين لكن ذلك لا يلغي وجود ملفات شائكة على الجانبين تسويتها لاسيما في علاقة بملف الصحراء
وأضافت كولونا أنه “خلال السنوات الماضية، كان موقف فرنسا في الأمم المتحدة بخصوص تمديد بعثة المينورسو في الصحراء مرحبا به لدى شركائنا في الرباط”، متابعة أن “باريس تنظر إلى مقترح الحكم الذاتي على أنه حل يتناسب مع المصالح المغربية، وقد دافعنا عن هذا في الأمم المتحدة، وكنا ربما الوحيدين الذين وقفوا إلى جانب المغرب”.
وشددت وزيرة الشؤون الأوروبية والخارجية الفرنسية على أن “المغرب يمكن أن يعول على فرنسا، خاصة خلال الفترات الحرجة”، مضيفة “نأمل أن نذهب بثبات في هذه العلاقات الثنائية المغرب وفرنسا، سيما في ما يتعلق بالشراكة الفرنكفونية”.
ويعتقد متابعون أن فرنسا تحاول أن تمسك العصا من المنتصف في موقفها من الصحراء، فهي من جهة تقر بواقعية الطرح المغربي، لكنها لا تريد اعترافا صريحا بمغربية المنطقة، خشية أن يؤثر ذلك على علاقتها المتأرجحة مع الجزائر.
وتزامنت زيارة الوزيرة الفرنسية مع زيارة بدأها بعد ظهر الجمعة وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان إلى الجزائر ستستمر حتى ظهر الأحد، يتخللها شق خاص سيزور خلاله المكان الذي ولد فيه جده.
وقالت مصادر مطلعة إن الوزير الفرنسي الذي ترافقه زوجته سيلتقي خصوصا نظيره الجزائري خلال هذه الرحلة التي تهدف إلى “بحث مواضيع التعاون في الشؤون الأمنية ومكافحة الإرهاب وفي مجال الهجرة”.
وبدعوة من السلطات الجزائرية، سيزور جيرالد دارمانان مع زوجته “الصحراء الجزائرية حيث ولد جده”.