الاحتجاج الرسمي الذي قدمته الجمعية الملكية المغربية لكرة القدم ضد الحكم المكسيكي سيزار أرتورو راموس الذي قاد مباراة المغرب مع فرنسا، يعني أن اللقطات التي تبرر الاعتقاد بأن الحكم تجاوز مرتين على حق المنتخب المغربي بضربتي جزاء قد خضعت لتدقيق مهني لا علاقة له بالعواطف، من قبل أن تصبح احتجاجا رسميا.
يمكن الآن مشاهدة الدقيقة 17 من المباراة، لرؤية كيف أن اللاعب الفرنسي تيو هيرنانديز قطع الكرة أولا، ولكنه أفرد رجله اليمنى على طولها لكي يُسقط المهاجم المغربي سفيان بوفال أرضا، لمنعه من كسب الكرة. الحكم لم يكن بعيدا عن المشهد. وفي الواقع فإنه كان على بعد مترين داخل منطقة الجزاء الفرنسية. وبرغم أن بوفال سقط أرضا بضربة مباشرة من رجل هيرنانديز، فإن الحكم لم يكتف بعدم احتساب ضربة الجزاء، ولكنه أشهر البطاقة الصفراء في وجه بوفال نفسه.
سوف يعرف كل مشاهد ينظر إلى لقطات تلك الدقيقة أن الحكم كان منحازا بوضوح شديد. ليس هو وحده، وإنما مساعدوه وحكم الفيديو أيضا.
المسألة ليست مسألة مشاعر تضامنية تجاه فريق بطل ولا هي دفاعا عن بلد مثل المغرب من الممكن أن يحل محله أو يجاوره بلد مثل السعودية أو مصر، إنها مسألة ضمانات بأن تبقى الرياضة رياضة
المسألة أبعد من مجرد ظلم وقع على المنتخب المغربي. الكل يعرف أن التخلف بهدف، والتعرض لإجحاف عنيف يمكن أن يؤثر بشدة على معنويات اللاعبين، ويمكن أن يؤثر على النتيجة في النهاية. والأمر يزداد سوءا عندما يتكرر الإجحاف لمرة ثانية عندما تعرض اللاعب سليم أملاح للعرقلة من طرف المدافع رافاييل فاران.
عدد من خبراء التحكيم وآخر من اللاعبين الدوليين، أقر بأن سقطة بوفال، على الأقل، هي ضربة جزاء مؤكدة.
لا شيء سوف يتغير من النتيجة الآن، بطبيعة الحال، وما لم تتخذ “فيفا” إجراء تأديبيا صارما ضد راموس، فإن الاتحاد المغربي هو مَنْ يتوجب أن يتخذ هذا الإجراء ضده وضد مساعديه وضد حكم الفيديو، بل وضد فيفا نفسها أيضا.
هناك سببان جديران بالاعتبار لذلك. الأول، هو أن المنتخب المغربي حقق معجزة، كان يمكن أن تتواصل، ولكنها توقفت ظلما، ما يجعل الإنجاز المذهل يمتزج بمشاعر المرارة، من دون وجه حق.
أما الثاني، فهو أن هذا المنتخب حتى وإن خسر مباراته مع فرنسا، وتاليا المنافسة على كأس العالم، فإنه يستحق أن يبقى على ثقة بأنه، منذ هذا المونديال أصبح جزءا من مربع الكبار. وإنه مؤهل تماما لحمل كأس العالم يوما ما. وهذا الشعور يجب أن يمتد إلى الجيل اللاحق من لاعبيه الذي سيخوض تصفيات ومباريات العام 2026.
ربما كانوا قليلين هم الذين يعتقدون أن المنتخب المغربي قادر على الفوز بكأس العالم. ولكن بمقدار ما أن كرة القدم هي لعبة مهارات، فإنها لعبة عزائم أيضا. ولقد أثبت المنتخب المغربي أنه أهل لهما معا، على حد سواء تماما. لم تنقص لاعبيه المهارات الفردية والجماعية. وثمة من المشاهد ما كان بوسعه أن يثير الإعجاب والدهشة. كما أن العزائم التي أحاطت به في كل مبارياته وهيأت له الفوز في جميعها، باستثناء تعادل واحد، ضد فرق شهيرة، أكدت متانة تلك العزائم. الأمر الذي يبرر القناعة بأنه كان مؤهلا لخوض المباراة النهائية.
لقد كان من “الطبيعي” أن يتحمس المغاربة لتشجيع منتخبهم. ولكن ليس لسبب “طبيعي” أن يتحمس له مئات الملايين. السبب إنما يتعلق بأن تلك الملايين العريضة رأت المهارة والعزيمة كيف تنطقان. وهي التي أشعلت نيران الحماس.
معاقبة الحكم المكسيكي، بحرمانه من التحكيم في مباريات كأس العالم، هي وحدها التي تكفل للاعبي المنتخب المغربي مشاعر الفرح بما أنجزوا لأنفسهم وبلادهم. وما لم يتعرض الحكم المكسيكي إلى عقاب كاف من جانب فيفا، فإن الحكومة المغربية نفسها هي التي يتعين أن تعاقبه. يمكنها ذلك. يمكنها أن تمنعه من دخول المغرب. كما يمكن للاتحاد المغربي أن يرفض أن يكون حكما لأي مباراة يخوضها المنتخب المغربي في المستقبل. هو وحكم الفيديو الذي تواطأ معه. كما يمكن اتخاذ بعض الإجراءات التأديبية ضد فيفا، إذا تعثرت في تحقيق العدالة والإنصاف. كما يمكن للاتحادات العربية أن تشارك في الدعوة إلى رد الظلم، ولو جاء متأخرا.
حكام من دون ضمير، يجب أن يفهموا سلفا أنهم تحت مراقبة صارمة. وأنهم لا يستطيعون، لأسبابهم القذرة، أن يسيئوا لأبطال تربعوا في وسط نادي الكبار
عثرات فيفا الأخلاقية كثيرة. ويحسن بهذه المنظمة الدولية الكبرى ألا تعود إلى الممارسات التي لطخت سمعتها بالعار.
نحن نعرف. الكل يعرف. فيفا نفسها تعرف، إنها منظمة تغرق بألوان شتى من مظاهر الفساد. وليس من الغريب تماما أن يكون هناك، بين حكامها من يتمنون لو أنهم أقاموا صلات وثيقة بفاسدين من أمثالهم، يقدمون لهم الملايين مقابل بيع ضمائرهم.
هذا شيء مألوف في فيفا أصلا. إنها منظمة لم تحسن بعد فضيحة بيع المونديال أن تُطهر نفسها حتى الآن. العار لا يزال قائما. ويحق للمغرب، ولاعبيه ولأجياله المقبلة، أن يحمي نفسه من الأيدي القذرة.
يمكن للمغرب أن يستعين بسلسلة من الإجراءات التأديبية ضد قيادة فيفا، ليبقيها على صفيح ساخن، من هنا حتى المونديال المقبل، وما بعده. كل حكام العالم يجب أن يفهموا سلفا، أنهم إذا أخلوا بالتزاماتهم المهنية، وإذا رغبوا بأن يبيعوا ضمائرهم، فيمكنهم أن يفعلوها مع أي أحد آخر وليس مع المغرب.
حكام من دون ضمير، يجب أن يفهموا سلفا أنهم تحت مراقبة صارمة. وأنهم لا يستطيعون، لأسبابهم القذرة، أن يسيئوا لأبطال تربعوا في وسط نادي الكبار.
عندما تشاهد الطريقة التي سقط بها بوفال على الأرض، وترى البطاقة الصفراء ضده هو، سوف لن تكتفي بمشاعر المرارة. وما لم تتخذ فيفا إجراء تأديبيا صارما ضد الحكم ومساعديه وحكم الفيديو، فلسوف تشاهد فساد فيفا نفسه أمام عينيك مرة أخرى. سوف تشاهد أي منظمة هي هذه. سوف تعرف أنها أقرب إلى منظمة مافيا منها إلى منظمة رياضة دولية.
المسألة ليست مسألة مشاعر تضامنية تجاه فريق بطل، ولا هي دفاعا عن بلد مثل المغرب، من الممكن أن يحل محله أو يجاوره بلد مثل السعودية أو مصر في أي وقت، ولا هي حتى مسألة إنصاف. إنها مسألة ضمانات بأن تبقى الرياضة رياضة، لا أكثر ولا أقل، وألا تتلوث أكثر مما تلوثت.