أول أمس الأربعاء، المشوار الرياضي لمنتخب المغرب لكرة القدم للوصول إلى المباراة النهائية في كأس العالم، ولا يعتقد أن اعتراض الجامعة الملكية المغربية على حرمان المنتخب من ضربتي جزاء، سيغيّر النتيجة، وبالتالي فستكون الخطوة التالية، للمنتخب المغربي، هي منافسة المنتخب الكرواتي على المركز الثالث في البطولة، كما سينحسم الصراع على اللقب بفوز فرنسا، بطلة المونديال السابق، مرة أخرى، بالكأس، أو تجديد الأرجنتين حلمها، بالفوز مرة أخرى به.
حدث وصول المنتخب المغربي لنصف نهائي البطولة العالمية، ومسيرته الملحمية، وأداء أعضاء الفريق، والموجة الهائلة من العواطف والقصص والتداعيات التي خلّفتها الواقعة، لن تنتهي بالتأكيد، وستحتل حيّزا في تاريخ المغرب والعالم، لأنه حدث يتجاوز الرياضة بالتأكيد.
قبيل اللقاء الأخير، اختارت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية، الإشارة إلى الروابط الرياضية الجامعة بين المغرب وفرنسا بتذكيرها باللاعب العربي بن مبارك، لاعب كرة القدم الفرنسي ـ المغربي، الذي حمل لقب «الجوهرة السوداء»، والذي تصنّفه الجامعة الفرنسية رابع أفضل من لبس القميص الفرنسي بعد زيدان وكوبالا وميشيل بلاتيني، واللاعب ذو التاريخ الأطول في اللعب للمنتخب الفرنسي (1938 ـ 1954).
قامت الصحيفة، من جهة أخرى، بإظهار الفوارق «الاقتصادية» بين المنتخبين بالإشارة إلى أن قيمة لاعبي المنتخب الفرنسي في السوق الرياضي هي قرابة 1 مليار يورو، بينما قيمة لاعبي المنتخب المغربي أقل من 250 مليون يورو، وهو خط قامت بتعميقه صحيفة «لوموند» عبر مقالة لمؤرخ فرنسي يقول فيها إن اللاعبين يفضلون اللعب للمنتخب الفرنسي أكثر من المنتخب المغربي.
الكثير من أعضاء المنتخب المغربي، قاموا، عمليا، بتفنيد هذه الفكرة، كما فعل اللاعب الفرنسي المولد والنشأة، رومان سايس، الذي اختار اللعب لصالح منتخب المغرب بدلا من المنتخب الفرنسي، كما فضل الانتقال إلى فرق كرة قدم في إنكلترا وتركيا بدلا من اللعب في الدوري الفرنسي.
أمر مشابه حصل مع حكيم زياشي، الذي تعرض، مع زملائه المغاربة، لتأنيب من ماركو فان باستن، مدرب المنتخب الهولندي، لاختياره اللعب للمنتخب المغربي قائلا: «كيف يمكنك أن تكون بهذا الغباء وأن تلعب للمغرب فيما أنت مؤهل للعب للفريق الهولندي؟»، وهو ما ردّ عليه زياشي لاحقا بالقول: «يبدو يا سيد فان باستن أن اختياري النابع من القلب لم يكن سيئا بالنتيجة النهائية»!
ساهم إظهار لاعبي المنتخب المغربي احترامهم الكبير لأمهاتهم، كما فعل سفيان بوفال، الذي رقص مع والدته محتفلا بتأهل فريقه للدور نصف النهائي، في مقارنات أخرى، قامت بها وسائل الإعلام، فأجرت قنوات بريطانية، مثلا، مقابلات مع لاعبي كرة قدم بريطانيين سائلة إياهم عن إمكانية التصرف بهذه الطريقة مع أمهاتهم أو زوجاتهم.
أثارت أيضا قراءة اللاعبين المغاربة لسورة الفاتحة، والقيام بالسجود في الملعب أمام الجماهير، طريقة التفاعل العاطفية بين العناصر الدينية والوطنية والاجتماعية والرياضية، وهو ما اعتبرته صحيفة «الغارديان» البريطانية، مصدرا للإلهام، وفرصة للتعرف على الثقافات المختلفة والاحتفال بالتنوع.
إحدى الوقائع التي أظهرت اشتباك القضايا الرياضية بالسياسية بشكل فاضح، تمثّلت بالقمع الذي قامت به إسرائيل لفلسطينيين أثناء احتفالهم بفوز المغرب على البرتغال، وهو ما يتناظر، أيضا، مع الخيبة الشديدة التي تلقاها الإعلاميون الإسرائيليون، الذين حاولوا استغلال مونديال قطر للترويج للتطبيع، وقد انعكست آثار هذه الخيبة في تقارير ومقالات نشرت في وسائل الإعلام والصحف العبرية. يبقى، من كل ذلك، أيضا، الأمل والفرح والبهجة التي جمعت بين إنجازات المنتخب المغربي، وكذلك نظرائه في المنتخبات العربية المشاركة، وحصول المونديال في بلد عربي، وهو ما ساهم في هذه الملحمة البديعة التي لن تنسى.