طريق تيندوف – الزويرات: يأس جزائري من الوصول إلى المحيط عبر الصحراء
كشف مضي الجزائر في مشروع الطريق البري تيندوف – الزويرات الرابط بينها وبين موريتانيا عن يأس جزائري من الوصول إلى المحيط الأطلسي عبر الصحراء، وهو الخيار الذي دفعها إلى دعم بوليساريو والإنفاق عليها لعقود على أمل خلق واقع يسمح لها بمعبر على المحيط.
وزاد يقين الجزائريين من استحالة الحصول على هذا المنفذ البحري بعد أن سيطر المغرب قبل ثلاث سنوات على معبر الكركرات، ما أجبرهم على اللجوء إلى خيار الطريق البري من داخل موريتانيا، وهو طريق طويل وغير آمن لم تكن الجزائر تتحمس له، لكنها اضطرت في الأخير إلى الاتفاق مع موريتانيا على الاستعداد للشروع في إنجازه.
وتسعى الجزائر إلى استعمال هذا الطريق لتصدير منتجاتها إلى دول غرب أفريقيا عبر موريتانيا، في مسعى لمنافسة المغرب على المكاسب التي حققها في هذه المنطقة، خاصة بعد أن مكنته سيطرته على معبر الكركرات من تأمين عبور الشاحنات إلى موريتانيا ثم نحو أفريقيا.
◙ مخاطر تحيط بطريق تيندوف – الزويرات بسبب أنشطة جماعات تتاجر بالسلاح وتقوم بعمليات تهريب وأخرى جهادية
وقال مراقبون إن اليأس الذي يقف وراء اعتماد الجزائر على طريق التفافي على الحدود مع الصحراء المغربية قد يكون بداية لمراجعة الموقف من الرهان على بوليساريو التي أصبحت عبئا عسكريا واقتصاديا ودبلوماسيا على الجزائر، وآخر هذه الأعباء هو التوتر الذي شاب العلاقة بينها وبين إسبانيا والذي كاد يؤدي إلى نشوب أزمة مع الاتحاد الأوروبي بسبب قرار الجزائر وقف تعاملاتها التجارية مع مدريد ثم تراجعت تحت ضغط الأوروبيين، وصارت تعاملاتها الخارجية مثار شكوك بما في ذلك تعاملات الغاز.
وتقول أوساط جزائرية إن المشاورات الفنية والسياسية بين السلطات الجزائرية والموريتانية مستمرة حول مشروع الطريق الذي سيربط البلدين بمسافة تقارب 800 كيلومتر، وإن من أهداف هذا الطريقِ تقليص التباسات حركة الأفراد والمركبات التي كانت تضطر إلى قطع جزء من رحلاتها في إقليم الصحراء، في إشارة إلى الموقف المغربي الحازم حيال عمليات اختراق المناطق الممنوعة، والتي تحاول من خلالها بوليساريو تنفيذ هجمات تستهدف الأمن المغربي.
وكثيرا ما أدت الحركة العشوائية للأفراد والمركبات في المنطقة إلى حوادث مميتة، بسبب التباسها بالنشاط السياسي والأمني للانفصاليين الصحراويين.
وتفيد تصريحات شهود عيان من المنطقة بأن الحركة على مسار طريق تيندوف – الزويرات تحتاج إلى جهود أمنية من كلا البلدين، بسبب نشاط جماعات مسلحة تتاجر بالسلاح والمخدرات وتقوم بعمليات تهريب، كما لا يستبعد وجود جماعات أخرى جهادية، وهو ما يضطر الأفراد والمركبات إلى سلوك طريق داخل إقليم الصحراء.
ويشار إلى أن هذا الطريق البري الطويل يمر عبر مناطق ذات تضاريس وعرة تحدّ من تنقل القوافل التجارية بين البلدين. كما أن معالم جزء من الطريق تختفي عند هبوب الزوابع الرملية، لاسيما في ظل وجود مسافة طويلة لم يتم تعبيدها، ودون بنية تحتية أو مرافق لاستراحة السائقين.
وكان المشروع ضمن أجندة اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة ووزير النقل الموريتاني الناني ولد اشروقه في الجزائر العاصمة، حيث تم بحث سبل تسريع تنفيذ أول طريق بري يربط بين البلدين.
وذكرت برقية لوكالة الأنباء الموريتانية أن الجانبين أكدا على “الأهمية الإستراتيجية لتنفيذ مشروع الطريق الرابط بين مدينتي تيندوف الجزائرية والزويرات الموريتانية، والذي سيمثل جسرا للتعاون والتكامل من شأنه أن يفتح آفاقا واعدة للتنمية الاقتصادية المندمجة بين البلدين”.
وكان البلدان قد وقعا على اتفاق إنجاز الطريق الرابط بين مدينتي تيندوف والزويرات، مرورا من البلدين بمحاذاة إقليم الصحراء، نهاية العام الماضي، على هامش الزيارة التي قادت الرئيس الموريتاني محمد الشيخ ولد الغزواني إلى الجزائر، على أن تقوم عدة مؤسسات جزائرية حكومية وخاصة بتنفيذه.
وجاءت المشاورات الجديدة بين الطرفين لتؤكد عزم البلدين على تنفيذ الاتفاق المبرم بينهما، ونفي الشائعات التي ترددت حول التراجع عنه. كما يعزز الحفاظُ على نفس الخطط والتصاميم التوبوغرافية نيةَ الطرفين في إضفاء الطابع الاقتصادي والاجتماعي على المشروع، مما يخفف من حدة الضغط السائد في المنطقة بسبب ارتباط الإقليم الصحراوي بصراع معقد بين المغرب والجزائر وبوليساريو.
وكانت الجزائر وموريتانيا قد جهزتا معبرا حدوديا في صيف عام 2018، بغرض دعم وتسهيل حركة تنقل الأشخاص والبضائع، وتعزيز التبادل التجاري والاقتصادي بين البلدين، غير أن الافتقاد لمنشآت وبنى تحتية مكملة لا يحقق النتائج المبتغاة.
وفي مطلع شهر مارس الماضي وقع الرئيس عبدالمجيد تبون مرسوما رئاسيا يتضمن التصديق على مذكرة التفاهم المبرمة بين الجزائر وموريتانيا لإنجاز الطريق البري بين تيندوف والزويرات.
ونص المرسوم على أن “الجانب الجزائري سيتكفل، عن طريق الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية، بتمويل وإنجاز ومتابعة المشروع، وتمويل الدراسات الفنية المتعلقة بإنجازه”.
◙ اليأس الذي يقف وراء اعتماد الجزائر على طريق التفافي على الحدود مع الصحراء المغربية قد يكون بداية لمراجعة الموقف من الرهان على بوليساريو
وفي مقابل ذلك يلتزم الجانب الموريتاني بتقديم التسهيلات القانونية والإدارية واللوجستية، ومنح الإعفاءات الجبائية والجمركية اللازمة لإنجاز هذا المشروع، كما تلتزم نواكشوط بالمساهمة في توفير مواد الإنجاز المحلية الضرورية لذلك، وتمكين الشركات المنجزة من استغلالها.
ويمنح حق تسيير الطريق البري تيندوف – الزويرات بعد إتمام إنجازه، حسب النظام القانوني للامتياز، لفائدة الطرف الجزائري لمدة 10 سنوات قابلة للتجديد بعد دخوله الخدمة.
كما تلزم مذكرة التفاهم الطرفين الجزائري والموريتاني بجعل هذا “الطريق الحيوي في خدمة المصالح المشتركة للبلدين، وتعزيز الروابط الاجتماعية والإنسانية بين الشعبين الشقيقين، وترقية المبادلات التجارية والعلاقات الاقتصادية بين الجزائر وموريتانيا وضمان استمراريتها”.
وتوحي تركيبة اللجنة المشتركة التي نصبت مطلع العام الجاري -والمكونة من ممثلين عن وزارات: الدفاع الوطني، الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية، وزارة المالية، وزارة الطاقة والمناجم، المديرية العامة للجمارك والبنك الوطني الجزائري- بالأهمية التي يوليها الطرفان لإعطاء المشروع بعده الإستراتيجي، ومرافقته بمختلف المتطلبات الأمنية والخدماتية.