حزمة محظورات في ترسانة قوانين جديدة تعيق العمل الصحافي في الجزائر
أصدرت الحكومة الجزائرية ثلاثة قوانين لتنظيم قطاع الإعلام التقليدي والرّقمي، حددت من خلالها نشاطات وسائل الإعلام وآلية ضبط نشاط المهنة وآدابها وأخلاقياتها، تضاف إليها المخالفات والعقوبات، لكنها أيضا كرست الرقابة في العديد من البنود.
أقرت الحكومة الجزائرية مجموعة جديدة من القوانين التي تخص الشأن الإعلامي بهدف إعادة تنظيم القطاع، جاءت في مضمونها بنود أثارت مخاوف الصحافيين والمدونين بسبب الخطوط الحمراء الممنوع تجاوزها تحت طائلة العقوبات.
وأشهرت النصوص القانونية الجديدة سلاح الملاحقة القانونية والعقوبات أمام الصحافة في حال المسّ بأيّ من المحاذير وهي الدين، ومكونات الهوية الوطنية، والسيادة والوحدة الوطنية ووحدة التراب الوطني، ومتطلبات النظام العام والأمن والدفاع الوطني، ورموز الدولة، والمصالح الاقتصادية للبلاد، وسرية التحقيق القضائي، والحريات الفردية والجماعية.
وتتضمن الترسانة القانونية ثلاثة مشاريع قوانين الأول يتعلق بالقانون العضوي للإعلام والثاني بالقانون الضابط لنشاط السمعي البصري بينما يتعلق الثالث بالصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية.
وقالت الحكومة إن هذه النصوص تهدف إلى عصرنة القطاع وتنظيمه مع تكييف أحكام الدستور المعزز لضمانات حرية التعبير، حيث جاء بتسهيلات في مجال إنشاء الصحف بترخيص فقط، بدل الاعتماد.
هدف استبعاد أصحاب المال الفاسد من الاستثمار الإعلامي يثير المخاوف بشأن محاصرة مصادر تمويل وسائل الإعلام
كما منح المشرّع للسلطات القضائية دون سواها صلاحية تعليق نشاط السمعي البصري وسحب الرخص، ومنع الاستغلال السياسي الأيديولوجي للوسيلة الإعلامية، مع استبعاد أصحاب المال الفاسد من الاستثمار في قطاع الإعلام.
وبررت وزارة الاتصال تعديل القانون العضوي الخاص بالإعلام بالحاجة إلى تجسيد المبادئ الأساسية المنصوص عليها في دستور 2020 في ميدان الإعلام ووضع إطار تشريعي يعزز ضمانات حرية التعبير ويستجيب لتطلعات المواطن في مجال الإعلام.
وتضمّن مشروع قانون الإعلام ثمانية أبواب توزعت على 55 مادة حددت من خلالها نشاطات وسائل الإعلام وآلية ضبط نشاط المهنة وآدابها وأخلاقياتها، تضاف إليها المخالفات المرتكبة في إطار ممارسة الإعلام.
وألزم مشروع القانون الجديد وسائل الإعلام بأن تصرح وتثبت أمام الوزير المكلف بالاتصال أو السلطة الوطنية المستقلة للسمعي البصري حسب طبيعة النشاط حيازة رأس مال وطني خالص ومصدر الأموال المستثمرة وكذلك الأموال الضرورية لتسييرها، حسبما ورد في المادة التاسعة.
وفي عرض الأسباب أرجع معد المشروع نص المادة إلى قصد استبعاد أصحاب المال الفاسد من الاستثمار في قطاع الإعلام. لكن ردود أفعال الصحافيين والعاملين في القطاع تشير إلى أن هذا البند تحديدا يهدف إلى محاصرة وسائل الإعلام خصوصا الإلكترونية، ومنعها من تناول القضايا التي تثير انزعاج الحكومة. وحذّروا من التأثير السلبيّ لوسائل الرقابة الحكوميّة على حريّة الصحافة، وحريّة التعبير، وحجم التحدِّيات والتهديدات التي تواجه الصحافيين، وتنعكس سلباً على المهنيّة.
وقد شددت في هذا الإطار الرقابة على الدعم المالي الموجه إلى وسائل إعلام من جهات مجهولة، إذ ألزمت المادة 12 من المشروع نفسه كل وسيلة إعلامية مستفيدة من دعم مادي مهما كانت طبيعته أن يكون لها ارتباط عضوي بالهيئات المانحة.
وقد سبق أن حذّر صحافيون من تقنين المحظورات، حيث كان من المنتظر أن تكون القوانين الجديدة أكثر انفتاحا على الحريات لا أن تكرس المحظورات، وقد كتب جلال بوعاتي رئيس تحرير صحيفة “الخبر”، أكبر الصحف الصادرة في الجزائر، افتتاحيةً يشرح فيها وضع الصحافة، وحجم الضغوطات والمفارقات الكبيرة التي يعيشها قطاع الإعلام، موثقاً “بين الخطاب والواقع هوّة واسعة، باستثناء إسقاط سجن الصحافي من قانون العقوبات، والصحافيّون يصطدمون يوميا بقرارات تصدر بطريقة غير رسميّة في غرف مظلمة، تحذّرهم من عواقب الاقتراب من ملفات تصنف على أنّها حساسة وتمسّ بالمصلحة الوطنية، مثلما صار الحال مع الجرائم الاقتصادية، أو انتقاد سياسة الحكومة، أو فتح الباب أمام المعارضة والنقابات للإدلاء بمواقفها وآرائها في وسائل الإعلام المختلفة”.
وقد اشتمل قانون الإعلام الجديد على مواد مثيرة للجدل قد يتم تأويلها بحسب المصالح السياسية، حيث نصت المادة 11 على منع إعارة الاسم لأيّ شخص طبيعي أو معنوي سواء بالتظاهر باكتتاب الأسهم أو باقتناء الحصص بهدف إنشاء وسية إعلام تحت طائلة العقوبات الجزائية، وهي المادة التي تهدف إلى قطع الطريق على استغلال أسماء الصحافيين في إنشاء وسائل إعلام ووضع ملفات بأسمائهم لتحقيق المطابقة.
فقد فصل المشروع الجديد في تعريفه لمهنة الصحافي مقارنة بقانون الإعلام لسنة 2012، حيث تم تعريف الصحافي بأنه كل شخص يمارس النشاط الصحافي تثبت صفته بموجب بطاقة يسلمها الجهاز المستخدم.
بينما يعرف الصحافي المحترف بأنه كل شخص يمارس النشاط الصحافي ويتخذ من هذا النشاط مهنته المنتظمة ومصدرا رئيسيا لدخله ويثبت حيازته إما على شهادة تعليم عال لها علاقة مباشرة بمهنة الصحافي وخبرة مهنية لا تقل عن 3 سنوات في مجال الصحافة أو شهادة في التعليم العالي في أيّ تخصص مع تلقي تكوين في الصحافة وخبرة مهنية لا تقل عن 5 سنوات في مجال الصحافة.
وتضمن القانون إنشاء هيئات بتسميات جديدة لها علاقة بتنظيم قطاع الإعلام وهي سلطة ضبط الصحافة المكتوبة والصحافة الإلكترونية وكذلك السلطة الوطنية المستقلة لضبط السمعي البصري، وإنشاء مجلس أعلى لآداب مهنة الصحافي وأخلاقياتها.
كما جاء المشروع بمواد تعزز حماية الصحافي منها الحماية القانونية من كل أشكال العنف أو السب أو الإهانة أو التهديد أثناء أداء مهامه، يضاف إليها حقه في فسخ عقده في حال تغيير توجه وسيلة الإعلام ويعد في هذه الحالة تسريحا تعسفيا ويخوّل له القانون الاستفادة من التعويضات.
وقدمت وزارة الاتصال مشروعا يحدد نشاط السمعي البصري، من خلال تعريف الهيئات التي تنشط في هذا المجال وتصنيفها وفقا لأنواعها ومختلف دعائمها، كما يضع القواعد الخاصة بتنظيمها وضبطها ورقابتها.
النصوص القانونية الجديدة أشهرت سلاح الملاحقة القانونية والعقوبات أمام الصحافة في حال المسّ بأيّ من المحاذير
كما جاء المشروع لتسوية وضعية القنوات المسموعة والمرئية الخاضعة للقانون الأجنبي التي يتواجد مقرها الاجتماعي خارج البلاد، وتبث إلى الجمهور الجزائري برامج يتم إعدادها وإنتاجها محليا.
وتتم التسوية القانونية، بواسطة دمج هذه القنوات ضمن المشهد الإعلامي، من خلال توسيع نطاق خدمات الاتصال السمعي البصري المرخّص لها، إلى القنوات ذات المضامين العامة. ومن بين التعديلات المهمة التي جاء بها هذا المشروع، “توحيد إجراءات منح الرخص لتكون نفسها التي تمنح للقنوات السمعية البصرية ‘التقليدية’ والقنوات السمعية البصرية عبر الإنترنت”.
وتم إخضاع نشاط السمعي البصري، بما فيه الذي يتم عبر الإنترنت باعتباره لرخصة يمنحها الوزير المكلف بالاتصال مع ضرورة الالتزام بأحكام دفاتر الشروط العامة والخاصة.
غير أن هذه القوانين لا تعد بحلول لمشاكل القطاع المتأزمة، والتي لخصها المجلس الوطني للصحافيّين في اليوم العالمي للصحافة، حيث نشر تقريراً تطرّق فيه إلى “الأوضاع الصعبة التي يعيشها الصحافيّون والمؤسّسات الإعلاميّة، والتي أدت إلى فقدان المئات من الصحافيين والعاملين في قطاع الإعلام لوظائفهم”.
يضاف إلى ذلك توقف وإيقاف عددٍ من المؤسّسات الإعلاميّة لأسباب متعدّدة، على غرار صحيفة “ليبرتي” التي أغلقت مؤخراً، إلى جانب استمرار ما وصفه بـ”الغموض القائم” حول قانونيّ الإعلام والسمعي البصري.
وانتقد المجلس “عدم تفعيل قرار رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون بإعطاء المواقع الإلكترونيّة حقّ الاستفادة من الإشهار العموميّ على غرار باقي وسائل الإعلام الوطنيّة”.