الأجهزة القطرية في مرمى التحقيقات الأوروبية حول فضيحة الرشاوى
لم تستصغ بلجيكا خسارتها و خروجها في وقت مبكر من الدور الاول لكأس العالم لتحاول الاساءة لدولة قطر البلد المضيف و كذا للمملكة المغربية التي أطاحت بالشياطين الحمر ، حيث فجرت الصحافة البلجيكية عاصفة من الشكوك والاتهامات والمخاوف في المؤسسات الأوروبية ضد دولة قطر و المغرب ، وليس من المتوقع أن تهدأ قبل أن تصل إلى كشف الحقائق.
يأتي هذا في وقت يقول فيه متابعون لقضية الرشاوى إن الحل الذي كان وزير العمل القطري علي بن صميخ المري واجهته الرسمية اتّخذ منحى خطيرا وإن التحقيقات الأوروبية ستشير بالتأكيد إلى الأجهزة القطرية والأشخاص الضالعين في القضية.
ويجد المري نفسه في قلب هذه العاصفة، بسبب الشكوك التي تحوم حول صلاته بعدد من المتهمين الرئيسيين. فبعد أن كُلف بمهمة إطفاء حرائق قضية اضطهاد العمال في قطر وإنقاذ المونديال اشتعل بين يديه حريق أكبر، أحرق صورة قطر وسمعتها.
وقالت رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا إن “الديمقراطية الأوروبية تتعرض لهجوم”. وتعهدت بإطلاق عملية إصلاح “لمعرفة مَنْ يمكنه الوصول إلى مقرّاتنا، وكيف يتم تمويل هذه المنظمات والمنظمات غير الحكومية وهؤلاء الأشخاص، وأي علاقات تربطهم بدول ثالثة، وسنطالب بالمزيد من الشفافية بشأن الاجتماعات مع جهات فاعلة أجنبية”.
وبينما كان البرلمان الأوروبي ينظر في تبني إجراءات لتسهيل حصول القطريين على تأشيرات دخول إلى الدول الأعضاء، أدت القضية إلى إرجاء البحث فيها، وسط مشاعر تقود الغالبية العظمى من النواب إلى اعتبار أن أي تسهيلات تُقدم إلى قطر ستكون سببا في إثارة الشبهات.
ويمتلك المري، الذي عين وزيرا للعمل في أكتوبر 2021، في خضم أزمة الدعاوى المتعلقة بانتهاكات حقوق العمال الأجانب الذين يعملون في بناء منشآت المونديال، كل المؤهلات والخبرات التي تمكنه من الدفاع عن سجل قطر، ويحاول صد تلك الدعاوى أو التخفيف منها، على الأقل بما لا يؤدي في اللحظات الأخيرة إلى تحويل المونديال إلى دولة أخرى.
ونجح المري في إنقاذ إقامة المونديال في بلاده، إلا أنه -أو الأجهزة القطرية التي كلفت بالملف- اتبع السبيل الخطأ، بما يجعل قطر الآن في قلب “الهجوم” على الديمقراطية الأوروبية.
ويقول مراقبون إن أحد الأسباب التي وقفت وراء ذلك هو أن المسافة الزمنية الفاصلة بين تعيينه واستضافة المونديال كانت ضيقة للغاية، لا تتجاوز عاما واحدا، مما أجبره على اتباع “فلسفة أقصر الطرق”.
والمري، بحسب تقديم موقع قناة الجزيرة له، رجل “لديه تجربة ثرية في العمل الحقوقي على المستويين المحلي والدولي، ساهم في انضمام دولة قطر إلى العديد من الاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان عن طريق رئاسته اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان، فضح انتهاكات دول الحصار على قطر خلال الأزمة الخليجية”.
والنقطة الأخيرة هي التي لفتت إليه الانتباه، لأنه تصدر إعداد الدعاوى ضد الأضرار التي تعرضت لها قطر خلال سنوات المقاطعة التي فرضتها عليها السعودية والإمارات والبحرين ومصر بين عامي 2017 و2021، بسبب سياسات التحريض التي اتبعتها لزعزعة الاستقرار في هذه البلدان.
وشغل المري العديد من المناصب التي جعلته الواجهة القطرية للدفاع عن حقوق الإنسان، ومنها رئيس الشبكة العربية للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان بين يونيو 2021 وأكتوبر 2021، ورئيس اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان 2009 – 2021، والقائم بأعمال رئيس التحالف العالمي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان 2020 – 2021، ورئيس منتدى آسيا والمحيط الهادي للمؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان 2013 – 2015، ورئيس اللجنة العربية الدائمة لحقوق الإنسان بجامعة الدول العربية 2012 – 2014، وأمين عام المؤسسة العربية للديمقراطية 2007 – 2008 التي أنشئت للدفاع عن “التحولات الديمقراطية” في المنطقة خلال أعنف سنوات الاحتلال الأميركي للعراق.
هذه المناصب كان يفترض أن تمنح المري كل الخبرات اللازمة لتحسين السجل الواقعي لقطر، وليس فقط للقول إن بلاده لا تنتهك حقوق العمال الأجانب، وإنهم لا يتعرضون لمعاملة سيئة من قبل الشركات التي تقوم بتشغيلهم، وإن 1200 عامل توفوا خلال سنوات البناء لأسباب لا علاقة لها بظروف عملهم الشاقة، أو بنقص خدمات الرعاية الصحية.
ولكن بما أن قطر كسبت استضافة المونديال بطرق تحولت إلى اتهامات وإلى محاكمات واستقالات في قيادة الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، تابعت الأجهزة القطرية الطريق نفسه لتحصيل الدعم ممن يمكنهم بيعَه في المؤسسات البرلمانية الأوروبية والمنظمات النقابية الدولية وهيئات المجتمع المدني التي كانت تُعلي أصوات الاحتجاجات ضد ما يتعرض له العمال الأجانب في قطر من انتهاكات، ووجد المري نفسه الواجهة المصورة للقاءات مع المسؤولين الأوروبيين المتهمين الآن بتلقي الرشاوى.
وكان اختيار تقديم الرشاوى بـ”أكياس نقدية” -بسبب أن التحويلات المصرفية لبعض مسؤولي فيفا تحولت إلى أدلة ضدهم في المحاكمات، وأثارت التساؤل عن مصدرها، ودفعت بعض المُرتَشين إلى ابتداع أعذار غير مقنعة- قد زاد الشكوك من حول المرتشين بدل أن يبدّدها.
ولم تتمكن المتهمة الرئيسية في فضيحة البرلمان الأوروبي إيفا كايلي حتى من الاستفادة من حصانتها، كنائبة لرئيسة البرلمان، لأنها “ضُبطت متلبسة بالجريمة” عندما تم العثور في شقتها على مجموعة من “الأكياس النقدية”، ما أوحى للسلطات البلجيكية بأن كايلي كانت واجهة لمجموعة من المستفيدين الآخرين، وهو ما برر اتهامها بغسل الأموال.
ودخلت منظمة العمل الدولية في دائرة الشكوك عندما قال مديرها العام جيلبرت ف. هونجبو في ختام اجتماعه بالمري في 3 نوفمبر الماضي “أدت إصلاحات العمل الأخيرة من قبل دولة قطر إلى نتائج إيجابية”. وقد شكر المري “على التزامه بمتابعة هذه الإصلاحات وتنفيذها، بما يتماشى مع رؤية قطر 2030”.
وأكد “أن منظمة العمل الدولية على استعداد لمواصلة دعم دولة قطر لتحقيق المزيد من التحسينات التي تعود بالفائدة على جميع العمال”.
هذه “التحسينات” لم ترض منظمة العفو الدولية التي لم تجد مبررا للأسباب التي أدت إلى وفاة 1200 عامل أجنبي في ظروف عمل قاسية، كانوا حتى فبراير الماضي عرضة “للانتهاكات الجسيمة بما في ذلك السخرة والقيود المفروضة على حرية التنقل”.
وقال ستيفن كوكبرن، نائب مدير القضايا العالمية في منظمة العفو الدولية، “الوقت ينفد إذا كانت السلطات القطرية ترغب في تقديم ميراث يمكننا جميعا أن نفرح به، أي تقديم نظام العمل الذي ينهي الإيذاء والبؤس الذي يتعرض له الكثير من العمال المهاجرين كل يوم”.
و”إلى حدّ الآن ما زال العديد من العمال يواجهون ظروفا قاسية وعرضة للاستغلال والإيذاء، فيما يعود آخرون إلى ديارهم خاليي الوفاض، دون تعويض ولا عدالة”.
ودافع المري عن سجل الوفيات بالقول إنها كانت طبيعية، إلا أن سجل الوفيات في الأحداث الرياضية السابقة لم يتوافق مع هذا التبرير؛ إذ كشف الاتحاد الدولي لنقابات العمال أن أعلى عدد من الوفيات في أولمبياد سوتشي الشتوي لعام 2014 كان 60 شخصًا وأعلى عدد من الوفيات في أولمبياد أثينا 2004 كان 40 شخصا.
وبينما وقع العديد من العمال ضحية لعدم دفع الأجور وتأخر سدادها جعلت رسوم التوظيف المرتفعة وغير القانونية التي يدفعها العمال المهاجرون لتأمين حصولهم على العمل في قطر، والأجر المنخفض الذي يتلقونه عند الوصول، أغلب العمال يرزحون تحت عبء الديون، ما يفسر سبب عودتهم بلا مال، وذلك رغم أن معظمهم كانوا يعيشون في ظروف سكن غير صحية ويأكلون أقل مما يحتاجونه بالنسبة إلى عمل شاق.