المغرب في كأس العالم.. يجمع العرب ويبعث للغرب رسائل عن العلاقات الأسرية
لم تأت انتصارات المنتخب المغربي في بطولة كأس العالم كحادث عابر، بل هي أمر يحمل دروسا كثيرة للأندية العربية الأخرى وحتى للشعوب العربية والغربية، وهي دورس لمستها أشهر الشخصيات المتابعة للمونديال وعبرت عنها، ومن بينها أن الشعوب العربية يمكن أن تتحد على أي أمر مثلما تجتمع على الأزمات السياسية، في حين يلتفت الغرب نحو المغرب ليتعلم منه دروسا في العلاقة الأسرية السوية.
تجاوز وصول المنتخب المغربي لكرة القدم إلى نصف نهائي بطولة كأس العالم قطر 2022 حدود ما هو كروي ورياضي، إذ أثار مشاعر الوحدة العربية والأفريقية والتضامن العربي الإسلامي لتنجح الكرة في لمّ شمل ما فرقته السياسة.
واستطاع المنتخب المغربي بقيادة مدربه وليد الركراكي أن يصل لأول مرة في تاريخه وتاريخ العرب والأفارقة إلى هذا الدور المتقدم في هذا المحفل الرياضي العالمي، بعد تعادله في أولى مبارياته مع كرواتيا قبل أن ينتفض محققا انتصارين متتاليين على بلجيكا وكندا في الدور الأول ليتصدر المجموعة السادسة بسبع نقاط.
وفي دور الستة عشر حقق منتخب “أسود الأطلس” مفاجأة كبرى بالفوز على المنتخب الإسباني، الفائزة بكأس العالم عام 2010، بركلات الترجيح قبل أن يتغلب على البرتغال في دور الثمانية. ومن المنتظر أن يواجه المنتخب المغربي فرنسا الأربعاء.
وأثنى العديد من المحللين والمتابعين على الروح القتالية التي يلعب بها الفريق المغربي المكون من لاعبين محليين وآخرين يلعبون في دوريات أوروبية كبرى لكنهم فضلوا تمثيل بلادهم رغم تلقيهم عروضا بتمثيل البلاد التي يلعبون فيها.
كما أشادوا بخطط الركراكي المحكمة للانتصار على أقوى الفرق الأوروبية التي واجهها المنتخب، والتي كانت من ضمن المرشحين للفوز بكأس العالم في نسختها الحالية.
فرحة عربية
انتصارات الفريق المغربي التي لم تتحقق منذ مشاركته في المكسيك 1986، عندما فاز على البرتغال وتأهل إلى الدور الثاني، لم تُخرج المغاربة فحسب إلى الشوارع للاحتفال بنشوة النصر في هيستيريا أنستهم أزماتهم الاجتماعية، وعلى رأسها غلاء المعيشة، وإنما أدخلت السرور على نفوس العرب جميعا.
واحتفل بعض المواطنين الجزائريين بفوز المغرب على الرغم من أن حكومة بلادهم تجاهلت ذكر المغرب نهائيا في هذه المنافسات، بل وأقالت المدير العام للتلفزيون الجزائري بعد أن سمح ببث خبر تأهل المنتخب المغربي إلى نصف النهائي، وذلك بسبب القطيعة الدبلوماسية بين البلدين منذ أكثر من عام على إثر تراكم الخلافات بينهما.
وأطلقت نجاحات المنتخب المغربي المدوية كذلك العنان للفرحة داخل مخيمات اللاجئين السوريين مثلما ظهر جليا في مقاطع مصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، وحملت الفلسطينيين أيضا على الخروج للاحتفال بإنجازات المغرب رغم قمع إسرائيل لهم مثلما حدث في باب العامود بالقدس.
واعتبر المرصد المغربي لمناهضة التطبيع في بيان حصلت رويترز على نسخة منه أن قمع قوات الاحتلال الإسرائيلي لفرحة الفلسطينيين بالانتصار الكروي للمغرب يرجع بالأساس إلى غضب الإسرائيليين من التضامن الشعبي المغربي – الفلسطيني، إذ حمل لاعبو المنتخب المغربي العلم الفلسطيني عقب الفوز في مباراة بلجيكا، كما غنى الجمهور المغربي لفلسطين في مبارياته، رغم التطبيع الرسمي بين المغرب وإسرائيل منذ ديسمبر 2020.
كما احتفل الإسرائيليون من أصل مغربي بانتصارات هذا المنتخب العربي الأفريقي، مثلما ظهر على وسائل التواصل الاجتماعي. وتلقى العاهل المغربي الملك محمد السادس التهاني من رؤساء دول عربية وأفريقية بفوز المنتخب المغربي.
وهنأ رجل الأعمال الأميركي ومالك تويتر الجديد إيلون ماسك المنتخب المغربي لتأهله إلى الدور قبل النهائي، كما هنأه السفير الأميركي في الرباط وظهر وهو يرتدي قميص المنتخب المغربي خاتما تهنئته بعبارة “سير سير” التي تشتعل بها مدرجات الدوحة لتحفيز المنتخب وتعني “امض قدما لتسجيل الأهداف”. وهنأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المنتخب المغربي على إنجازه عبر حسابه على تويتر.
نافذة الرياضة
اعتبر محسن بنزاكور الأستاذ في علم النفس الاجتماعي في تصريح لرويترز أن “هذه الفرحة المغربية العربية لا يمكن حصرها في الجانب الرياضي فقط، لأن الجانب الرياضي يمكن أن يعبر عنه الإنسان فقط بالتهاني وانتهى الأمر، لكن أن تخرج الشعوب إلى الشوارع وأن تهدي الحلويات وترفع الأعلام.. وغيرها، سيكون من الغباء أن نتحدث عن فرحة كروية فقط، هناك أشياء لا بد من الوقوف عندها”. وأضاف أن للأمر بعدين “بعد الوحدة العربية حيث تبين أنها لا زالت في العقول وفي العواطف وتنتظر فقط من يحققها”.
وأفاد بأن البعد الثاني “هو أن العالم العربي يعيش إحباطات تأسست على المستوى الاقتصادي والسياسي، ولكن أيضا على مستوى كرة القدم، فالعالم العربي كان يُنظر إليه على أن له فرقا صغرى وأنها لم تحقق أبدا حتى الصعود إلى الدور الأول”.
وأضاف بنزاكور “هذا الإقصاء النفسي والإعلامي كان دائما حاضرا وبالتالي جاء هذا الانتصار لرد الاعتبار بأننا لسنا أقل قدرة أو كفاءة من الآخرين، وتجاوز عقدة الدونية”.
وقال الكاتب السوري الساخر خضر الماغوط عن تأهل المنتخب المغربي “يجب طرد دولة المغرب من جامعة الدول العربية، لمخالفتها أصول الهزائم العربية المتوارثة والمتلاحقة في كل المجالات”. وأضاف “الخوف أن تحصل على كأس العالم وتخرج من مسيرة الفشل العربي التاريخي”.
ونشر الموسيقار والمغني اللبناني مارسيل خليفة على صفحته على فيسبوك “أسود الأطلس الموهبة والمكابدة والصوغ الماهر، المغرب مليون عشق وورد”.
من جهته قال محمد مصباح الخبير في علم الاجتماع السياسي ورئيس المعهد المغربي لتحليل السياسات لرويترز إن “نجاح المغرب في بطولة كأس العالم بقطر أعاد الشعور بالهوية الجهوية والاقليمية العربية، ولو بدا كأنها خبت في ما مضى، لكنها برزت بقوة في بطولة كأس العالم هذه”.
وأضاف “القضايا التي كانت تجمع الناس في العالم العربي وفي هذه المنطقة غالبا ما كانت قضايا سياسية حزينة وحساسة كالقضية الفلسطينية والربيع العربي.. ولكن هذه أول مرة تجمعنا كرة القدم وهذه قضية مفرحة وليست كالأزمات السياسية”.
واعتبر مصباح أن “بطولة كأس العالم أكدت مرة أخرى أن انتماء المغرب إلى هذه المنطقة هو تاريخي وحضاري ولا يمكن أن ننزع منه جزءا من هويته، طبعا لا يمكن أن ننسى دولا أفريقية ودولا في مناطق أخرى من العالم تعاطفت مع المغرب، لأنه نادرا ما تحقق دولة ليس لها هذا التراكم في كرة القدم مثل هذه الإنجازات”.
ترابط أسري
يرى محللون أن المنتخب المغربي لم يعط درسا في اللعب الجيد وتحقيق النصر فقط وإنما أعطى دروسا للعالم، خاصة الغربي، في القيم والارتباط الأسري.
ودللوا على ذلك بما قاله مذيع ألماني من أن “هذه المشاهد الحميمية مع العائلة لم نعد نراها في مجتمعاتنا الغربية التي تسودها الأنانية والمثلية الجنسية واندثار مفهوم الأسرة”، في إشارة إلى مشاهد معانقة بعض اللاعبين كأشرف حكيمي وسفيان بوفال وحكيم زياش لأمهاتهم وتقبيلهن بعد انتهاء المباريات.
وقال بنزاكور “الذي لا نستطيع أن ننكره هو أنه رغم أن هؤلاء تربوا في الدول الغربية استطاعوا أن يحافظوا على لحمة الأسرة وهذا ما تحدث عنه الإعلامي الألماني”.
وأضاف أن الفضل في تشبث هؤلاء اللاعبين بهويتهم “يرجع إلى الأمهات بالأساس والآباء حتى لا نبخسهم حقهم.. هذا الذي فرح بحضن أمه وسط الجماهير العربية لم يترب في بيئة مغربية بل في أوروبا، لكن الأم هي من تحافظ على هذه اللحمة”. وأردف ما عبّر عنه الألماني بقوله “نحن نلقي بوالدينا في دور العجزة ونحتاج فقط إلى هذا العناق”.