شكرا مغرب الشعوب

مرزوقي

عقب فوز المغرب، وفي غمرة ذلك الفرح والإحساس بالانتصار، تعانقت شخصيا في مقهى الحي مع جاري الذي كان قبل المباراة من أغلظ خلق الله.

نعم، تأهل المنتخب المغربي لنصف نهائي مونديال قطر، في سابقة لم يكن يحلم بها أي عربي مهما بالغ في التفاؤل، حتى أن عرافة تونسية قد سطع نجمها بعد أن تنبأت بهذا الحدث الاستثنائي.

فتح هذا الفوز بوابات الخيال على مصراعيها، وتدفق نهر من التعليقات في الشارع والصحافة وعلى مواقع التواصل الاجتماعي من مختلف الشرائح والفئات، وحتى الحساسيات السياسية والعائلات الفكرية والجماعات الدينية في محاولة لركوب الحدث.

رقص لاعبي المغرب مع أمهاتهم على أرضية الميدان انتشاء بالانتصار، أعطى العالم صورة أنصع من تلك التي دأب أن يتداولها السلفيون في الاختفاء وراء هالة مقام الأم وكأنها جنس ثالث، وذلك لتعنيف الزوجة والأخت والابنة وزميلة الدراسة والعمل وعابرة الطريق.

أُسقط في يد المتحجرين والظلاميين وصفعنا أولئك المتربصين في الخارج بتقديم صورة حضارية مبهجة من العاصمة القطرية التي أعطتهم بدورها درسا في التسامح والقبول بالمختلف رغم المزايدات الإعلامية.

غطى الحدث على كل شيء، سادت هالة من الفرح والاغتباط، وصرنا نتنفس هواء مغربيا صرفا، إلى درجة أن الاحتفاليات طالت حتى غرف النوم. وتبدلت العلاقات مع صافرة الحكم وهو يعلن مع نهاية المباراة بدء عهد جديد من الثقة بالنفس والآخر في جو مفعم بالوئام.

 

الفوز فتح بوابات الخيال على مصراعيها
الفوز فتح بوابات الخيال على مصراعيها

 

انطلقت في تونس مثلا، وعلى بعد آلاف الكيلومترات من الدوحة والرباط، الأهازيج والهتافات ومزامير السيارات، رقص الشبان والشابات في الساحات جنبا إلى جنب، بمنتهى العفوية، ودون تسجيل حوادث تحرش أو نشل أو صدام.

اللصوص والفاسدون والمضاربون عقدوا هدنة مع ضحاياهم، ونسي الناس غلاء المعيشة وأتعابهم اليومية فبدوا وكأنهم في “تخميرة صوفية”.. فانظروا إلى ما يفعله الفوتبول بالشعوب.

لا.. إنه ليس الفوتبول وحده، ولا تلك العصبيات الكروية التي قامت بسببها حرب السلفادور وهندوراس في نهاية ستينات القرن الماضي، وإنما شيء آخر اسمه التعطش للفرح والتوق للانتصار.. أي انتصار.

فوز المغرب جعلنا لطيفين ومريحين كقوم يليق بهم الانتصار ولا يملون من الفرح.

الوطنية لم تعد مجرد حماسة زائدة عن اللزوم ويستثمر فيها السياسيون.. إنها تتجسد في تلك الدموع الدافئة الصامتة التي ذرفها رجل مغربي يعمل في أمن الملاعب بالدوحة، وكانت وظيفته تحتم عليه أن يدير ظهره لميدان المباراة حماية للمشجعين، لكنه استرق أمام الكاميرا نظرة إلى الوراء وشاهد هدف الانتصار فبكى.

نعرف أن اللصوص والفاسدين، وحتى المتحجرين والمتشددين سيعودون إلى “ممارسة قناعاتهم” بعد انتهاء الهدنة، وسأعود بدوري، إلى انزعاجي من جاري الغليظ في المقهى، ولكن بنكهة مختلفة هذه المرة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: