إنتصار وطن …

البراق شادي عبد السلام

كان على إفريقيا أن تنتظر 90 سنة ليصل أقوى منتخب في التاريخ الإفريقي و القوة الكروية الضاربة عربيا و قاريا إلى المربع الذهبي في منافسات كأس العالم قطر 2022 .

وصول المنتخب المغربي إلى نصف نهاية كأس العالم بطريقة أقل مايقال عنها أنها ” هوليودية “و فشل أقوى الخطوط الهجومية المعاصرة بقيادة مودريتش و لوكاكو و طوريس و كريستيان رونالدو في إختراق خطه الدفاعي الحديدي المتماسك بقيادة السور المغربي ياسين بونو و ثلاثي دفاعي من الأسود يؤكد على حقيقة واحدة أن وراء هذا الإنجاز و هذه المسيرة الكروية التي يشيد بها العالم أجمع رجال وطنيون يمتلكون رؤية إستراتيجية مسؤولة و إرادة قوية للنهوض بالكرة و الرياضة المغربية بشكل يترجم تاريخ الأمة المغربية العظيم إلى ألقاب عالمية و تموقع قوي للمغرب في الخارطة الرياضية العالمية .
الطريق إلى نصف النهاية لم يكن سهلا على منتخب كان يجر وراءه عقودا من الإنكسارات و الخيبات بسبب فشل أغلب المدربين في الحصول على التوليفة المناسبة أو و الظلم التحكيمي و المؤامرات المتعددة التي إستهدفت الكرة المغربية أو بسبب سوء الحظ في أحايين أخرى .
طوال سنوات السبعينات و الثمانينات عانت الكرة المغربية من الحيف التحكيمي في مجاهل إفريقيا حيث وثق التاريخ الرياضي لمجازر و فظائع تحكيمية حقيقية أرتكبت لأسباب يطول شرحها بحق الفرق و المنتخبات المغربية في جميع المنافسات سواء على مستوى الأندية أو المنتخبات .
و هنا لا بد لنا من الإشارة إلى الدور الإيجابي الذي لعبه و يلعبه السيد فوزي لقجع و الفريق العامل إلى جانبه في الجامعة الملكية لكرة القدم بتموقع ريادي في الفيفا و الكاف الذي أدى إلى وقف هذه الممارسات المشينة وحماية روح التنافس الشريف و اللعب النظيف الذي تتميز به الكرة المغربية من تلاعب العابثين .
الوصول إلى مربع الكبار في كرة القدم العالمية و التنافس على الفوز بكأس العالم كان بأسلوب مغربي ينهل من تركيبة الشخصية المغربية بخصوصياتها المتفردة القوية الشكيمة و الصادقة في العمل و المحبة للسلام ترجمه الأسود في الميدان بلعب نظيف جدا ومهارات تنافسية قوية و أداء جماعي مبهر و سلوك إنساني أدهش العالم و قدم له حقيقة الشعب المغربي الحامل لمشعل حضارة إنسانية عريقة ضاربة جذورها في التاريخ .
إنتصارنا اليوم نريده أن يكون بداية مسيرة كروية يتسيد فيها المغرب على اللعبة إفريقيا و يظل منافسا شرسا للدول الكبرى التي تحاول أن تحافظ على هيمنتها بجميع الوسائل لأنها أدركت أن كرة القدم هي من أهم القوى الناعمة التي تساعدها في تحقيق إنجازات سياسية و إجتماعية و إقتصادية .
وصولنا إلى مباراة نصف النهاية بصفر هدف و شباك نظيف حدث تاريخي عرفته منافسات تاريخ كأس العالم مرتين منذ أول نسخة إحتضنتها الأوروغواي سنة 1930 مع منتخب انجلترا في مونديال 1966 حيث تلقى أول هدف في نصف النهاية ضد البرتغال و إنتهت المباراة ب 1-2 وبعدها تلقى هدفين ضد المانيا الغربية في النهاية 4-2 أيضا منتخب إيطاليا في مونديال 1990 إستقبل أول هدف في مرماه حتى مباراة نصف النهائي ضد الارجنتين 1- 1 قبل أن يقصى بالضربات الترجيحية و بعدها فاز في مباراة الترتيب ضد انجلترا 2 -1.
الحملة المغربية في طريقها للمباراة النهائية أسقطت العديد من المدارس الكروية بنجومها و أساطيرها و مدربيها بفضل الدعم اللامحدود و اللانهائي للجماهير المغربية العريضة التي سطرت ملاحم حقيقية في التضحية و الإسناد حتى أصبح لدى المدرب وليد الركراكي كتيبة كروية متكاملة الأركان تكتيكيا و سلاح آخر مرعب فعال يتمثل في الضغط الجماهيري الكبير الذي يمثله وجود جمهور مرعب تعداده أربعين ألف مشجع داخل الملعب بروحه الوطنية العالية و إنتماءه الصادق لهذا الوطن و أربعين مليون مغربي داخل و خارج الوطن و مئات الملايين من الجماهير و الشعوب في مختلف بقاع العالم التي أصبحت ترى في إنتصارات المنتخب المغربي إنتصارا لها .
مع تواصل الإنتصارات و سقوط القوى الكروية الكبرى أصبحت عبارة ” الوصول المفاجئ و الغير متوقع او النتيجة المفاجأة ” لمنتخب المغرب بقيادة الأفوكاتو وليد الركراكري عبارات نمطية ، لا تعبر على الحقيقة الناصعة بأن وصولنا إلى هذا المستوى الرفيع هو نتيجة طبيعية لنجاح التركيبة المغربية الأصيلة بمدرب مغربي الهوى و فتية فضلوا اللعب بالقميص المغربي على مجاورة نجوم كبار في منتخبات عالمية ، لاعبونا و أبطالنا فضلو أن يكونو شموسا في منتخبهم منسجمين مع هويتهم يصنعون تاريخ و أمجاد وطنهم على أن يكونو نجوما في منتخبات دول الإستقبال .
نجاح وليد الركراكي في تحقيق هذا الحلم هو نجاح للإنسان المغربي أولا و دليل على أن مغرب الكفاءات التي ما فتئ الجميع ينادي به هو اليوم حقيقة نعيشها داخل كيمياء بتفاصيل مغربية خالصة لا يستطيع فك شيفراتها إلا المغاربة .
الصور المغربية الخالصة لأمهات اللاعبين ” بجلاباتهم ” المتماهية مع روح تمغربيت و رقصات الفرح مع أبناءهن دليل آخر على أن مهندس إخراج هذه الملحمة الكروية يفكر في نتائج أخرى غير التي نشاهدنا عبر القنوات الفضائية القطرية و أن القصة لن تنتهي في مشاركة كروية و ينتهي الأمر.
ما يقع حاليا في قطر هو نفض الغبار على الشخصية المغربية العريقة فهناك أحداث تعيد تشكيل وعي الشعوب و ترسم بدايات جديدة لمسارها في طريق التقدم و الرقي .
الدولة المغربية في السنوات الأخيرة عزمت على إحداث تغيير حقيقي في الوطن و ذلك بالعمل على إعتماد النموذج التنموي الجديد ليجسد إرادة التغيير بحلول مغربية لمشاكل مغربية خالصة في إطار تعزيز الجبهة الداخلية الموحدة و التركيز على الإستفادة من خبرات و كفاءات مغاربة العالم كمكون أساسي و فاعل رئيسي و مهم في بناء مغرب الغذ مغرب الجرأة و التمكين .
اليوم في قطر إستطاع المنتخب المغربي تقديم حلول مغربية لإشكالات حقيقية عاشتها الكرة المغربية بالإستخدام الأمثل للطاقات و الكفاءات المغربية المتشبعة بروح – تمغربيت .
الإعتماد على الكفاءات الوطنية دائما ما يحقق نتائج إيجابية تسعد الشعب المغربي ، لنا في دروس 2004 لعب المغرب نهاية كأس إفريقيا بتونس مع الإطار الوطني بادو الزاكي و اليوم يتجدد الإنجاز و لكن بشكل أعظم مع وليد الركراكي كإطار وطني ولد البلاد يتنفس عشق المغرب و ترابه المقدس .
التجربة التركية في كأس العالم اليابان – كوريا الجنوبية 2002 تتشابه إلى حد ما مع الملحمة المغربية التي يسطرها المنتخب المغربي في قطر بمداد من الفخر ، المنتخب التركي هو الآخر فاجأ العالم بوصوله إلى دور نصف النهائي ليشكل هذا الإنجاز الكروي للأتراك فرصة للمضي قدما في مشروعها المجتمعي لتحقيق نهضتها الإقتصادية و الرياضية و السياحية و تتحول تركيا في غضون سنوات قليلة إلى قوة إقليمية و دولية لها كلمتها و موقفها في مختلف القضايا الإقليمية و الدولية .
اليوم تتشابه الشروط الذاتية و الموضوعية بشكل كبير مع التجربة التركية فالمملكة المغربية الشريفة بوصولها إلى نصف النهائي و عينها على الفوز بكأس العالم هي الأخرى تمتلك إطارا مرجعيا لتحقيق النهضة المغربية يتمثل في الرؤية الملكية المتبصرة و البرامج المسطرة في النموذج التنموي الجديد الذي يشكل كإطارا مرجعيا لتحقيق أوراش التنمية المستدامة و ذلك بالحرص على الحكامة في التدبير و العمل على حماية الإستقرار و الأمن في ظل دولة المؤسسات القوية في مغرب دامج متضامن مزدهر و جريئ .
الدولة المغرب و مؤسساتها الإستراتيجية حققت في السنوات الأخيرة إنجازات سيادية كبرى فيما يخص الحفاظ على المصالح العليا للوطن و الدفاع عن مقدساته .
نصف النهائي و ما بعد نصف النهائي هي إنجازات مبهرة وجب علينا تحصينها و العمل على إستدامتها ، تأسيس نموذج رياضي مغربي يتسيد على كرة القدم القارية و العالمية أصبح من بين الأهداف الإستراتيجية الكبرى المطروحة فوق مكتب الفاعل الرياضي بالإعتماد على الحكامة في التسيير الرياضي و الإشتغال بمنطق إحترافي و إستكمال طريق إصلاح ما يمكن إصلاحه في المنطومة الكروية و الرياضية المغربية و الإنتقال من مرحلة إكتشاف النجوم و التنقيب عليها إلى مرحلة صناعة جيل من النجوم و هو ما تكرسة العناية الملكية السامية لأكاديمية محمد السادس لكرة القدم التي قدمت العديد من القامات الكروية العالمية كالمهاجم يوسف النصيري، ومتوسط الميدان عز الدين أوناحي، والمدافع نايف أكرد.
اليوم الكرة المغربية تعيش و ستعيش مرحلة جديدة عنوانها التألق و تحقيق الريادة الكروية العالمية بقيادة السيد فوزي لقجع و الفريق العامل إلى جانبه بحرصه على تنزيل الرؤية الملكية النيرة للإقلاع بالكرة المغربية نحو العالمية و الإنجازات الكبرى التي حققتها الكرة المغربية في السنوات الأخيرة دليل على نجاعة عمله الميداني في مختلف المستويات الوطنية و القارية و العالمية حيث يحرص الرجل بكل مسؤولية على بناء منظومة كروية تتمتع بكل مقومات النجاح معتمدا على إستراتيجية ثلاثية الأبعاد تعتمد على الحكامة في التدبير و التسيير و إستدامة التمويل و تطوير البنية التحتية بهدف وحيد هو بناء القدرات و تحقيق النتائج و الصعود إلى البوديوم .
إنتصارنا الكبير على منتخب البرتغال و تأهلنا للدور النصف النهائي للفوز على منتخب فرنسا بإذن الله هو إنجاز كروي كبير و مستحق ، لكن أحلامنا كبيرة و طموحاتنا مشروعة في إستكمال فصول هذه المسيرة التاريخية و كتابة الصفحة الاولى من العهد الجديد لكرة القدم العالمية بمداد مغربي و نشيد وطني ينتهي بكلمات من ذهب لنشيدنا الوطني سيرددها العالم أجمع معنا إنشاء الله بكل إعتزاز و إفتخار بشعارنا الخالد : الله – الوطن – الملك .
و لله الأمر من بعد و من قبل ..

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: