الأسود الاطلسية تواجه بحارة البرتغال في دور الربع النهائي لكأس العالم قطر 2022 ، هي مباراة فاصلة في التاريخ الرياضي المغربي الذي سطره بمداد من الذهب المنتخب المغربي، جامعة ملكية و فريقا و مدربا وطاقم تقني بالإضافة للعنصر المحوري بتشكيلة المنتخب المغربي في هذه الرحلة المونديالية المتمثل في الدعم المنقطع النظير للمغرب ملكا و شعبا .
قبل بداية الرحلة و بالعودة للتعليقات و التصريحات و التحليلات و التدوينات التي واكبت تغيير المدرب “الوحيد” حاليلوزيتش و في إطار النقاش الصحي و تبادل وجهات النظر كانت لدى قسم منا شكوك جماعية في قدرة المايسترو وليد الركراكي لإدارة دفة منتخب يضم لاعبين كبار من نجوم العالم يمارسون في أكبر الدوريات العالمية ، نعم كانت لدى عدد ليس بالهين مؤاخذات على زياش و المزراوي و آخرون ..
نعم في وقت من الأوقات و مع توالي الإنتكاسات و الخيبات تشكلت لدى قسم منا صورة نمطية بأن المنتخب المغربي لن يستطيع تجاوز الإنتصار في المباريات الثلاث للدور الأول و الإكتفاء بتجميل الواقع عبر عبارات منتقاة من قاموس لا يناسب تاريخنا العريق مثل هزيمة مشرفة أو تعادل صعب ..
اليوم بعد الأداء الخرافي لمنتخب الأسود في مبارياته و الروح القتالية الإستثنائية التي أظهرها الأسود في الميدان و الكوتشينغ الإحترافي الذي لمسناه في أداء وليد الركراكي في المونديال بخلق توافقات مرضية داخل الفريق و بإمكانيات هائلة في التواصل بلغة جميلة و عبارات عادية لامست قلوب المغاربة جميعا نفضنا الغبار على تاريخ الأمة المغربية المليئ بالإنتصارات و الملاحم .
من جهة أخرى لا يمكن فصل ما يسطره المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022 عن “سلسلة الذهب ” للإنتصارات التي حققها و يحققها المغرب في جميع المجالات و الميادين في تناغم مستدام و تكامل منسجم بين الرؤية الملكية المتبصرة لمغرب الغذ و التطلعات المشروعة لمغرب الجرأة و التمكين .
عبارة ” عاش الملك ” التي وثقتها مقاطع الفيديو عبر وسائل التواصل الإجتماعي للجماهير المغربية المحتفلة و المتذوقة لحلاوة النصر و متعة الإعتزاز و الإفتخار بالإنتماء لوطن ينتصر و مسيرات المغاربة الأحرار بمئات الآلاف التي شاهدناها بمختلف المدن و القرى و المداشر ملتحفين علم الدولة العلوية المجيدة الراية المغربية الحمراء بنجمتها الخضراء الخماسية كرد شعبي صاعق على مروجي ثقافة الإنكسار و روح الهزيمة التي يحاول ضعاف النفوس وفاقدوا المبادرة الإيجابية نشرها بين فئات الشعب المغربي خدمة لأجندات تستهدف النيل من الشخصية المغربية قوية الشكيمة و عالية الهمة و صادقة الإنتماء .
إلتحام الجماهير المغربية مع قائد الأمة في يوم فرحة الملك و الشعب كانت صفعة مدوية في وجوه الأغبياء و البؤساء و مفتقدي الروح الوطنية و رسالة إلى العابثين بثوابت الأمة و محترفي التضليل و الكذب بأن اللحمة الدائمة و الأبدية بين المؤسسة الملكية القيادة التاريخية الوحيدة لنضال الشعب المغربي عبر العصور و جماهير الشعب هي عصية على العابثين و المتربصين ، ليقدم شحنة إيجابية كبرى للفريق الوطني
المباراة القادمة مع ” برازيل أوروبا ” و منتخب القوة الكروية الضاربة “قادة إفريقيا ” و ” أسود الاطلس ” ستكون مختلفة سواء في طريقة اللعب المنتظرة أو نتائجها و تداعياتها على الفريقين ، المنتخب المغربي لديه أقوى خط دفاعي في العالم أثار إعجاب كل المتتبعين و المراقبين بتنظيمه المحكم و قدرته على تطويع منصات هجومية رهيبة بشكل بطولي يقودها مودريتش و لوكاكو و طوريس ، و ذلك عن طريق غلق مفاتيح اللعب و الإنتشار المحكم في الميدان و البناء الهجومي من الخلف و التسرب إلى مربع عمليات الخصم مع الحفاظ على بوليصة تأمين دفاعية كافية في الخطوط الخلفية للحفاظ على نظافة الشباك المغربي .
إستراتيجية اللعب التي يعتمدها المدرب البرتغالي سانتوس تختلف بشكل كبير على أسلوب التيكي تاكا الإسباني المعتمد على الإستحواذ و اللعب الإستعراضي و إنهاك الخصم بالتمريرات قبل الإجهاز عليه بسلسلة تهديف متواترة تفقد الخصم توازنه .
المدرب فيرديناند سانتوس يعتمد على إستراتيجية إمتلاك الكرة و الإنتشار الجيد في وسط الملعب من خلال تحريك خط الوسط عبر التمريرات القصيرة و العرضية و تصعيد الضغط من الجناحين الأيمن والأيسر وخلخلة الدفاعات بالعديد من المهاجمين الوهميين القادمين خلف الآلة الهجومية كريستيانو رونالدو كمهاجم صريح في المقدمة مما يسهل إختراق خطوط الدفاع و الوصول المفاجئ لمربع العمليات و تسجيل الهدف ، و ذلك عن طريق الإعتماد بشكل أساسي على خطة 4-2-3-1 مع القدرة على الإنزياح بشكل سلس إلى خطة 4-3-3 في الميدان بهدف زيادة الضغط الهجومي و تخفيف ضغط المراقبة اللصيقة المعتادة على كريستيانو رونالدو ،في وقت يلعب خط الوسط دوره في الإسناد لخط الدفاع وتأمين نصف ملعبه من خطر المرتدات الهجومية القاتلة .
بكشف سريع لمباريات المنتخب البرتغالي في المونديال نجد أن خط الدفاع يعيش أزمة هوية حقيقية و إرتباك دائم حتى في حالات الإجتياح الهجومي بقيادة كريستيانو رونالدو .
الواجبات الدفاعية للفريق البرتغالي تبقى متواضعة و يكرس هذا الوضع أكثر إفتقار الحارس دييغو كوستا للخبرة الكافية و غياب التركيز مما أدى لإستقبال شباكه لأكثر من 5 أهداف في هذا المونديال .
المدرب سانتوس في مايخص ترتيب خطوط الدفاع فإنه يفضل اللعب بأسلوب دفاعي منخفض الكتلة و ذلك بتحريك هذه الخطوط بشكل تراكمي لضييق المساحة أمام الخصم في وقت الهجوم و فسح المجال أمام الأطراف لإعتراض الهجمات المرتدة .
هذا الوضع يمكن أن يفتح شوارع حقيقية أمام الظهير الأيمن أشرف حكيمي و الأيسر نوصير مزراوي من أجل تقديم الإسناد في الضغط الهجومي العالي التردد في حالة الهجمات المرتدة الخاطفة و ذلك بالإعتماد على قوة و تكامل وصلابة القوة الهجومية المغربية ممثلة في حكيم زياش وسفيان بوفال وعز الدين أوناحي و تكسير قوة الهجوم البرتغالي و تضييق المساحات المتقدمة أمامه .
وليد الركراكي كمدرب له تجربة مهنية محترمة و بالماريس إحترافي مشرف كلاعب و مدرب إستطاع إبعاد عناصر المنتخب المغربي على الضغوطات النفسية و كل محاولة للتأثير على معنويات الفريق بخلق جو تنافسي صحي و رياضي أكدته الصور في إنسجام تام بين الطاقم التقني و اللاعبين فيما بينهم و هذا مؤشر على أن المباراة غذا سيلعبها الأسود في جو به الكثير من الثقة المتبادلة و روح التضحية و الهارمونيكا الإيجابية .
المنتخب المغربي يدخل هذه المباراة و عينه على فتح مخازن البرتغال الذهبية و العبور إلى مباراة نصف النهاية و مابعد نصف النهاية و كتابة التاريخ الجديد لكرة القدم الإفريقية و العربية ، وسط إحتضان جماهيري من مختلف الشعوب العربية الأمازيغية الإفريقية، حيث أن هذا المنتخب إستطاع “لم الشمل” العربي و الإفريقي بفضل إستماتة اللاعبين و الدعم المنقطع النظير من الشعوب .
في زاوية أخرى من العالم الموازي لاحظنا حالة الإنكار الشديدة و عدم تصديق الواقع و الصدمة السيكولوجية البئيسة التي يعيشها الإعلام الجزائري البئيس و مشغليه إزاء حدث تاريخي مغاربي و إفريقي و عربي و عالمي كبير يتمثل في صعود المنتخب المغربي إلى دور ربع النهاية حيث كشف هذا الحدث للعالم الوجه الحقيقي للإعلام المأجور الغبي الغير مهني و الفاقد للرؤية الإستراتيجية المصاب ب “متلازمة الإنكار Syndrome negata” و الإنكار في علم نفس السلوك البشري ، هو إختيار الشخص أو مجموعة بشرية لإنكار الواقع كطريقة لتجنب حقيقة غير مريحة نفسيا. إن مذهب الإنكار هو في الأساس عمل غير عقلاني يمنع المصادقة على تجربة أو حدث تاريخي عندما يرفض الشخص أو المجموعة قبول واقع يمكن التحقق منه تجريبيًا و تاريخيا عاش الشعب البرتغالي هذه المتلازمة بعد الهزيمة المدوية في معركة المخازن و إنهيار الإمبراطورية البرتغالية و مقتل الإمبراطور سباستيان في المعركة حيث عرفت في ذلك الوقت ظهور ” السيباستيانيزم ” كرد ينكر و يرفض هذه الحقيقة و يرفض تصديق وفاة سيباستيان و هزيمة البرتغال في معركة عيكرية فقدت فيها جيشها و أسطولها .
الإعلام الجزائري أظهر بالملموس كمية الحقد المجاني و تزييف الوقائع و غياب المهنية التي تنخر جسده العليل .
في الجانب الآخر من القصة أظهرت مقاطع فيديو و تصريحات من أماكن مختلفة من الجزائر كيف أن الشعب الجزائري الشقيق يدعم المنتخب المغربي في المقاهي و المنازل رغم أنف إعلام التضليل و الكذب .
الرد المغربي الأصيل المتجذر من تقاليد مغربية عريقة ضاربة جذورها في التاريخ كان في خطاب جلالة الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش 29 يوليوز 2019 ليقدم درسا في الأدب و الأخلاق الرفيعة و الروح الإنسانية الصادقة مذكرا ب : ” مظاهر الحماس والتعاطف، التي عبر عنها المغاربة، ملكا وشعبا بصدق وتلقائية دعما للمنتخب الجزائري خلال كأس إفريقيا للأمم بمصر الشقيقة؛ ومشاطرتهم للشعب الجزائري مشاعر الفخر والاعتزاز بالتتويج المستحق بها؛ وكأنه بمثابة فوز للمغرب أيضا. “../// إنتهى الإقتباس .
اليوم بإذن المولى القدير و بالروح القتالية التي سيظهرها رجال المغرب في الميدان سيعبر المنتخب المغربي بحلم الشعب المغربي للوصول إلى نصف النهائي و تحقيق النصر على البرتغال و قطع دابر مروجي الإنهزامية و العدمية.
الإنتصار في موقعة البرتغال هو بداية الطريق لإستكمال العمل النوعي الذي يقوم به السيد فوزي لقجع على رأس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم من أجل بناء منظومة كروية إحترافية وتجاوز نواقص حقيقية تعيشها كرة القدم المغربية في مستويات النوادي و الفرق مرتبطة بالحكامة التنظيمية و التسيير العبثي و التطاحنات الإدارية و الصراعات الإسبرطية التي هوت بفرق تاريخية لها أمجاد كروية إلى صنف الهواة و فرق الأحياء.
و أكيد جدا سيكون هذا الحدث الكروي و الرياضي دافعا أمام الفاعل الرياضي لتحمل مسؤوليته التاريخية لإحداث التغيير المنشود و المستحق و تنزيل الرؤية الملكية المتبصرة لتأهيل المشهد الرياضي المغربي من أجل ضمان إستدامة هذه النتائج .