الكرة أسرع منا. ربما يشعر المشجعون المعجبون باللعبة بالأسى لأن المونديال وصل إلى دور الـ8.
نحن في انتظار الفرق الأربعة التي ستتبارى على اللحظة الأخيرة وهي اللحظة الحاسمة التي سيتبارى فيها فريقان. يفوز أحدهما بالكأس.
يوم كان العراقي مؤيد البدري يعلق على المباريات العالمية المنقولة تلفزيونيا كان يُضفي على الحدث نوعا من التشويق لا يخلو من المعلومات. فالرجل كان عبارة عن موسوعة رياضية.
المعلق شخص ضروري بالنسبة إلى من يرى مباراة كرة قدم. فهو لا يُعرف باللاعبين فقط، بل ويسعى إلى أن يركض بصوته مع الكرة. فلا أحد يكتفي بالنظر إلى الكرة من خلال شاشة التلفزيون صامتا. من غير اللهاث وراءها تنقص الحماسة وتكون المباراة أشبه بفيلم صامت.
المغاربة انتصروا رياضيا غير أن السياسة لم تغب عن بالهم. وعلى ضفة المتوسط الأخرى فإن إسبانيا لا بد وأن شعرت بغصة مضاعفة
ولأن كرة القدم تكون ظالمة أحيانا فيحاول البعض ألا ينحاز إلى النتيجة ويختار التمتع باللعب الجيد. ذلك جمهور لا يورط نفسه برهانات وهمية. فالكرة كما يُقال فن وهو فن فيه الكثير من الحكمة والدقة والدعابة والرقة والرقص الذي يضع أعضاء الجسد كلها في خدمته. ولكن كل ذلك لا يساوي في الأهمية الأهداف التي يسجلها فريق قد لا يجيد أداء ذلك الفن، غير أنه يفوز بالكأس.
تتقدم الفرق إلى المباراة النهائية لتنهي حفلة رياضية تخللتها زيارة رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى دولة قطر. تلك زيارة ذات دلالات معنوية وسياسية كبيرة.
امتزجت الرياضة بالسياسة. ذلك ما لا يرغب فيه الرياضيون. ولكن الأعلام الوطنية كانت تغطي الملاعب. هل الأعلام سياسة؟ يتمنى السياسيون لو كان الأمر كذلك، بحيث يكون علم المثليين الذي رفعه البعض بطريقة خاطفة نوعا من التحدي السياسي. تلك فكرة خاطئة عن عالم ينبغي أن يتكامل بتنوعه. مونديال قطر كان مناسبة للانفتاح على أفكار غير رياضية تتعلق بوجودنا المشترك. فليس ضروريا أن تكون المثلية واحدة من مقومات علاقتنا الإنسانية ووجودنا المشترك على الكوكب.
هل للكرة علاقة بالمثلية؟ أعتقد أن بعض الأوروبيين يبتكر خصاما لا معنى له. لا يقف المسلمون وحدهم ضد المثلية أو زواج المثليين. هناك كنائس كثيرة في الغرب تتخذ الموقف نفسه. بل إن دولة مسيحية كبيرة مثل روسيا ترفض أن يمارس المثليون فعالياتهم التهريجية علنا. لقد أُدخلت المثلية في سياق سياسي معاصر لتكون جزءا من الحرب ضد مجتمعات، يعتقد البعض أنها غير قادرة على الدفاع عن نفسها.
الكرة مجنونة. جمهورها مجنون. تلك حقيقتان حاول المثليون ومسوقو عالمهم أن يستفيدوا من ذلك الجنون. فقرروا أن يركبوا موجة السياسة. كانت الكرة تدور فيما المؤامرات تُحاك من حولها. لم يكن ميسي ولا رونالدو معنيين بما يجري خارج الملعب. كانت الكرة وحدها تسجل تاريخا. ونحن في انتظار أن يسجل الهدف الأخير في السباق. نحن في انتظار اليد التي ترفع الكأس.
ما فعلته قطر سيكون معجزة بكل المقاييس. دولة صغيرة تستقبل العالم. تلك واحدة من أساطير عالمنا الحديث. وهي عنوان حداثة سنقلب صفحاتها في ما بعد. غير أن تلك المعجزة تتناسب مع سرعة الكرة.
الجار الجزائري يتصرف وكأن لا شيء اسمه الفريق المغربي المشارك في المونديال
صعد الفريق المغربي بانتصاره على الفريق الإسباني إلى الدور الأخير الذي يسبق مباراة الكأس. تلك “ضربة معلم” كما يقول المطرب المغربي سعد لمجرد. مهما قيل عن براعة وروعة وانسيابية الأداء المغربي فإن هزيمة فريق مثل الفريق الإسباني العريق هي واحدة من أعظم المفاجآت.
من المؤكد أن المغاربة لم ينظروا إلى نصر فريقهم مجردا عن عالم السياسة وخاصة أن الفريق المهزوم كان إسبانيا. فمن المعروف أن العلاقة بين المغرب وإسبانيا في حالة مد وجزر. سبق لإسبانيا أن استعمرت جزءا من التراب المغربي ولا تزال تحتل مدينتين مغربيتين هما سبتة ومليلية كما أن هناك مشكلات تتعلق بالصيد البحري تعكر مزاج المغرب كلما رغب في تنقية الأجواء والتخلص من تبعات الماضي.
المغاربة انتصروا رياضيا غير أن السياسة لم تغب عن بالهم. وعلى ضفة المتوسط الأخرى فإن إسبانيا لا بد وأن شعرت بغصة مضاعفة. فلو كان فريق أي بلد آخر غير المغرب قد انتصر على فريقها لكانت الضربة أقل تأثيرا.
أما الجار الجزائري فيتصرف وكأن لا شيء اسمه الفريق المغربي المشارك في المونديال.
غير أن ذلك كله قد لا يكون إلا أوهاما. فالكرة مجنونة ولا قانون ثابت لها. وإذا ما كنت شخصيا توقعت أن تلعب البرازيل اللعبة الأخيرة أمام ألمانيا فإن تلك أمنية قد لا تعبر إلا عن خيال مريض.