بنكيران يعمق انقسام العدالة والتنمية بدل توحيده
يواجه الأمين العام لحزب العدالة والتنمية المغربي عبدالإله بنكيران سيلا من الانتقادات بسبب إصراره على الاستئثار بمفاصل القرار، والعمل على تحجيم منتقديه داخل الحزب، وبينهم قيادات وازنة، الأمر الذي من شأنه أن يعمق أزمة العدالة والتنمية الذي لا يزال يعاني من تبعات الهزيمة الانتخابية التي مني بها.
يواجه حزب العدالة والتنمية المغربي أزمة داخلية متفاقمة مع توجه عدد من القيادات إلى مقاطعة اجتماعات الأمانة العامة رفضا لسلوك الأمين العام عبدالإله بنكيران، ورغبته في احتكار سلطة القرار داخل الحزب ذي الخلفية الإسلامية.
ويرى متابعون أن الأزمة داخل العدالة والتنمية (البيجيدي) ليست حديثة العهد، لكنها تعمقت في الأسابيع الأخيرة مع محاولات بنكيران استبعاد قيادات بعينها، وتحجيم دورها في الحزب، وهذا ما دفع عددا منها إلى مقاطعة اجتماعات العدالة والتنمية.
ويقول المتابعون إن أعضاء العدالة والتنمية والموالين للحزب كانوا يراهنون على عودة بنكيران إلى الأمانة العامة لإعادة ترتيب الأوضاع، لاسيما بعد الانتكاسات الانتخابية التي مني بها الحزب، لكن المؤشرات الحالية تكشف بأن رئيس الحكومة الأسبق تحول إلى عنصر أزمة بدل أن يكون طرفا جامعا.
وساهمت تصريحات ومواقف الأمين العام بشكل كبير في تأزيم الوضع داخل حزب العدالة والتنمية، خصوصا وأنه يعتمد في كبح جماح معارضيه على الشبيبة والجناح الدعوي حركة التوحيد والإصلاح، وبعض الصقور الذين يرفضون التخلي عن قيادته.
ولم يستطع بنكيران التعامل بشكل إيجابي مع انسحابات وتجميد العضوية من طرف قيادات من الصفين الأول والثاني، منهم الوزير عزيز رباح، بعدما ظل صامدا لسنوات مع تراكم الأزمات التي عرفها التنظيم في الآونة الأخيرة زادت من حدتها الهزيمة المدوية في انتخابات الخريف الماضي.
ويقول هشام عميري أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري إن عودة بنكيران إلى قيادة الحزب بعد فشله في الانتخابات التشريعية والبلدية لم تنه الصراعات الدائرة حاليا داخل الحزب، خصوصا مع حرصه على السيطرة على التنظيم السياسي وتعطيل أي توجه معارض له من طرف القياديين الذين كان له موقفا سلبيا منهم واعتبرهم سببا في الهزيمة ولا يريد عودتهم إلى القيادة مرة أخرى.
وأكد عميري في تصريحات لـه أن مواقف بنكيران وتصريحاته في الآونة الأخيرة لن تعيد الروح إلى الحزب التي فقدها مع الانتخابات الأخيرة، ما دام المواطنون فقدوا ثقتهم فيه انطلاقا من تجربته السلبية في تدبير الشأن العام، وفشله في معرفة المسافة التي كانت بين الحزب وذهنية المواطن المغربي.
ويقول بعض القياديين داخل “العدالة والتنمية” إن الحاجة إلى النقد الذاتي مطلوبة لكنها لا تكفي إذا لم يتم تغيير العقلية وطريقة العمل الحزبي بالابتعاد عن إقحام الدين في السياسة بطريقة استغلالية، محذرين من إمكانية أن تخلف الأزمة المتفاقمة انشقاقات.
ويرى منتصر حمادة الباحث في مركز المغرب الأقصى للدراسات والأبحاث في تصريحات لـه أن قيادة الحزب لا تتعامل بشكل إيجابي مع دعوات داخل العدالة والتنمية تقضي بإعادة النظر في المرتكزات والأطروحات التي حكمت الحزب وعلاقته بالمجتمع والدولة ومدى تأثير حركة التوحيد والإصلاح على توجه الحزب ومستقبله السياسي.
وكان بنكيران ألمح في وقت سابق إلى استعداده للتخلي عن الأمانة العامة للحزب، في خطوة شكك الكثيرون في جديتها، معتبرين أن مثل هذه التلميحات للأمين العام للبيجيدي لا تعدوا كونها ورقة ضغط.
وقال بنكيران إنه يشعر في بعض الأحيان بأن “الدوافع إلى الاستمرار والصمود تضعف وتقِل وتحدثنا أنفسنا أن نتخلّى”، مضيفا “أمر الاستمرار في المهام والمسؤوليات التي شاءت أقدار الله أن نتحملها كان دوما يؤرقني، لاسيما بعد حضور مؤتمرات هيئات أخرى وسماعهم يتحدثون عنا”. وتساءل بنكيران “كيف سنتمكن من الصمود والاستمرار خصوصا أننا نعِي يوما بعد يوم أن الأمور أصعب مما كنا نتصور أو نتخيل؟”.
وأضاف أن وعيه يزداد يوما بعد يوم بصعوبة المهمة وأن “هناك متدخلين كثرا ويملكون ما لا نملك ولا نطيقه ولولا لطف الله لا أدري ماذا سيكون وضعنا ووضع أمتنا.. ولكن لا فكاك فالنصر من عند الله وأنا أؤمن أن الله ينصر من ينصره”.
وأشار بنكيران إلى أنه ليس من المتشبثين بالمناصب ولا الصراع، قائلا “أقول لكم بكل صراحة، أنا امرؤ ضعيف ولستُ إنسانا جَلدا وكندّابز (أصارع) على المواقع (..) منين كيكون زحام كنرجع اللّورْ (كل ما يكون هناك زحام أعود إلى الوراء)”.
وترى شريفة لموير الباحثة في العلوم السياسية بجامعة الرباط أن بنكيران غير جاد في تخليه عن الأمانة العامة للحزب لأنه سبق وأكد على هذا الأمر وتراجع عن ذلك لاحقا، معتبرة أنها محاولة من قبله لتوجيه أنظار قواعد حزبه عن الهزائم المتتالية التي مني بها في الانتخابات التشريعية وأيضا الجزئية في بعض المدن لهذه السنة.
ولفتت لموير في تصريحات لـه إلى أن خطاب بنكيران اليوم واتهاماته التي يوزعها على كافة السياسيين حتى داخل تنظيمه السياسي، لن يجني منها أي شيء، مشيرة إلى أن عددا من قياديي حزبه لا يخفون امتعاضهم من تجاهلهم وعدم إعلامهم بالتحاق جامع المعتصم الذراع اليمنى لبنكيران بمهمة لدى رئيس حكومة عزيز أخنوش الخصم الأول للحزب.
وأثار التحاق النائب الأول في الأمانة العامة للحزب بحكومة أخنوش جدلا كبيرا داخل الحزب، ورغم تبريرات بنكيران والمعتصم إلا أن شقا كبيرا داخل الحزب طالب بضرورة التراجع عن هذه الخطوة ملوّحا بالتصعيد.