موقعة «الأسود» التي أربكت التلفزيون الجزائري… و«مونديال» قطر معركة قيم أيضا!
الطاهر الطويل - ق ع
نلتمس الأعذار للقائمين على التلفزيون الجزائري الرسمي، فهم من فرط «حبهم» الشديد للمنتخب المغربي لكرة القدم «نسوا» أن يُدرِجوه ضمن الإعلان عن نتائج مباريات الأحد المنصرم.
ذكروا في نشراتهم الإخبارية كل البلدان الفائزة والخاسرة في «مونديال» قطر خلال ذلك اليوم، ولكن المغرب سقط سهوًا من حساباتهم. سبحان الله!
إنها «فرحة» النصر الساحق الذي حققه «أسود الأطلس» على «الشياطين الحمر»، والذي نسيه التلفزيون الجزائري، ولسان حاله يردد العبارة القرآنية الكريمة «وما أَنسانِيهُ إلاّ الشيطان أن أذكره».
وقع للقائمين على المؤسسة الإعلامية الجزائرية الرسمية ما يقع عادةً لكثير من الأسر خلال الأفراح والمناسبات السعيدة، تُوجِّه دعوات الحضور للبعيدين، وتنسى الجيران القريبين من شدة الارتباك.
وإذا كنّا نفترض حسن النية ـ إلى أن يثبت العكس ـ في هذه السابقة الغريبة التي لم نجد لها مثيلاً في أي قناة محلية أو عالمية، حتى ولو كانت في جزيرة «الواق واق»، فإن النية السليمة فعلاً هي ما أثبته العديد من المواطنين الجزائريين الذين لم يترددوا في التعبير عن فرحتهم العارمة بانتصار المنتخب المغربي، من خلال الفيديوهات والصور والتدوينات في وسائط التواصل الاجتماعي.
لقد أثبتوا بالفعل أن «خاوة خاوة» ليس مجرد شعار، بل حقيقة ملموسة تجسدها المشاعر الصادقة.
التطبيع صفقة خاسرة!
علاوة على هذه المفارقة بين التلفزيون الرسمي وعفوية الشعب، أبان «مونديال» قطر عن مفارقات صارخة على مستوى القيم، فبَدَا كما لو أن الأمر يتعلق بمعارك شرسة بين تيارات متعارضة.
أولى تلك المعارك، هي تلك مُنيت فيها «إسرائيل» بهزيمة معنوية نكراء، من خلال إعلامييها الذين تأكدوا بالملموس أنهم غير مُرحَّب بهم، حيث واجههم مشجعون بالقول: «هذه بلادنا وأرضنا… ليس هناك إسرائيل، هناك فقط فلسطين».
ونقلت صحف عبرية عن مُراسلي الإعلام الإسرائيلي قولهم: «لقد أدركنا كم يكرهوننا». وكتب أحدهم على تويتر: «في قطر أدركنا كم هو حجم الكراهية لإسرائيل في العالم العربي، المونديال حدث ضخم، لكن حجم العداء أوصل مراسلينا لاستنتاج: كراهية إسرائيل ليست فقط في الحكومات أو بين الحكام، وإنما في الشارع وبين الكثير من الناس أيضا».
الدرس الأول المستفاد من «مونديال» قطر: التطبيع الإسرائيلي مع العرب صفقة خاسرة، وكان الحضور القوي للعلم الفلسطيني في الملاعب وخارجها (رغم أن فلسطين لا تشارك في هذا الحدث الرياضي الكبير) دعما قويا لقضية العرب الأولى ومساندة لافتة لنضالات الفلسطينيين. كما مثلت الأغنية التي رددها مشجعون مغاربة عن فلسطين، وهم على مدرجات الملعب، وعيا قوميا ناضجا وترسيخا وجدانيا للحق الفلسطيني الثابت.
صدام القيم!
المعركة الثانية معركة أخلاقية بالأساس، فبينما حرص البلد المضيف على إبراز القيم العربية والإسلامية الأصيلة، كانت القضية الوحيدة لبعض البلدان الغربية هي الدفاع عن العلاقات الجنسية المِثلية؛ تجلّى ذلك في تصرّف صادر عن مسؤولة أوربية حضرت إحدى مقابلات فريقها القومي، وتحايلت على القوانين الصارمة في الملعب، إذ خلعت معطفها وأظهرت على ذراعها رمزًا يجسد دعم «المِثليين»؛ فما كان من مشجعين عرب سوى أن ردّوا عليها بوضع شارات للكوفية الفلسطينية على أذرعهم!
في السياق ذاته، تناقلت وسائل الإعلام العالمية المشهد الذي أداه لاعبون أوربيون، حيث وضعوا أيديهم على أفواههم عند التقاط الصور قبل انطلاق مباراتهم الأولى في كأس العالم، مجسدين بذلك اعتراضهم على قرار الاتحاد الدولي لكرة القدم منع ارتداء شارة «حب واحد» الداعمة لـ»قوم لوط» المعاصرين.
كأنّ حقوق الإنسان باتت مختزلة في دعم المثليين فقط، وكأنّ الدنيا اندثرت منها المظاهر التي تستحق أولوية الاهتمام الحقوقي من فقر ومرض واضطهاد للمرأة وللأطفال وهلم جرا!
غير ذلك، أعاد العالم في ملاعب قطر وشوارعها وأسواقها وفنادقها اكتشاف مجموعة من القيم العربية والإسلامية الأصيلة؛ مشاهد لمسها عن كثب في كرم الضيافة واللباس التقليدي الأصيل، في الدفء الإنساني المختلف عن النزعات الفردانية الغربية، في قبلة تضعها أم مغربية على خد ابنها اللاعب احتفالا بالانتصار، في لاعبي المنتخب المغربي وهم يسجدون لله شكرا بعد فوزهم الساحق على أحد أكبر المنتخبات العالمية.
ومن ثم، يمكن القول إنّ دولة قطر فخرٌ لنا جميعا، فقد كسبت الرهان، وأسدت للأمة العربية خدمة عظيمة وغير مسبوقة.
«استهلك بلا ما تهلك»!
أطلقت وزارة الطاقة المغربية مبادرة تهدف إلى تشجيع المواطنين على الاقتصاد في استعمال الكهرباء بالمنازل؛ واستعانت بالإعلامي إدريس العراقي صاحب البرنامج الشهير «استهلك بلا ما تهلك» (استهلك دون أن تُهلك ماديا)، ليقدم فقرة توعية عبر التلفزيون بطريقة تحفيز وإغراء، مؤداها: «إذ قُمتَ بتخفيض استهلاكك من الكهرباء خلال شهري نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول من هذه السنة، مقارنة مع السنة الماضية، فسوف تربح مكافأة»!
هل تعتقد الوزارة المعنية في المغرب أنها بهذه الحملة الإعلامية المُغرية سوف تقنع الناس بإطفاء مصابيحهم وأجهزتهم الإلكترونية، من أجل الظفر بالمكافأة غير المعلن عن طبيعتها التي قد يسيل لها اللعاب وتشرئبّ لها الرّقاب؟
الأمر مستبعد جدا، أولاً لأن شهريْ نوفمبر وديسمبر يكون فيهما الليل طويلا، مقارنة مع فترة الصيف مثلاً، وبالتالي يلجأ الناس إلى إضاءة بيوتهم مبكرا. كما أنها فترة تعرف مكوثا أطول أمام التلفاز، وكذا استعمالا مكثفا للهواتف والحوامل الإلكترونية.
وثانيًّا، لأن هذه الفترة تشهد انخفاضًا كبيرًا في الحرارة، وبرودة في الطقس، ومن ثم يضطر الكثيرون إلى استعمال أجهزة التدفئة الكهربائية في المنازل.
في الواقع، نرى أنه عوض لجوء وزارة الطاقة إلى هذا الأسلوب الذي تعتمده شركات عديدة من أجل تشجيع المستهلكين على الإقبال على منتجاتها («اشتر… واربح جائزة»، «اشرب… وفُـزْ بمكافأة»)، كان الأحرى بها أن تُهدي جميع المواطنين المغاربة البسطاء مكافأة حقيقية، تتمثل في التخفيض من أثمان فواتير الماء والكهرباء التي تزيد من أعباء مصاريفهم.
علاوة على ذلك، وما دام الموضوع يتعلق بإجراء نوع من المقارنة بين استهلاك الكهرباء في نوفمبر وديسمبر من العام الحالي واستهلاكه في الشهرين نفسيهما من العام المنصرم، فإن الموضوع يحفّز المواطن المغربي على القيام بمقارنة أثمان المواد الاستهلاكية بين عامي 2021 و2022، ليُخلِص إلى نتيجة صادمة، أثّرتْ على مصروف الجيب، وحمّلت المواطن المسكين ما لا قدرة له عليه من أعباء مالية.
لذلك، نتساءل: هل يدري صاحب برنامج «استهلك بلا ما تهلك»، وقد وضع اسمه ووجهه وشهرته رهن دعاية ترويجية مؤدى عنها لحملة وزارة الطاقة، أن الحكومة المغربية «هلكت» المواطن المسكين، فلم يعد يجد ما «يستهلكه»، نظرا للارتفاع الصاروخي لكل السلع الضرورية؟! كان الأوْلى به أن يوجّه كلامه إلى الحكومة، لكي تكون أكثر رأفة بالمواطنين.
وعلى غرار حملة الاقتصاد في الطاقة، ماذا لو نظّم الإعلامي إدريس العراقي ذاته حملة لحثّ حكومة عزيز أخنوش على جعل أثمان المواد الاستهلاكية هذه السنة أقل من أثمان السنة الماضية؟ حينها لن تجد من الناس البسطاء غير «مكافأة» الدعاء لها بطول العمر والمزيد من التحكم في خيرات البلاد ورقاب العباد!