بودن في الجزائر: الدعم الآن وليس غدا
أثارت زيارة رئيسة الحكومة التونسية نجلاء بودن إلى الجزائر، بعد مرور يوم على زيارة قام بها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة إلى تونس، تساؤلات حول مغزاها، وما إذا كانت زيارة الوزير الجزائري لم تؤد الغرض ما دفع الرئيس التونسي قيس سعيد إلى إرسال رئيسة الحكومة في وقت تقول فيه أوساط سياسية تونسية إن الرئيس سعيد يريد موقفا جزائريا واضحا بشأن الدعم، وإن هناك انزعاجا في تونس من التأخر في الإيفاء بالتعهدات الجزائرية.
وقالت الأوساط السياسية التونسية إن قيس سعيد يعيش ضغوطا داخلية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية، ويريد أن يعرف هل أن الجزائر قادرة فعلا على تقديم الدعم المالي والاستثماري الذي يحتاجه أم لا، وإن إرساله رئيسة الحكومة اختبار أخير لهذه التعهدات.
وأضافت هذه الأوساط أن ذهاب بودن إلى الجزائر هدفه إعلام الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بما تحتاجه تونس بشكل واضح، والتأكيد على نوعية العلاقة التي تريدها تونس، علاقة اقتصادية ومالية، وهي لا تبحث عن الانتماء إلى أي تحالفات إقليمية أو ثنائية ضد هذا الطرف أو ذاك.
وإلى حد الآن نجحت الجزائر في توظيف التقارب مع الرئيس سعيد للإيحاء بأنه يقف إلى جانبها في بعض الملفات الإقليمية مثل ملف الصحراء المغربية، وقاد هذا الالتباس إلى توتير العلاقة بين تونس والمغرب.
وأشارت الأوساط السابقة إلى أن الملفات العاجلة التي حملتها رئيسة الحكومة التونسية في هذه الزيارة لن تترك للطرف الجزائري هامشا للمناورة والتسويف، خاصة أن بودن تمتلك قرار الموافقة الحينية على المشاريع، على عكس ذهاب وزير الخارجية الذي سيحتاج قبل الموافقة على أي قرار أو مقترح أن يعود إلى تونس للتشاور، وهو ما يسمح للجزائريين بتكرار التعهدات دون أن يتم اختبار نواياهم.
ومن المرجح أن تحسم زيارة بودن الأمور في تونس ويعرف الرئيس سعيد نوايا الجزائر وحدود الدعم الذي يمكن أن تقدمه له في هذه الظروف الصعبة التي تعيشها البلاد، وفي ظل موجة غلاء الأسعار ومحدودية إمكانيات تونس في توفير المواد الأساسية بالعملة الصعبة، وزيادة الأعباء المالية للمحروقات على الميزانية وعلى كاهل التونسيين، ما قد يقود إلى اضطرابات واحتجاجات.
والاثنين بحث رئيس الوزراء الجزائري أيمن بن عبدالرحمن مع نظيرته التونسية تعزيز التعاون الثنائي بين البلدين. جاء ذلك خلال زيارة عمل ليوم واحد تقوم بها بودن إلى الجزائر، وفق بيان لرئاسة الوزراء الجزائرية.
وبحسب البيان “استعرض الجانبان سبل تعزيز التعاون الثنائي على ضوء توجيهات الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، ونظيره التونسي قيس سعيد، الرامية إلى تحقيق المزيد من التكامل الإستراتيجي والتنمية المتضامنة والمندمجة”.
ولفت البيان إلى أن الجانبين جدّدا “عزمهما على تنشيط آليات التعاون الثنائي ومتابعة مختلف المشاريع المشتركة وتعزيز المبادلات الاقتصادية”، لاسيما خلال الاستحقاقات الثنائية المقبلة، وعلى رأسها اللجنة المشتركة الكبرى الجزائرية – التونسية.
◘ الجزائر لا تحتاج إلى تونس، ولا يحتاج تبون إلى رد الجميل لقيس سعيد، الذي سبق أن ذهب إلى الجزائر في زيارة رسمية، ثم أتى إليها للمشاركة في القمة العربية
ويقول مراقبون تونسيون إن البيانات المشتركة السابقة تضمنت المفردات نفسها، لكنْ لم ير التونسيون شيئا من دعم الجزائر التي تعيش وضعا ماليا مريحا بعد ارتفاع أسعار الغاز، ونجاحها في عقد اتفاقيات جديدة مستفيدة من التوترات بين روسيا وأوروبا ومساعي تعويض الغاز الروسي ببدائل من بينها غاز الجزائر.
وتساءل ناجي جلول، الناشط السياسي ووزير التربية التونسي الأسبق، “متى دعمتنا الجزائر بالرغم من أنها بلد مجاور وشقيق ولنا معه علاقات إستراتيجية ومصلحية”.
لكن المحلل السياسي نبيل الرابحي قلل من أهمية الحديث عن برود في علاقة تونس بالجزائر، وقال في تصريح لـ”العرب” إن “هناك تنسيقا ثنائيا بين البلدين منذ مدة، خصوصا بعد إجراءات الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021، وهذا يعكس تقاربا نوعيا في مستوى الدبلوماسية الخارجية”.
وتأتي زيارة بودن إلى الجزائر وقبلها زيارة لعمامرة إلى تونس بالتزامن مع الوضع الملتبس الذي تشهده العلاقة بين البلدين، خاصة بعد غياب تبون عن قمة الفرنكوفونية التي احتضنتها مدينة جربة، رغم أهمية هذه القمة بالنسبة إلى قيس سعيد. وكان تبون فضّل الذهاب إلى افتتاح مونديال قطر، وهو مناسبة غير رسمية فيما القمة الفرنكوفونية مناسبة رسمية.
وبدا ذهاب تبون إلى افتتاح المونديال نوعا من المكافأة لأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الذي حضر القمة العربية في الجزائر بعد أن غاب عنها أبرز قادة الخليج الآخرين.
في المقابل لا تحتاج الجزائر إلى تونس، ولا يحتاج تبون إلى رد الجميل لقيس سعيد، الذي سبق أن ذهب إلى الجزائر في زيارة رسمية، ثم أتى إليها للمشاركة في القمة العربية. كما عرّض علاقات بلاده مع المغرب إلى توتر باستقباله زعيم بوليساريو إبراهيم غالي خلال القمة الأفريقية – اليابانية التي احتضنتها تونس.
ولم تحصل تونس، التي صارت تقترب أكثر فأكثر إلى الجزائر، على ما تريده من دعم، خاصة أن التعهدات الجزائرية كبيرة وواسعة، لكنها مازالت معلقة بالرغم من الإعلان عنها مرارا في تصريحات أدلى بها المسؤولون التونسيون.
وفي نوفمبر الماضي قال المتحدث باسم الحكومة التونسية نصرالدين النصيبي إن الجزائر التي تعتمد عليها تونس في الحصول على الغاز والكهرباء لن تدخل لعبة الأسعار والتوريدات مع بلاده، وإن تونس لا تشعر بأيّ قلق في ما يتعلق بالحصول على ما تحتاجه من جارتها الغربية.
وقال النصيبي إن تونس ستكون لها أولوية الحصول على الغاز من جارتها الجزائر هذا الشتاء.
وأضاف “تونس لديها أولوية التزود من قبل الجارة الجزائر، كما أن المسألة ليست مرتبطة بالأسعار، وليس لدينا أيّ إشكال في التزود بالغاز”.
وقد وردت تصريحات النصيبي المتفائلة بعد تصريحات من الرئيس الجزائري أكد فيها الوقوف إلى جانب تونس والحرص على مواصلة مساندتها ودعمها. جاء ذلك خلال لقائه الرئيس التونسي على هامش القمة العربية.
وقال تبّون خلال هذا اللقاء إن “الجزائر حريصة على مواصلة مساندة تونس والوقوف إلى جانبها ودعم مواقفها”.
وأضاف أن الجزائر “متمسكة بالشراكة الإستراتيجية القائمة بين البلدين، لاسيما في ظلّ التحديات الاقتصادية والاجتماعية الراهنة والتحولات العالمية المتسارعة”.