حملت رسالة العاهل المغربي الملك محمد السادس بمناسبة احتضان الرباط لأشغال اللجنة الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لليونسكو، دلالات عميقة على حرص مغربي على الحفاظ على التراث لكونه إرثا بشريا غنيا بروافده الثقافية المتعددة.
وجه العاهل المغربي الملك محمد السادس رسالة إلى المشاركين في أشغال اللجنة الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي التابعة لليونسكو، حاثا من خلالها على ضرورة التصدي لمحاولات الترامي غير المشروع على الموروث الثقافي والحضاري للدول الأخرى.
وانطلقت الاثنين فعاليات الدورة السابعة عشرة للجنة الدولية في العاصمة المغربية الرباط. وتأتي الدورة الحالية التي تمتد أشغالها إلى الثالث من ديسمبر المقبل، ويشارك بها وزراء وفاعلون من المجتمع المدني من 180 دولة، ومسؤولون بمنظمة اليونسكو، بعد توقف لعامين بسبب جائحة كورونا.
وحسب اليونسكو، فإن اختيار المغرب لاستضافة هذه التظاهرة لم يكن اعتباطيا أو من قبيل الصدفة، فالمملكة “لعبت دورا فاعلا في اعتماد اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي لعام 2003، حتى قبل المصادقة عليها، حيث شاركت بفعالية في صياغة الاتفاقية قبل اعتمادها”.
12 عنصرا مغربيا مدرجا في قوائم اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي
ولفتت المنظمة الأممية إلى أن المغرب يضم اثني عشر عنصرا مدرجا في قوائم اتفاقية 2003، مبرزة أن من بين هذه العناصر الاثني عشر، يوجد المغرب ضمن ثلاثة ملفات متعددة الجنسيات تضم عددا مهما من البلدان في المنطقة.
ودعا الملك محمد السادس، في الرسالة التي تلاها الأمين العام للحكومة محمد الحجوي، إلى أهمية تعزيز التعاون الدولي متعدد الأطراف، في مجال حماية التراث الثقافي غير المادي.
وحث العاهل المغربي في رسالته على ضرورة “البحث عن أنجع السبل لتربية الناشئة على أهمية تراثنا والاهتمام به، كإرث بشري غني بروافده الثقافية المتعددة، وروابطه التاريخية الضاربة في عمق التاريخ”.
وشدد الملك على ضرورة رقمنة الموروث الثقافي الغني، ومكونات التراث غير المادي، تماشيا مع تطور العصر، وما يعرفه العالم من تحديات رقمية وتكنولوجية.
وقال في هذا الصدد “لضمان اهتمام أطفالنا بما خلفه أسلافنا من تراث ثقافي، تتعين مواكبة التحولات الرقمية، والانخراط في تقديم محتويات رقمية قيّمة، تعرّف بالتراث الثقافي، بموازاة مع الحامل الورقي وغيره، فلكل منها أهميته في هذا المجال”.
وأكد أن هذه الدورة تشكل فرصة سانحة أمام وفود الدول المشاركة، والخبراء والمهتمين بالتراث الثقافي، لبلورة رؤية علمية موضوعية، والخروج بتوصيات وجيهة وفعالة، تتوخى الحفاظ على التراث الثقافي غير المادي وصيانته، وتقديم خلاصات تساعد على تطويره والنهوض به.
ويعود اختيار مدينة الرباط لاحتضان أشغال اللجنة الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي، إلى الإشعاع الثقافي الكبير لهذه المدينة المغربية العريقة، التي تعتبر قطبا ثقافيا عالميا.
وكان تم اختيار الرباط عاصمة للثقافة الأفريقية لسنة 2022، وللثقافة في العالم الإسلامي لنفس السنة، وقال العاهل المغربي إن موقع المدينة الجغرافي المتميز، جعل منها محورا تعاقبت عليه حضارات مختلفة، فينيقية ورومانية وإسلامية وأندلسية وأوربية، مما أهّلها لتصنّف تراثا عالميا من قبل اليونسكو سنة 2012.
وتنعقد الدورة بعد مرور تسع عشرة سنة على اتفاقية التراث العالمي غير المادي، التي تحقق بفضلها تقدم كبير في العديد من المجالات المرتبطة بالتراث الثقافي غير المادي، وباتت الدول الموقعة على الاتفاقية تتناول قضايا التراث الثقافي غير المادي من مفهوم واحد، أساسه المحافظة عليه وتطويره وتثمينه.
وأكد الملك محمد السادس أن منذ دخول اتفاقية التراث العالمي غير المادي حيز التنفيذ، “أصبح هذا الهدف يشكل تحديا هاما في مجال العلاقات الدولية، يستوجب التصدي لمحاولات الترامي غير المشروع على الموروث الثقافي والحضاري للدول الأخرى”.
وشدد العاهل المغربي على أن في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها العالم اليوم، بات من الضروري العمل على إبراز إشعاع التراث غير المادي الذي تتوفر عليه الدول، والخروج بتدابير للحفاظ عليه، من خلال النهوض بأهداف الاتفاقية، “وهو ما يحرص المغرب على الالتزام به، منذ المصادقة على هذه الاتفاقية في يوليو 2006، حيث يتوفر، إلى حدود اليوم، على أحد عشر عنصرا مسجلا بقائمة التراث غير المادي العالمي لليونسكو، آخره فن ‘التبوريدة’، الذي تم تسجيله خلال السنة الماضية”.
وأبرز الملك أن المملكة ملتزمة بالنهوض بالتراث الثقافي غير المادي، وهي تقوم بدور هام في حمايته، سواء عبر تعزيز ترسانتها القانونية في هذا المجال، والمشاركة الفعالة في تنزيل مضامين اتفاقية 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي، التي ساهمت في صياغتها، أو من خلال العمل على إعداد قوائم جرد للتراث، وجعلها إرثا إنسانيا حيا، انسجاما مع روح هذه الاتفاقية.
ووقّع المغرب على جميع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من طرف منظمة اليونسكو في مجال التراث، وقام بملاءمة تشريعاته الوطنية مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة. كما شاركت المملكة في مختلف البرامج المرتبطة بالمحافظة على التراث، وساهمت في صندوق التراث الثقافي غير المادي.
وأعلن الملك في هذا الصدد عن إحداث مركز وطني للتراث الثقافي غير المادي، مهمته تثمين المكتسبات المحققة في هذا المجال، وذلك في سياق العناية الخاصة التي ما فتئ يوليها الملك للتراث الثقافي، وتفعيلا لمضامين الاتفاقية.
وسيقوم المركز بمواصلة عمليات الجرد المنهجي للتراث الوطني في مختلف مناطق المملكة، وإنجاز قاعدة بيانات وطنية خاصة بذلك، وتنظيم تكوينات علمية وأكاديمية لتقوية قدرات الممارسين لتنفيذ تدابير الصون، وتربية الناشئة والتعريف بأهمية التراث الثقافي، بالإضافة إلى تتبع نجاعة الآليات المعتمدة للحفاظ على العناصر المغربية المدرجة على قوائم التراث العالمي، وكذلك إعداد ملفات الترشيحات الخاصة بالمملكة.