برزت المخاوف الأوروبية حيال التقارب الروسي – الجزائري إلى العلن مع إقدام عدد من نواب البرلمان الأوروبي على طرح عريضة تطالب بإعادة النظر في الشراكة مع الجزائر على خلفية هذا التقارب المرفوض والذي يضر، وفق وجهة النظر الأوروبية، بجهود محاصرة روسيا ماليا.
توسعت دائرة القلق من التقارب الجزائري – الروسي لتمتد إلى البرلمان الأوروبي الذي أدرج مؤخرا موسكو ضمن الدول الراعية للإرهاب.
وقام عدد من النواب الأوروبيين بخطوة مماثلة لتلك التي أقدم عليها أعضاء من الكونغرس الأميركي برفع عريضة إلى رئيسة الهيئة تطالب بمراجعة اتفاق الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والجزائر المبرم في العام 2005.
ووقع على العريضة نحو عشرين نائبا من البرلمان الأوروبي، وجاءت الخطوة على خلفية التعاون الوثيق بين الجزائر وروسيا واستغلال صفقات السلاح في تمويل خزينة موسكو.
وأعرب النواب الأوروبيون الموقعون على العريضة عن “قلقلهم العميق” من التقارب الجاري بين الجزائر وروسيا في الآونة الأخيرة، مشيرين إلى أن الجزائر باتت تمثل مصدر تمويل للخزينة الروسية بواسطة صفقات التسليح المبرمة تباعا مع الروس.
البرلمان الأوروبي يسير على خطى الكونغرس الأميركي الذي طالب عدد من أعضائه بإدراج الجزائر ضمن لائحة أعداء أميركا
وقال نواب البرلمان الأوروبي إنّ “الجزائر تعد من بين أربعة مشترين رئيسيين للأسلحة الروسية”، متّهمين الجزائر “بتمويل الحكومة الروسية من خلال شراء معدات عسكرية”.
ويبدو أن البرلمان الأوروبي يريد السير على خطى الكونغرس الأميركي الذي أصدر نحو 27 عضوا منه عريضة رفعت إلى الإدارة الأميركية من أجل إدراج الجزائر ضمن لائحة الكيانات المعادية للولايات المتحدة بسبب استمرارها في توفير متنفس للخزينة الروسية بفضل صفقات التسليح.
وأقر الكونغرس في العام 2017 قانون مكافحة أعداء أميركا، ويتيح القانون للرئيس الأميركي فرض عقوبات على من ينخرطون في صفقة مهمة مع شخص يمثل جزءا من أو يعمل لصالح أو نيابة عن قطاعي الدفاع والاستخبارات الروسيين.
ولا يزال موقف الإدارة الأميركية من العريضة المقدمة بحق الجزائر ضبابيا.
ونفى مدير موقع “مينا ديفونس” الجزائري أكرم خريف أن تكون بلاده قد أبرمت صفقة عسكرية مع روسيا بقيمة سبعة مليارات دولار العام 2021، حسب ما استند إليه أعضاء الكونغرس الأميركي، وشدد على أن العريضة بنيت على معلومات مغلوطة سوقتها دوائر معادية للجزائر.
وأكد خريف في هذا الشأن بأن صفقات التسليح بين الجزائر وروسيا عادة ما تحظى بالشفافية، وتكون ممتدة عبر عدة سنوات، لتتراوح القيمة من مليار ونصف إلى ملياري دولار سنويا.
ويشكل إقرار البرلمان الأوروبي مؤخرا بإدراج روسيا في خانة الدول الراعية للإرهاب لممارسة المزيد من الضغط على موسكو بسبب الصراع بين الطرفين في أوكرانيا، وإيجاد آليات لتجفيف منابع التمويل والتحالفات الممكنة، عنصر ضغط إضافي على الجزائر.
ويرى متابعون للشأن الجزائري أن طلب النواب الأوروبيين مراجعة اتفاق الشراكة المبرم مع الجزائر العام 2005 قد يخدم جهود الأخيرة في الدفع باتجاه إعادة النظر في الاتفاق.
ويمثل اتفاق الشراكة الحالي مصدر إزعاج للجزائر التي تسعى بدورها لمراجعته كونه لم يحقق التوازن المطلوب للمصالح المشتركة، فقد وفر للخزينة الأوروبية نحو 30 مليار دولار طيلة السنوات الماضية كنتيجة للتفكيك الجمركي، بينما لم تجن منه الجزائر سوى ثلاثة مليارات دولارات فقط، وذلك بسبب ميلان كفة التبادل بين الطرفين لصالح دول الاتحاد التي تمثل المصدر الأول للسوق الجزائرية في مختلف المجالات الاستهلاكية.
وتقدمت الجزائر مؤخرا بطلب رسمي للانضمام إلى مجموعة “بريكس” التي تضم روسيا والصين والهند والبرازيل، في توجه يبدو الغرض منه تعويض فشلها في إقامة شراكة حقيقية مع الاتحاد الأوروبي بعد مرور عقدين على توقيع الاتفاق. ويشكك المتابعون في إمكانية أن يذهب النواب الموقعون على العريضة بعيدا، حيث أن إفرازات الأزمة الأوكرانية على سوق الغاز جعلت الجزائر في مرتبة الملاذ المتاح لدول الاتحاد الأوروبي لتأمين كميات إضافية لأسواقها من الغاز الجزائري، تحسبا لمتطلبات فصل الشتاء ولفرضيات الاستغناء عن الغاز الروسي، وهو ما يجعل الجزائر في موقع قوة تجاه شركائها.
وينتظر أن يقوم الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بزيارة دولة إلى روسيا قبل نهاية العام الجاري ينتظر من خلالها إبرام اتفاق الشراكة “المعمقة”، والذي يعول عليه الطرفان لتحقيق نقلة نوعية للتعاون بينهما في مختلف المجالات، ولا يستثنى منها التسليح والطاقة والاقتصاد والتكنولوجيا.
ورغم أنه لم يحدد موعد الزيارة إلى حد الآن، لكن السفير الروسي بالجزائر فاليريان شوفايف أكد في تصريح للإذاعة الجزائرية الحكومية أن “التنسيق والتشاور” جاريين بين الطرفين لترتيب زيارة الرئيس تبون إلى موسكو، وتوفير شروط النجاح والارتقاء بالعلاقات بين البلدين إلى سقف عال.
وتسعى الجزائر منذ اندلاع الصراع الغربي – الروسي في أوكرانيا لتحقيق نوع من التوازن في علاقاتها بين الطرفين، حيث تعمل على الاستفادة من الظروف الإقليمية والدولية وعدم إزعاج أي من شركائها سواء كانت روسيا أو أوروبا.
وفيما تواصل التعاون العسكري مع روسيا، لم تتوان في تلبية طلبات العواصم الغربية في ما يتعلق بكميات إضافية من الغاز.
لكن المخاوف تبقى قائمة حول ما بات يعرف بـ”المغامرة” الجزائرية في إدارة التوازنات مع النقيضين القويين في العالم بواسطة صفقات التسليح مع الروس، وضخ المزيد من الغاز للأوروبيين، ولم تثر التحركات في الكونغرس الأميركي وفي الاتحاد الأوروبي خلال الأيام الأخيرة السلطات الجزائرية التي أبدت تجاهلا، وكأنها واثقة من أوراق قوتها.