يتجه الأوروبيون إلى الجزائر بحثا عن تعويض الغاز الروسي، لكنهم لا يشعرون بالثقة الكاملة بها لتكون شريكا موثوقا ودائما، وذلك بسبب اختلاط الاتفاقيات الاقتصادية بالموقف السياسي لدى السلطات الجزائرية، مثل ما جرى في الأشهر الماضية حيث أُوقِفَ خط الغاز مع المغرب نحو إسبانيا، في حين تتمّ الآن عرقلة اتفاقيات مع فرنسا.
ولا يرى الأوروبيون ما يضمن لهم عدم تكرار هذه المواقف في المستقبل إذا وثقوا بالجزائر وراهنوا على غازها كأحد البدائل الثابتة عن الغاز الروسي.
وتفيد تقارير بأن صفقة الغاز الجزائرية – الفرنسية التي يجري التفاوض بشأنها قد واجهت مرة أخرى تحديا صعبا بسبب لجوء الجزائر إلى ربط المفاوضات بالموقف السياسي.
وتتطلّع باريس إلى إنهاء مباحثات صفقة الغاز الجزائري قبل نهاية العام الجاري، وزيادة وارداتها من الغاز الجزائري بنسبة 50 في المئة ضمن خطط أوروبا للابتعاد عن الغاز الروسي. لكن الجزائر أجلت المفاوضات رسميا حتى عام 2023.
◘ الجزائر قد لا تحقق الاستقرار الذي تشتد الحاجة إليه في أسواق الغاز الأوروبية، وقد لا تلتزم بكميّة الإمدادات العادية
وأقرّ مطلعون على المفاوضات بأن أحد الأسباب الرئيسية في تأجيل الصفقة هو الضغط الجزائري الداخلي لإجبار فرنسا على دفع تعويضات بالتوازي مع الاعتذار عن فترة الاستعمار، إضافة إلى الحصول على تنازلات من باريس لتتعاطى مع نظام التأشيرات الممنوحة للجزائريين -دون سواهم من مواطني دول شمال أفريقيا- بشكل أكثر مرونة، وهي تنازلات ترفض فرنسا أن تقدّمها.
ففي أغسطس الماضي وقّع الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون إعلانا مشتركا من أجل “شراكة متجددة” بين البلدين. إلا أن الاحتفال بذكرى اندلاع الثورة الجزائرية تسبب مرة أخرى في توتر سياسي، نتيجة الشعارات التي يستمر تبون في ترديدها وتتنافى مع إشاراته إلى إحداث شراكة.
ويتضاءل نفوذ فرنسا في الجزائر لفائدة تركيا وإيطاليا. لكن تأثير روسيا والصين أكبر بكثير. ولا يريد ماكرون أن تخسر بلاده ما بقي لها من نفوذ، وتستمر في تحمّل الرسائل الجزائرية المستفزة لأن فرنسا تحتاج إلى تمديد اتفاقية الغاز بين البلدين في ظل الظروف الدولية الصعبة، وخاصة الخلاف مع روسيا بشأن إمدادات الغاز إلى أوروبا.
ولا تزال شركة الطاقة الفرنسية إنجي تواصل محادثاتها مع شركة سوناطراك المملوكة للدولة الجزائرية بخصوص كميات الغاز الطبيعي المسال الإضافية وخطوط الأنابيب، كما ورد في يونيو 2022. ويبدو أن المفاوضات تصطدم بعقبات مستمرة، حيث توجد خلافات حول رفض الجانب الجزائري تمديد مدة العقد (2024) مع استمرار الفروق في الأسعار.
وتنتظر دول أوروبية أخرى الحصول على إمدادات جزائرية إضافية. وفي 18 نوفمبر الجاري صرحت شركة إيني الإيطالية العملاقة للنفط والغاز بأنها تتوقع مضاعفة تدفقات الغاز من الجزائر بحلول عام 2024. وذكرت رئيسة مجمع إيني لوسيا كالفوسا أن “بديل الغاز الروسي سيأتي أساسا من الجزائر، التي ستتضاعف إمداداتها إلى إيني من حوالي تسعة مليارات متر مكعب سنويا إلى حوالي 18 مليار متر مكعب بحلول 2024. ومن هذه المليارات التسعة الإضافية وصل جزء بالفعل وسيصل الآخر بشكل تدريجي خلال 2023”.
وعلى الرغم من أن شركة الطاقة الإسبانية إيناغاز قالت إن الجزائر توفر في الوقت الحالي 21.2 في المئة من الغاز عبر خط أنابيب ميد غاز، وهو ما يمثل 20 في المئة من إجمالي الاستهلاك الإسباني، إلا أنها لم تتلق أي كميات إضافية حقيقية.
◘ أحد الأسباب الرئيسية في تأجيل الصفقة هو الضغط الجزائري الداخلي لإجبار فرنسا على دفع تعويضات بالتوازي مع الاعتذار عن فترة الاستعمار
ومنذ نهاية 2021 دخلت إسبانيا والجزائر في صراع سياسي بسبب إعلان مدريد دعمها لمقاربة المغرب في حل أزمة الصحراء القائمة على الحكم الذاتي الموسع.
وتقول سيريل ويديرشوفن، الكاتبة في موقع أويل برايس الأميركي المتخصص في شؤون الطاقة، “إن تفاؤل بعض الدول الأوروبية بشأن تأمين إمدادات الغاز مبني على توقعات لم تتحقق بعد”، مشيرة إلى أن “الجزائر قد لا تحقق الاستقرار الذي تشتد الحاجة إليه في أسواق الغاز في الاتحاد الأوروبي، وقد لا تلتزم حتى بكمية الإمدادات العادية”.
وأضافت ويديرشوفن أنه خلال الشهرين الماضيين أصبح من الواضح أن الوعود الجزائرية والعقود الجديدة ليست أساسا قويا لتأمين التوريد. وفي الأشهر التسعة الأولى من 2022 تراجعت الصادرات الجزائرية بنسبة 12 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى مستوى 36.2 مليار متر مكعب فقط.
ويأتي ذلك في ظل قلق متزايد بشأن الأشهر المقبلة، حيث لا يزال نفوذ موسكو في الدولة الواقعة في شمال أفريقيا يتزايد.
وأجرت روسيا والجزائر الأسبوع الماضي مناورات عسكرية مشتركة في البحر المتوسط، وموسكو هي أيضا أكبر مصدّر للأسلحة إلى الجزائر.