بوليساريو تستعد لاختيار قيادة جديدة في خضم متغيرات لا تخدم مشروعها

ماموني

تحاول جبهة بوليساريو توظيف مؤتمرها العام، الذي لم يعد يفصل عنه سوى أسابيع قليلة، للتسويق لحفاظها على قدر من التماسك في ظل الإخفاقات الميدانية والدبلوماسية التي منيت بها طيلة الفترة الماضية، وفي ظل تراجع لافت في تأييد مشروعها الانفصالي على المستوى الدولي.

تستعد جبهة بوليساريو لعقد مؤتمرها السادس عشر في الفترة الممتدة بين الثالث عشر والسابع عشر من يناير المقبل لاختيار قيادتها، في ظل ظروف ومتغيرات ميدانية وسياسية ودبلوماسية محيطة بملف الصحراء المغربية.

ويأتي المؤتمر في ظل فشل الرهان على ما تطلق عليه الجماعة الانفصالية بـ”الكفاح المسلح” ميدانيا، بعدما بات الجيش المغربي يراقب المنطقة بواسطة الأقمار الاصطناعية والمسيرات التي تحدد مكان الميليشيات، وتأمينه لمعبر الكركرات وجعل المنطقة العازلة خلف الجدار الأمني مكانا مُحرّما على أي تحرك من طرف عناصر الجبهة الانفصالية منذ نوفمبر 2020.

وقال القيادي بجبهة بوليساريو محمد لغظف عوة مقرر ما يسمى لجنة “الخارجية والإعلام والتشريفات” باللجنة التحضيرية للمؤتمر، إن المؤتمر القادم “سيعقد في ظل ظروف استثنائية، أبرزها استئناف الكفاح المسلح، وأخرى دولية متغيرة لها انعكاسات على المستويين الإقليمي والجهوي، ومنه على القضية الصحراوية بشكل عام”.

وخلص عوة إلى أن “التحدي الأكبر هو أن تترجم مخرجات المؤتمر ميدانيا إلى شعار تصعيد القتال لطرد الاحتلال واستكمال السيادة، وأن تخلق المناخ والظروف لهذه المهمة التي ستكون مسؤولية القيادة السياسية التي سيتم انتخابها”، وفق تعبيره.

 

محمد الطيار: خيار الحرب الذي تلوّح به بوليساريو ليس إلا إملاء من الجزائر
محمد الطيار: خيار الحرب الذي تلوّح به بوليساريو ليس إلا إملاء من الجزائر

 

وأكد محمد الطيار الباحث في الدراسات الإستراتيجية والأمنية أن بوليساريو تستعد لعقد مؤتمرها في سياق خاص يتسم بانسداد الأفق أمامها على جميع المستويات، فقد دأبت في ما سبق على تنظيم مؤتمراتها في المناطق العازلة شرق الجدار الأمني المغربي التي كانت تطلق عليها اسم “الأراضي المحررة”.

ووفق الطيار، فقد أصبحت هذه المناطق منذ إعلان بوليساريو التنصل من اتفاق وقف إطلاق النار أراضي محرّمة عليها، حيث أن طيران القوات المسلحة الملكية المغربية أحكم سيطرته عليها بشكل كامل، لذلك سيعقد المؤتمر القادم بتندوف كالمؤتمر الذي سبقه، حيث لم تجد بوليساريو خيارا آخر غير الانزواء في المخيمات خشية من الطائرات المسيرة المغربية.

وشدد الطيار في تصريحاتت له على أن سياق عقد المؤتمر المقبل يأتي وقد تعرضت قيادة بوليساريو للكثير من الإخفاقات السياسية، خاصة بعد فشلها في عملية إغلاق معبر الكركرات وما حصل بعدها من تطورات حاسمة صبت كلها في مصلحة المغرب، مشيرا إلى تقلص كتلة المؤيدين لخيار الانفصال بالأقاليم الجنوبية، حيث أصبح هؤلاء قلة قليلة وليس لهم أي تأثير يذكر، وليست لهم أي قدرة على ترجمة أهداف بوليساريو والجزائر بحكم تمسك كل سكان الصحراء المغربية بالوحدة الوطنية.

وفي إطار المتغيرات الإيجابية التي يعرفها ملف الصحراء المغربية دوليا وعلى المستوى الأممي، جدّد العاهل المغربي الملك محمد السادس للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في لقاء رسمي الأربعاء، التأكيد على الموقف الثابت للمغرب لتسوية هذا النزاع الإقليمي على أساس مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة والوحدة الترابية للمملكة.

وعلى ضوء قرارات مجلس الأمن، ومنها القرار الأخير عدد 2654 الذي تمت المصادقة عليه في السابع والعشرين أكتوبر الماضي، أكد العاهل المغربي على دعم المملكة لجهود الأمين العام ومبعوثه الشخصي ستيفان دي ميستورا من أجل قيادة المسار السياسي، وكذلك لبعثة المينورسو لمراقبة وقف إطلاق النار.

وفشلت بوليساريو دبلوماسيا في تسويق أطروحتها وجلب تعاطف دولي، ما جعل كوادرها ودبلوماسييها يتصارعون في ما بينهم على الظهور بشكل منفرد، ويتبرأون من فشل متتال لما تسمى بـ”وزارة خارجية بوليساريو” الأكثر تمويلا.

وبلغ الخلاف بين الأجنحة المتطاحنة مستوى عدم التنسيق في المواقف التي تسوق لها الجبهة الانفصالية دوليا، وفاقمته الانهزامات المتتالية دبلوماسيا وعلى الأرض خاصة بعدما قامت القوات المسلحة المغربية بطرد جميع عناصرها من معبر الكركرات الحدودي مع موريتانيا.

المؤتمر سيعقد بتندوف، حيث لم تجد بوليساريو خيارا آخر غير الانزواء في المخيمات خشية من المسيرات المغربية

ولا تزال قيادة بوليساريو تنكر الواقع، حيث تحدثت النانة لبات الرشيد بوصفها مستشارة إبراهيم غالي زعيم بوليساريو عن أن ما يميز المؤتمر المقبل أنه يأتي بعد استئناف الكفاح المسلح في تاريخ “قطعت فيه جبهة بوليساريو مع مخطط سلام متعثر وأعرج، بسبب تخاذل المنتظم الدولي عن تنفيذ توصياته وقراراته بشأن تصفية الاستعمار من الصحراء”، مضيفة “إننا نحتاج إلى التكيف مع طوارئ الحرب ومتطلباتها، وهذا الموعد هو الذي سيحدد منهج وخطط هذا التكيف”.

وعلق الطيار بأن خيار الحرب الذي تلوح به بوليساريو ليس إلا إملاء من الجزائر لإطالة أمد النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، وأن إعلان الجماعة بشكل رسمي عن رفضها لمخرجات القرار الأممي 2654 يدخل في نفس الاختيار وهو رفض السلام والاحتفاظ بالمحتجزين كورقة في صراعها مع المغرب.

وكشف منتدى “فورساتين” أنّ جبهة بوليساريو تعيش صراعا داخليا يعكس تيها واضحا، وانعدام رؤية وأفق مستقبلي، وغياب مبادئ صارمة يحتكم لها الجميع، ولهذا تحاول التغطية على ملف مرض زعيمها إلى جانب الصراعات القائمة، ما خلق نقاشا حول خليفته في زعامة الجبهة الانفصالية، وكشف عن صراع متجذر داخل القيادة بين مختلف الأجنحة المشكّلة للجبهة في دواليب بوليساريو.

واعتبر محمد الطيار أن وضعية جبهة بوليساريو الداخلية وانعدام الخيارات أمامها، وارتفاع الأصوات داخل مخيمات تيندوف المطالبة بإنهاء الصراع، والمطالبة بالكف عن إرسال المجندين إلى الجدار الأمني المغربي حيث يلقون مصرعهم، كلها عوامل ستجعل من المؤتمر المقبل محطة أخرى من محطات التراجع والخيبات، في وقت يتوجه فيه المنتظم الدولي إلى حل النزاع المفتعل في إطار الحفاظ على السيادة المغربية الكاملة.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: