يشكل المنتدى العالمي لتحالف الحضارات في دورته الجديدة المنعقدة بمدينة فاس المغربية فرصة للتعبئة من أجل السلام، في ظل مناخ دولي مشحون بالتوتر وبخطابات تحض على الكراهية، وهو ما حذر منه العاهل المغربي الملك محمد السادس في رسالته إلى المشاركين في المنتدى.
يحمل احتضان المغرب للمنتدى العالمي التاسع للأمم المتحدة لتحالف الحضارات، الذي انطلقت أشغاله الثلاثاء في مدينة فاس العاصمة الروحية للمملكة، دلالات عميقة تعكس قوة المغرب كنموذج ملهم للحوار والعيش المشترك.
ويعقد المنتدى هذا العام تحت شعار “نحو تحالف من أجل السلام.. لنتعايش جميعا كإنسانية واحدة”، بهدف تعزيز الحوار والتعاون بين مختلف المجتمعات والثقافات والحضارات، وذلك بمشاركة شخصيات دولية بارزة من بينها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.
ووجه العاهل المغربي الملك محمد السادس رسالة للمشاركين في هذا الملتقى العالمي المهم، حذر من خلالها من التحديات التي تواجهها الحضارة الإنسانية، ومن التهديدات التي باتت تعصف بالعيش المشترك.
وقال الملك محمد السادس في رسالته التي تلاها المستشار الملكي أندري أزولاي “إن السياق الحالي يتسم بتزايد الأسباب والدوافع التي كانت وراء إنشاء تحالف الحضارات، فلم يسبق لحضارتنا أن كانت معرضة لمثل هذا الكم الهائل من المخاطر، ولم يسبق للعيش المشترك أن واجه مثل ما يواجهه اليوم من تهديدات بشكل يومي؛ ونادرا ما كان الآخر مثار ارتياب وشك مثلما هو اليوم، بل نادرا ما كان يستخدم كل سبب مفتعل لإثارة مشاعر الخوف والكراهية وتأجيجها كما هو الشأن اليوم”.
ويأتي انعقاد هذا المنتدى في ظل ظرفية دولية شديدة التعقيد تنذر بتحولات كبيرة على مستوى العلاقات الدولية.
واعتبر الممثل السامي لتحالف الحضارات التابع للأمم المتحدة ميغيل أنخيل موراتينوس أن المنتدى يشكل مناسبة لبداية نقاش عميق وهام حول مستقبل الإنسانية، مؤكدا في هذا الصدد على أهمية “أن نعيش معا في ظل عالم ينعم بالسلام، وأن يسود السلام والفهم والاحترام المتبادل، بدل الصراعات والأزمات والإقصاء”.
وقال رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق خوسيه لويس رودريغيز ثاباتيرو، راعي مبادرة تحالف الحضارات سنة 2004، إن المملكة المغربية كانت داعما أساسيا لتحالف الحضارات منذ البداية، لافتا إلى أن فاس رمز للقاء من أجل التفاهم وستكون أهم تعبئة من أجل السلام منذ بداية الحرب في أوكرانيا، مبرزا أن هذه النسخة الجديدة من المنتدى العالمي لتحالف الحضارات تؤكد وتجدد التأكيد على أن جميع الثقافات تتقاسم قيما وأن أهم قيمة تتشاطرها هي التفاهم.
وكان العاهل المغربي أوضح في رسالته أن المملكة المغربية انخرطت، باعتبارها من الأعضاء المؤسسين لتحالف الحضارات، في جميع المعارك التي خاضتها المنظمة، لأسباب جوهرية نابعة من صميم هوية المغرب القائمة على الانفتاح والانسجام والتلاحم، والموحدة بانصهار مكوناتها العربية الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الأفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية، ثم لأسباب ترتبط أساسا بالتزامات المغرب، بالنظر إلى قيم التحالف والمثل العليا التي يدافع عنها والنموذج الذي يدعو إليه.
واعتبر عبدالله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج أن تنظيم المنتدى العالمي التاسع لتحالف الأمم المتحدة للحضارات بالمملكة المغربية يعكس قوة المملكة كنموذج للحوار والعيش المشترك الذي تتمتع به منذ القديم، انطلاقا مما توفره الثقافة المغربية والنموذج الديني المغربي من عناصر قادرة على تقديم توصيات وحلول غاية في النجاعة والاعتدال، مؤكدا أن هذه العوامل كلها تشكل ضامنا لنجاح أشغال هذا المنتدى العالمي.
وترأس وزير الشؤون الخارجية والتعاون الأفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ناصر بوريطة بشكل مشترك مع نائب الأمين العام، الممثل السامي لتحالف الأمم المتحدة للحضارات ميغيل أنخيل موراتينوس، هذا المنتدى العالمي الذي يعرف حضور 1000 مشارك، موزعين بين وفود رسمية تنتمي إلى مجموعة دول ومنظمات أصدقاء التحالف والمجتمع المدني وفاعلين في مجال عمل التحالف وأكاديميين وشباب وطلبة.
المنتدى العالمي لتحالف الحضارات يهدف تعزيز الحوار والتعاون بين مختلف المجتمعات والثقافات والحضارات
وسيناقش الحاضرون على مدى يومين محاربة التطرف وتعزيز الدور المركزي للتربية، وكذلك دور المرأة كوسيط وصانع للسلام، إضافة إلى مكافحة معاداة السامية وكراهية الأديان وتوحيد الخطاب حول الهجرة وتعزيز دور الزعماء الدينيين في نشر السلام والتعايش الاجتماعي والتعدد الثقافي، وكذلك مكافحة خطاب الكراهية على الفضاء الرقمي.
ويقول بوصوف، في تصريحاته ، إن الموضوعات التي سيناقشها الحاضرون في المنتدى العالمي بفاس تتماشى مع المبادرات الكبرى التي يرعاها الملك محمد السادس في ما يخص الاهتمام بالمشترك الإنساني وبالطائفة اليهودية المغربية وتأطيرها مؤسساتيا وتثمين موروثها الثقافي والحضاري، والعمل على إيصال هذه القيم إلى الجالية المغربية والمساهمة في بناء التعايش.
وشددت رسالة الملك محمد السادس على وجود عزم راسخ أن المملكة المغربية ستبقى ثابتة على الاختيار المتجدد باستمرار، بالحفاظ على صورة المغرب كأرض للتسامح والتعايش والانفتاح، وبممارسة الدين كآلية لإشاعة السلام.
ويعكس هذا اللقاء العالمي وجود رغبة من الجميع في إعلاء رسالة التعايش والسلام، وقال رئيس الحكومة الإسبانية الأسبق رودريغيز ثاباتيرو “إننا لا نريد حربا باردة جديدة، بل نتوق إلى السلام والتعاون والتعددية والتفاهم وحقوق الإنسان، والقضاء على الفقر وعدم المساواة، لذلك، ليست هناك أولوية أكثر أهمية للحضارة الإنسانية من السلام”.
وبحسب الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج فإن اختيار مدينة فاس كمكان احتضان المغرب للمنتدى ليس اعتباطيا بل هو مدروس بشكل دقيق، كونها مدينة تاريخية وحضارية وعاصمة روحية وسياسية للمغرب لما يزيد عن ألف عام، وبالتالي فهي تترجم روح هذا المنتدى الحواري البارز، بالاضافة إلى أن شخصيات بارزة من الديانة اليهودية أو المسيحية تابعت دراستها بجامعة القرويين العريقة.