اعترف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال مؤتمر صحفي، على هامش حضوره القمة الفرنكوفونية التي انعقدت السبت والأحد بجزيرة جربة جنوب شرقي تونس، بتراجع اللغة الفرنسية في المغرب العربي وتحدث عن ضرورة إعداد برنامج لاستعادة مكانة الفرنسية في المنطقة.
وبينما حاول ماكرون تبرير ذلك بهيمنة اللغة الإنجليزية، رأى مراقبون أن تراجع الفرنسية ما هو إلا انعكاس لتراجع مكانة فرنسا وتأثيرها على الدول المغاربية.
ويعتبر هؤلاء المراقبون أن استمرار تذبذب العلاقات بين فرنسا من جهة ودول شمال أفريقيا والساحل من جهة أخرى يعني أن الخسارة الإستراتيجية التي منيت بها باريس مستمرة وتراجع اللغة الفرنسية هو مظهر من مظاهر هذه الخسارة.
وتساءل المراقبون: كيف لفرنسا أن تستعيد مكانة الفرنكوفونية وهي متمسكة بانتهاج سياسات غير ودية تجاه المنطقة برزت في الفترة الأخيرة ومن بينها خفض التأشيرات؟
321
مليون شخص عدد المتحدثين بالفرنسية في العالم، ما يجعلها في المرتبة الخامسة بين اللغات الأكثر انتشارا
ودافع الرئيس الفرنسي عن قرار بلاده القاضي بتخفيض عدد التأشيرات الممنوحة لبعض الدول المغاربية، مؤكدا أن هذا القرار بدأ يُؤتي أكله إثر النقاش الذي جرى في الأشهر الأخيرة واعتبره نقاشا جدّيًّا.
وأقرّ ماكرون بوجود تسهيلات تتعلق بملف عودة المهاجرين الذين تتم إعادة ترحيلهم إلى بلدانهم، معتبرا في المقابل أنه من غير المقبول ألا تتم إعادة الأجانب غير النظاميين الذين تم الاتفاق على أنهم يمثلون خطرا على النظام العام في فرنسا.
ويرى المحلل السياسي المغربي هشام معتضد أن سياسة فرنسا على المستوى الخارجي من بين العوامل المباشرة والرئيسية في التراجع الكبير الذي تشهده الثقافة الفرنكوفونية، مشيرا إلى أن باريس لم تستوعب بعد أن النضج الفكري لدى شباب أفريقيا وانخراطهم في التطورات التي تعيشها الإنسانية يدفعانهم إلى التعامل ببراغماتية ولن يقبلوا بسياسات تنصّب نفسها وصيّة عليهم ولا تحترم كيانهم واختياراتهم.
وأضاف ، “فرنسا ما زالت قابعة في فكر يسيّر السياسة الخارجية بحزمة من العقوبات، على غرار سياسة تقليص التأشيرات”.
وشدد المحلل المغربي على أن هذا التوجه يضرّ بفرنسا سياسيّا وثقافيّا أكثر مما يضر بالدول المعنية بهذه القرارات والتي قد تجد بدائل مختلفة ومتنوعة، خاصة في ظل ما يشهده العالم من حركيّة.
وتأتي تصريحات الرئيس الفرنسي بالتزامن مع توتر دبلوماسي صامت بين باريس والرباط بسبب سياسة تقليص التأشيرات والإصرار على إعادة المهاجرين المغاربة إلى بلدانهم، وفي ظل علاقات لم تستعد عافيتها إثر الأزمة مع الجزائر حتى بعد زيارة ماكرون التي كانت فرنسا تراهن عليها لإعادة العلاقات إلى مسارها الطبيعي، في حين يلومها التونسيون على تجاهل الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تعيشها بلادهم.
وقال ماكرون إن استعمال اللغة الفرنسية تراجع في دول المغرب العربي مقارنة بوضعها قبل 20 أو 30 عاما، مشددا على ضرورة استعادة مكانتها.
وردا على سؤال أجاب ماكرون بأن “اللغة الفرنسية تمتد ديمغرافيا في بعض البلدان الفرنكوفونية. ولكن يجب أن نكون واضحين؛ هناك تراجع حقيقي للغة الفرنسية في دول المغرب العربي”.
واستعمرت فرنسا دولا في منطقة المغرب العربي منها الجزائر وتونس والمغرب.
واعتبر ماكرون أن هناك أسبابا سياسية لهذا التراجع ووجود رغبة في استعمال لغات أخرى، وكذلك “وجود لغة إنجليزية سهلة الاستعمال”.
واختارت دول مثل تونس والجزائر تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية إلى جانب العربية والفرنسية. وقبل نحو عقدين كانت الحكومات المغاربية تقتصر على تدريس اللغة الفرنسية في المرحلة الابتدائية والإعدادية في حين يتم تدريس الإنجليزية كلغة اختيارية في المراحل الثانوية.
وأضاف أن “التحدي الحقيقي أمام الفرنكوفونية هو تعزيز استخدام اللغة الفرنسية خصوصا في قارة أفريقيا، حيث تُستخدم على نطاق واسع”. وتابع “يجب أن يكون هناك برنامج ‘استرداد لمكانة اللغة الفرنسية’”، واقترح تعزيز برامج التعليم والثقافة والرياضة وشبكة تعليم الفرنسية في العالم.
ووفق بيانات المنظمة الدولية للفرنكوفونية يناهز عدد المتحدثين بالفرنسية 321 مليون شخص في العالم، ما يجعلها في المرتبة الخامسة بين اللغات الأكثر انتشارا.