يشكك متابعون في إمكانية أن تلقى مبادرة تركيا للوساطة بين المغرب والجزائر في حل قضية الصحراء المغربية طريقها إلى التنفيذ، حيث أن الأزمة تتجاوز مسألة الوساطة، وإلا لكانت دول عربية وازنة مثل السعودية قد عالجتها.
أعربت تركيا الطامحة لتعزيز نفوذها في شمال أفريقيا عن استعدادها للوساطة بين المغرب والجزائر، في ملف الصحراء المغربية، وسط شكوك في إمكانية أن تقبل الجزائر هذه الخطوة، على الرغم من العلاقات الوثيقة التي تربطها بأنقرة.
وتحدث السفير التركي بالرباط عمر فاروق دوغان مؤخرا عن استعداد بلده للقيام بوساطة لحل الخلاف بين المغرب والجزائر، حيث قال إن أنقرة مستعدة لتقريب وجهات النظر بين البلدين، متحدثا عن طرف ثالث يعمق المشكلة.
ورحب السفير التركي في الرباط بيد الملك محمد السادس الممدودة إلى الجزائر لإيجاد حل للصراع، خلال مقابلة مع الصحيفة الناطقة بالفرنسية ماروك إبدو، مضيفا “نحن نؤيد التنمية العادلة في المنطقة، ونحن مستعدون للمساعدة في عملية التقارب بين المغرب والجزائر”.
وأكد دوغان “إننا نريد أن تتمكن الجزائر والمغرب من الجلوس والاتفاق والتوصل إلى حل وسط، ولهذا السبب فإنني أعلق أهمية كبيرة على سياسة اليد الممدودة التي كررها الملك محمد السادس في خطاباته الأخيرة من أجل إيجاد حل لنزاع الصحراء”، مضيفا “ننتظر أن تستجيب الدولة المجاورة، (الجزائر)، لنداءات العاهل المغربي”.
واعتبر محمد لكريني أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية أن استعداد تركيا للقيام بوساطة لحل الخلاف المغربي – الجزائري حول قضية الصحراء المغربية خطوة ملفتة، لكن صعوبات كبيرة تعترضها خصوصا وأن المغرب سبق وأن دعا الجزائر على أعلى مستوى لمناقشة مختلف القضايا الخلافية، لكنها لم تستقبل الدعوة بشكل إيجابي.
وأوضح لكريني، أن تركيا تراهن على علاقتها الجيدة مع كلا البلدين في طرحها لمبادرة الوساطة، لافتا إلى وجود أهداف خاصة من طرح أنقرة لهذه الوساطة التي تأتي في سياق دولي تتسابق فيه تركيا إلى جانب عدد مهم من الدول كالولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وإيران وفرنسا، لتعزيز مصالحها ومنافعها في شمال أفريقيا.
وأقر السفير التركي أن طرح الوساطة ليس بالأمر السهل، معتقدا أنه يجب التحلي بالجرأة واتخاذ الخطوة الأولى، مضيفا “إذا لم نتخذ الخطوة الأولى للحوار، فلن نتوصل أبدا إلى حل عادل ونحن مع حل المشكلة في أسرع وقت ممكن”.
وأشار إلى وجود طرف ثالث معرقل، قائلا في هذا السياق “ما علينا سوى إلقاء نظرة على خارطة العالم بأسره ومشاكل الحدود بين البلدان كما هو الحال في أفريقيا، لمعرفة الكيانات التي تستفيد من هذا الوضع”.
وتأتي هذه الدعوة في سياق تحولات إقليمية ودولية وصراعات على مناطق النفوذ بشمال وغرب أفريقيا، وتسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها العسكري والاقتصادي والدبلوماسي بالمنطقة، وأي مبادرة منها في مصالحة ولو غير مكتملة تحسب لها كنقطة دبلوماسية ترسخ بها تموقعها، وفي سياق تحركات مكثفة وغير مسبوقة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في منطقة الخليج والشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وسبق للرئيس التركي أن طرح في عهد الحكومة المغربية التي قادها حزب العدالة والتنمية الإسلامي، وساطة بلاده لحل المشاكل العالقة بين المغرب والجزائر، قائلا إن “الأخوة بين البلدين الجارين يمكن أن تكون دافعا لتجاوز المشاكل”.
ويرى مراقبون أن المشكلة بين الجزائر والمغرب أبعد من أن تحل بوساطة، وإلا كانت تمكنت دول عربية وازنة مثل السعودية من تحقيقها، لافتين إلى أن المشكلة تكمن في غياب أي إرادة أو رغبة من جانب الجزائر في حل الأزمة.
وفي مايو الماضي ذهب رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري، في تصريحاته إلى أبعد حد في ما يخص العلاقات مع المغرب، حين أكد أن فكرة الوساطة غير واردة بالنسبة إلى الجزائر، قائلا “لا وجود لأي وساطة بين الجزائر والمغرب، لا أمس ولا اليوم ولا غدا”.
المشكلة بين الجزائر والمغرب أبعد من أن تحل بوساطة، وإلا كانت تمكنت دول عربية وازنة مثل السعودية من تحقيقها
وتعي أنقرة مدى رسوخ موقف المغرب من الدول التي تتعامل مع الوحدة الترابية للمملكة بضبابية، حيث أن التقارب بين المغرب وتركيا يمر عبر هذا المحدد الجيوسياسي بالنسبة إلى المغرب، خاصة أن الملك محمد السادس أشار في خطاب ذكرى ثورة الملك والشعب إلى أن الرباط تنظر إلى العالم عبر نظارة الصحراء، ممتنّا لدول تدعم موقف البلاد، بينما طالب أخرى بتوضيح مواقفها بشكل لا يقبل التأويل.
وفي مايو الفارط قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو في لقائه الأخير مع نظيره المغربي ناصر بوريطة “أريد أن أؤكّد مرة أخرى لأخي ناصر دعمنا وحدة أراضي وحدود المغرب وسيادته كما كان دائما”، خصوصا وأن تركيا واعية بأن قضية الصحراء المغربية هي نزاع معروض على منظمة الأمم المتحدة.
وتتوافق تصريحات السفير التركي بالرباط بشأن المصالحة، مع إستراتيجية دولته في تمدد شركاتها بالمغرب لتشمل الصحراء المغربية، حيث أكد دوغان أنه لا توجد عقبة أمام الاستثمار الخاص التركي في جميع أنحاء التراب المغربي، وأن سلسلة تركية ستفتح محلا لها في العيون بالصحراء قريبا جدا، لأن المستثمرين يشاركون في تعزيز التعاون بين المغرب وتركيا.
ولفت لكريني، في تصريحه له، إلى أن تركيا من خلال مبادرة سفيرها بالرباط، تسعى لاستغلال بعض المداخل الأمنية والاقتصادية والعسكرية لجمع الطرفين لأجل مناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، واستثمار الأزمات التي تعرفها فرنسا، البلد الذي له مصالح مهمة بالمنطقة.
ويتفق العديد مع لكريني في أن تركيا بهذا العرض تسعى لتكريس نفسها رقما صعبا في منطقة شمال أفريقيا، وهي تريد استغلال انحسار النفوذ الفرنسي في المنطقة، مع ما برز من توترات على خط باريس – الرباط للقول إنها موجودة وقادرة على شغل الفراغ.