الذكرى الـ67 لعيد الإستقلال.. ملحمة كبرى تجسد الإلتحام الوثيق بين العرش والشعب

الناوي

يخلد الشعب المغربي قاطبة بمشاعر الفخر والإعتزاز، غدا الجمعة، الذكرى السابعة والستين لعيد الإستقلال، الذي يشكل حدثا تاريخيا مجيدا، وملحمة كبرى تجسد إنتصار إرادة العرش والشعب وإلتحامهما الوثيق دفاعا عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية.

وتعد هذه الذكرى المجيدة (18 نونبر من كل سنة) ، أحد المنعطفات التاريخية التي طبعت مسار المملكة ومن أغلى الذكريات الوطنية الراسخة في قلوب المغاربة ، لما تحمله من دلالات عميقة ودروس بليغة وبطولات عظيمة وتضحيات جسام وأمجاد تاريخية خالدة.

وتحل ذكرى عيد الإستقلال كلحظة تاريخية للتأمل والتدبر في مسلسل الكفاح الوطني من أجل الحرية والإستقلال وتحقيق الوحدة الترابية ، في سياق نضالي شامل ومتكامل يشج أواصر العروة الوثقى بين القمة والقاعدة ، ويعزز العهد الوثيق القائم بين الملك والشعب ، للمضي قدما على درب تحقيق النمو والإزدهار في كل المجالات وبلوغ المملكة المكانة التي تستحقها بين دول العالم.

إذ لا تنضج الشعوب، وتتسع مطامحها لبناء حاضرها ومستقبلها ، إلا من خلال إستحضارها لتاريخها ، ومقاربة لحظاته النضالية، ومعاركه من أجل البقاء والإستمرارية ، وإبراز كينونته المميزة بين الأمم ، وإستخلاص العبر من مختلف محطاته ، تكريسا لما في اللحظات الماضية والحاضرة من قوة جذب بإتجاه مستقبل يسعى للأفضل.

فرغم المخططات والمناورات التي نفذتها القوى الإستعمارية الفرنسية والإسبانية ، في محاولة لتقطيع أوصال المملكة ، وطمس هويتها وغناها الثقافي ، وزرع التنابذ والتفرقة بين مكوناتها ، إستطاع جيل النضال والإستقلال ، عرشا وشعبا ، الوقوف معا في وجه مخططات نير الإستعمار.

ولم يفلح المستعمر في وقف هذا المد النضالي ، الذي ترسخ آنذاك في أعماق كل المغاربة ، على الرغم من نفيه لجلالة المغفور له محمد الخامس رفقة أسرته الشريفة إلى كورسيكا ثم إلى مدغشقر ، وهو ما تجلى من خلال الإنتفاضة العارمة التي شهدتها ، في أعقاب ذلك ، كل المدن والقرى المغربية.

فكثيرة هي المعارك البطولية والإنتفاضات الشعبية التي خاضها أبناء الشعب المغربي بكافة ربوع المملكة في مواجهة مستميتة للوجود الأجنبي والتسلط الإستعماري.

ومن هذه البطولات ، معارك الهري وأنوال وبوغافر وجبل بادو وسيدي بوعثمان ، وإنتفاضة قبائل آيت باعمران والأقاليم الجنوبية وغيرها من المحطات التاريخية ، التي لقن فيها المقاومون للقوات الإستعمارية دروسا رائعة في الصمود والمقاومة والتضحية.

ومن أبرز المحطات التاريخية التي ميزت مسار الكفاح الوطني ، الزيارة التاريخية التي قام بها أب الوطنية وبطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس إلى طنجة يوم 9 أبريل 1947 تأكيدا على تشبث المغرب ، ملكا وشعبا ، بحرية الوطن ووحدته الترابية وتمسكه بمقوماته وهويته.

وبعد هذه الزيارة الميمونة ، الحبلى بقيم التحرر والإنعتاق من ربقة الاستعمار ، إشتد تكالب السلطات الفرنسية ، خاصة أن جلالة المغفور له محمد الخامس لم يخضع لضغوط سلطات الحماية ، فكانت مواقفه الرافضة لكل مساومة سببا في شروع المستعمر في تدبير مؤامرة النفي.

وكلحظة إلتحام للأمة ، تعكس ذكرى الكفاح الشجاع لشعب توحد وراء ملكه ، إنطلقت شرارة ثورة الملك والشعب يوم 20 غشت 1953، التي يعد الإحتفاء بها مناسبة للأجيال الصاعدة لإدراك حجم التضحيات التي بذلها أجدادهم للتحرر من جور الإستعمار وإسترجاع المغرب لإستقلاله.

وانتصرت الإرادة القوية للأمة، بتناغم مع العرش للدفاع عن القيم الوطنية المقدسة ، ضدا على مخططات المستعمر الذي لم يدرك أنه بإقدامه على نفي رمز الأمة ، جلالة المغفور له محمد الخامس وأسرته الشريفة ، لم يقم سوى بتأجيج وطنية المغاربة والتعجيل بنهاية عهد الحجر والحماية.

وفور عودة جلالة المغفور له محمد الخامس رفقة أسرته الملكية ، يوم 18 نونبر 1955 من المنفى إلى أرض الوطن ، أعلن جلالة المغفور له عن إنتهاء نظام الوصاية والحماية الفرنسية وبزوغ فجر الحرية والإستقلال ، مجسدا بذلك الإنتقال من معركة الجهاد الأصغر إلى معركة الجهاد الأكبر وإنتصار ثورة الملك والشعب.

وبعد تحقيق الاستقلال ، دخلت المملكة المغربية في حقبة جديدة ، تمثلت في المقولة الشهيرة لجلالة المغفور له الملك محمد الخامس طيب الله ثراه “لقد خرجنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر” ، حيث إنخرطت المملكة في العديد من الإصلاحات التي أطلقها أب الأمة وهمت كل القطاعات الحيوية من أجل بناء المغرب الجديد ومواصلة ملحمة تحقيق الوحدة الترابية.

وسيرا على نهج والده المنعم ، خاض جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني معركة إستكمال الوحدة الترابية ، فتم في عهده إسترجاع مدينة سيدي إفني في 30 يونيو 1969، كما تحقق إسترجاع الأقاليم الجنوبية بفضل المسيرة الخضراء التي إنطلقت يوم 6 نونبر 1975. وفضلا عن ذلك حرص جلالة المغفور له الحسن الثاني على بناء دولة القانون والمؤسسات الحديثة ، وإرساء نظام سياسي وديموقراطي يُحتذى به.

وتأكيدا لمسيرة البناء ، التي نهجها جلالة المغفور له محمد الخامس ومن بعده جلالة المغفور له الحسن الثاني ، يشهد المغرب تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس العديد من الأوراش التنموية العملاقة والإصلاحات الكبرى التي تهم مختلف المجالات ، ولاسيما من خلال إطلاق النموذج التنموي الجديد ، وورش تعميم الحماية الإجتماعية، وهو ما يعكس العناية الفائقة التي يوليها جلالته للعنصر البشري ، وذلك منذ إعتلائه عرش أسلافه الميامين.

يمثل الإحتفال بعيد الإستقلال ، لحظة للقيام بوقفة تأملية تستحضر تاريخ المغرب الغني بالأمجاد وبالمحطات المشرقة من أجل الذود عن مقدسات البلاد ، ومناسبة لإستلهام ما تنطوي عليه هذه الذكرى من قيم سامية وغايات نبيلة ، لإذكاء التعبئة الشاملة ، وزرع روح المواطنة ، وتحصين المكاسب الديمقراطية ، ومواصلة مسيرة الجهاد الأكبر ، وتثبيت وصيانة الوحدة الترابية للمغرب ، وربط الماضي التليد بالحاضر والمستقبل المجيد.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: