الجزائر تعد ميزانية حرب، ضد مَنْ ولأجل مَنْ

بوشعيب البازي

تخصص الجزائر القسط الأكبر من ميزانيتها للمؤسسة العسكرية وتبدي استعدادا لمضاعفة إنفاقها على التسلّح مما يوحي بأن البلد في طوره لإعداد ميزانية حرب، لا يعلم ستشنها ضد من ولا من هو المستفيد منها، خاصة وأن السلطات منعت الحديث في كل ما يتعلق بمنظومتي الدفاع والدبلوماسية، معتبرة أنها من أسرار الدولة التي لا يجب الخوض فيها.

ما من دولة في العالم تخصص 18 في المئة من ناتجها الإجمالي لأغراض الأمن والدفاع، إلا وتكون في طور الإعداد لحرب، أو لعقد صفقات تسلح، تطوي أغراضا غير معلنة.

وبحسب تقديرات البنك الدولي، فإن الناتج الإجمالي للجزائر في العام الماضي بلغ 167 مليار دولار. كان من بينها، حسب المعلن، نحو 50 مليار دولار من عائدات المحروقات.

وبحسب التقديرات المعلنة من جانب المسؤولين في شركة سوناطراك، فإن إيرادات البلاد من النفط والغاز زادت بنسبة 70 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي.

وقالت الشركة إنها تمكنت من تحقيق صادرات نفطية بقيمة تفوق 34.5 مليار دولار العام الماضي، مقابل 20 مليار دولار في عام 2020. وهو ما يبرر الاعتقاد بأن إجمالي العائدات من المحروقات لهذا العام يمكن أن تبلغ نحو 80 مليار دولار، بفضل ارتفاع الأسعار.

من المتوقع أن ترتقي الجزائر إلى المرتبة الخامسة عشرة عالميا في تصنيف الدول الأكثر إنفاقا عسكريا

ولكن مشروع ميزانية العام المقبل الذي أرسل إلى البرلمان، يتضمن إنفاقا عسكريا يبلغ 23 مليار دولار، يعادل ثلاثة أضعاف الإنفاق في العام السابق، وذلك فضلا عن إنفاق أمني يزيد على 7 مليارات دولار، ما يجعل المجموع يبلغ نحو 18 في المئة من الناتج الإجمالي، وأكثر من 40 في المئة من عائدات النفط والغاز لهذا العام. وهذا إنفاق غير متوازن بالنسبة إلى بلد يفتقر إلى الاستثمارات في مجالات الزراعة والصناعة والإسكان والتعليم. وهو يعني أن الجزائر إما أن تعد نفسها لحرب، أو تحاول منح عقود تسلح لتعمير خزائن الدول القريبة منها مثل روسيا وتركيا وإيران.

وبالنظر إلى أن عقود التسلح هي في الوقت نفسه غالبا ما تشمل عقود فساد، فإن الصفقات المنتظرة ستوفر لطرفي العلاقة عائدات ضخمة، المنظور منها لا يقل أهمية عن غير المنظور، من ناحية تعميق الروابط الأمنية والمصالح الخاصة.

ومن المتوقع أن تسجل إيرادات هذا العام فائضا في الميزان التجاري، هو الأكبر منذ عدة سنوات، يبلغ 17.7 مليار دولار، مقابل فائض بلغ 1.1 مليار دولار في العام الذي سبقه. وبدلا من أن تستثمر الجزائر هذا الفائض في تمويل الاستثمارات المتعلقة بالتنمية الاقتصادية، للمناطق والجهات المحرومة، فإن الرئاسة الجزائرية آثرت أن تنفق الأموال لأغراض التسلح والأمن، بوصفها من بين أول الأولويات.

كما أن مشروع الميزانية يلاحظ إنفاقا لصالح وزارة الداخلية يبلغ 7.15 مليار دولار يشمل الأمن الوطني وجهاز الدفاع المدني ومخصصات الولايات.

ويقول المراقبون إن مخصصات الولايات كان يجب أن تكون مستقلة عن مخصصات وزارة الداخلية والأمن، لاسيما وأنها تعاني من نقص التمويلات في مشاريع التنمية المحلية والبنى التحتية والإسكان. وإبقاؤها تحت مظلة وزارة الداخلية، يعني بقاء الإدارات المحلية تحت رحمة ما يبقى من استهلاك الأجهزة الأمنية للأموال.

ويلاحظ أيضا في مشروع الميزانية أن الإنفاق على وزارة التربية يبلغ 8.5 مليار دولار، ولكن هذا المبلغ بالكاد يغطي رواتب موظفي قطاع التعليم البالغ عددهم نحو مليون موظف يخدمون نحو 8 ملايين تلميذ وطالب في مراحل التعليم المختلفة. ما يجعل النصيب السنوي لموظف هذا القطاع لا يزيد عن 8500 دولار سنويا، وهو معدل هزيل للغاية حيال الاحتياجات التعليمية في بلد يبلغ عدد سكانه نحو 45 مليون نسمة، وتتوفر لأجيالهم 66 جامعة، تفتقر في معظمها إلى مناهج التعليم الحديثة.

وعلى الرغم من ارتفاع العائدات من المحروقات، فإن الميزانية تسجل عجزا يبلغ 41 مليار دولار، يعادل نحو 15.9 في المئة من الناتج المحلي. إلا أن هذا العجز، يُنسب إلى أسعار نفط تم تقدير متوسطها بـ60 دولارا، وذلك على أمل أن يتم تسديد العجز من الفرق بين المتوسط المعلن وبين العائد الحقيقي.

وبحسب توقعات وزير المالية إبراهيم جمال كسالي، فإن معدل النمو سيكون في حدود 4.1 في المئة سنة 2023 و4.4 في المئة في 2024 ومستوى التضخم بـ5.1 في المئة في 2023 ثم 4.6 في المئة في 2025. كما يتوقع الوزير أن ترتفع احتياطيات الصرف إلى 54.6 مليار دولار بنهاية العام الجاري 2022 أي ما يعادل 14.3 شهر من واردات السلع والخدمات خارج عوامل الإنتاج، على أن يتطور مستوى الاحتياطات إلى 59.6 مليار دولار في نهاية 2023، أي 16.3 شهر من الواردات سلع والخدمات.

وتخصص الميزانية الجديدة إنفاقا يبلغ نحو مليار ونصف المليار دولار على منحة البطالة التي يستفيد منها نحو مليون ونصف المليون عاطل عن العمل.

ميزانية الإنفاق العسكري ظلت كبيرة حتى في سنوات العوز، ما يدل على المكانة الاستثنائية التي تحتلها المؤسسة العسكرية

وحسب بيانات صندوق النقد الدولي، بلغت نسبة البطالة في الجزائر 13.4 في المئة في 2021، وهي ترتفع في أوساط الشباب إلى 20 في المئة. وهذا معدل ضخم، ويعكس مقدار الفشل في توفير التمويلات لمشاريع التنمية المحلية.

والجزائر ليست بلدا عاجزا عن تطوير قدراته المحلية، لاسيما وأن مشروع الميزانية نفسه يتوقع أن تصل عائدات صادرات السلع في العام المقبل إلى 46.3 مليار دولار أميركي مقابل 44.4 مليار دولار في تنبؤات قانون المالية التكميلي 2022. وهو ما يشير إلى أن الصناعات المحلية توفر عائدات لا تقل أهمية من عائدات النفط، ولكن نموها الشحيح يدل على أنها ما تزال تفتقر إلى الاستثمارات التي يمكن من خلالها تحقيق عائدات أعلى، لاسيما وأن الجزائر محاطة بما يشبه الفراغ الاستثماري من عدة جهات، سواء في ليبيا أو تونس أو في دول القارة الأفريقية المجاورة لها في الجنوب.

ويشير المراقبون إلى أن ميزانية الإنفاق العسكري ظلت كبيرة حتى في سنوات العوز، ما يدل على المكانة الاستثنائية التي تحتلها المؤسسة العسكرية في بنية النظام السياسي، الذي يتعين عليه أن يغطي احتياجاتها، بصمت وبعيدا عن التدقيق والمساءلة حول سبل إنفاق الأموال المكرسة لها.

فخلال السنوات العشر الماضية، ظل الإنفاق العسكري يتراوح بين 8 و13 مليار دولار سنويا، إلا أنه لم يصل في أي وقت من الأوقات إلى الرقم الفلكي الذي وصلته في الميزانية الجديدة.

ووفق تصنيف موقع غلوبال “فاير باور” الأميركي، فمن المتوقع أن ترتقي الجزائر إلى المرتبة 15 عالميا في تصنيف 2023 بمعدل الإنفاق، على الرغم من أن البلاد ليست من الناحية الرسمية في حالة حرب مع أي طرف خارجي. وباستثناء حرب العصابات التي تمولها لصالح ميليشيات بوليساريو ضد المغرب، فإن الجزائر ليست في حالة حرب مع جارها المغربي. وتوحي الميزانية الجديدة بأنها ربما تستعد لشنها مستغلة أجواء العداء المفتعل مع الرباط.

ويعدّ الإنفاق العسكري من المحرمات على أي نقاش في الجزائر. فعلى الرغم من أنه رقم معلوم في الميزانية العامة، إلا أن الحديث فيه ممنوع حتى بين كبار المسؤولين. وباءت بالفشل كل المحاولات التي حاولتها بعض الشخصيات البرلمانية لطرح الأسئلة حول سبل الإنفاق أو مجالاته. وهو ما جعل لجنة الدفاع داخل البرلمان الجزائري، واحدة من أكثر اللجان صمتا، وللتوقيع على بياض.

ولقطع الطريق على التساؤلات، أصدر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في الرابع عشر من سبتمبر الماضي مرسوما رئاسيا يمنع فيه النقاش البرلماني للقضايا المتعلقة بالدفاع والدبلوماسية، باعتبارها أسرارا من أسرار الدولة. هذا المرسوم استبق طرح الميزانية الجديدة، ليستبق ما قد تثيره من اعتراضات حول حجمها وما إذا كانت سوف تنتهي إلى خزائن روسيا وتركيا وإيران.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: