متى يقرر الصحراويون مصيرهم؟
هل سيحصل ذلك حينما يصبح بمقدور الأمم المتحدة أن تشرف على استفتاء عجزت ولأكثر من ثلاثين عاما عن تنظيمه؟ أم أنه سيكون ممكنا للصحراويين أن يحققوا، ولو جزءا من آمالهم وطموحاتهم عندما يقتنع الجزائريون بالأساس بأن الحكم الذاتي للصحراء، الذي عرضته الرباط قبل سنوات هو الحل التوافقي الأفضل والأنسب، وهو البديل العملي والواقعي أيضا للاقتراع الذي كان مفترضا أن يجري بداية التسعينيات؟
المؤكد الآن أنه وباسم تقرير مصير الشعب الصحراوي، حدثت أخطاء وارتكبت تجاوزات وتقاطع وتصارع كثير من المصالح والإرادات الإقليمية والدولية، وضاع وسط كل تلك المناورات والصراعات أي اهتمام جدي بالبحث عن مصير الشعوب المغاربية، من بنغازي إلى نواذيبو، ليترك على الهامش ويظل معلقا على سارية انتظار طويل وعقيم، وربما حتى ممل لحل المشكل الصحراوي المفتعل، حسب الرباط، والمرتبط جذريا بتصفية الاستعمار مثلما تعتقد الجزائر.
كم سيستغرق الأمر حتى يفهم الجميع أنه لن يحقق الصحراويون أحلامهم خارج المغرب الكبير، مثلما لن يكون باستطاعة المغاربيين ركوب قطار الوحدة من دون صحراويين
ولم يخطئ الرئيس التونسي الأسبق المنصف المرزوقي حين قال لي في أحد حواراته في «اخبارنا الجالية»، إنه لا يمكن التضحية بمستقبل مئة مليون مغاربي لأجل مئتي ألف صحراوي، فقد تحول المغاربيون وبشكل ما إلى رهائن لا لدى الصحراويين، بل عند من استخدموهم كأداة وأرادوا أن يقرروا باسمهم وتحت شعار براق وجذاب، وبشكل انفرادي مصير المنطقة بأسرها. لكن من يصدق الآن أن كل تلك الحروب والمآسي والكوارث الإنسانية والسياسية، التي حصلت على امتداد أكثر من أربعين عاما في الشمال الافريقي، كانت فقط لأجل تحقيق غاية واحدة وهي السماح لمن وصفهم الرئيس التونسي الراحل بورقيبة في 1975 بمجموعة من البدو الرحل، بأن يقولوا بمحض إرادتهم ومطلق حريتهم، إن كانوا يعتبرون أنفسهم جزءا لا يتجرأ من المغرب؟ أم أنهم يرغبون بالانفصال عنه وإنشاء دولة سادسة في المغرب الكبير؟ فهل من العادي أو من المعقول أن تنفق بعض الدول في المنطقة ملايين، وربما حتى مليارات الدولارات حتى تسلح ميليشيا البوليساريو، وتمنحها كل ما تحتاجه لشن هجماتها على المغرب وتقدم لها الدعم والحشد الدبلوماسي المستمر في الخارج، وذلك فقط لأجل أن تحصل الأخيرة في النهاية على حق تقرير المصير، من دون انتظار أي جزاء أو ترقب أي كسب أو نفع؟ أليست مثل تلك الطهورية غريبة نوعا ما عن عالم السياسة الذي لا يعرف غير المصالح؟ ثم ألا يطرح السؤال اليوم بقوة عما بقي أصلا من تلك الفكرة المجردة؟ وهل أنها ما زالت وبعد مرور عدة عقود وسنوات شهد خلالها العالم تطورات إقليمية ودولية مذهلة، ليس أقلها الإطاحة بجدار برلين وتفكك الاتحاد السوفييتي بالشكل نفسه الذي كانت عليه في حقبة السبعينيات والثمانينيات؟ من الواضح جدا أن الجزائر ومن ورائها البوليساريو لا تملك غير تفسير واحد لتقرير المصير في الصحراء وهو، الاستقلال أو الانفصال عن المغرب، لكن ماذا لو جاءت إرادة الصحراويين على العكس من ذلك تماما؟ وماذا لو كانوا يرغبون أو يتطلعون بالفعل للبقاء داخل المغرب؟ هل ستحترم إرادتهم في تلك الحالة؟ ثم هل سيغلق الملف حينها بشكل نهائي وبات، وينتهي النزاع الطويل والمرير، ويصبح بإمكان المغاربيين كافة، أن يتطلعوا بعدها إلى تقرير مصيرهم بشكل مشترك بعد طول انتظار؟ لا شك في أن التصميم الجزائري على الاستقلال الصحراوي، لم يعادله إلا الإصرار المغربي على أن تبقى الصحراء جزءا لا يتجزأ من تراب المغرب. وفيما عرضت الرباط منذ 2007 وأمام استحالة إجراء الاستفتاء مقترحا للحكم الذاتي لتلك الأراضي مع بقائها تحت السيادة المغربية لم تقدم الجزائر تصورا آخر للخروج من المأزق، وأصرت على التمسك الحرفي بضرورة إجراء ذلك الاستفتاء وجعله مقترنا دائما في أدبياتها وتصريحات مسؤوليها بالاستقلال، أو بمعنى واحد فقط وهو الانفصال عن المغرب. وفي آخر لقاء جرى بين وزير الخارجية الجزائري ومسؤول في جبهة البوليساريو، لم يشذ رمطان لعمامرة عن تلك القاعدة، فقد ذكرت وكالة الانباء الجزائرية في برقية لها الأحد الماضي أن لعمامرة استقبل «نظيره من الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية» في «إطار سنة التشاور والتنسيق بين البلدين الشقيقين» حسبما جاء في نص البرقية، وأن المباحثات بينهما «تركزت حول مستجدات القضية الصحراوية على الصعيد الدبلوماسي، في سياق جهود الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي، بغية تمكين الشعب الصحراوي من ممارسة حقه في تقرير المصير والاستقلال». ولم يكن مثل ذلك الربط التلقائي بين فكرتي تقرير المصير والاستقلال بالأمر العرضي أو العفوي، فلطالما رأى الجزائريون أن هذه تقود حتما إلى تلك، وأن الأولى هي مفتاح الثانية، لكن هل سيكون من الحتمي والمؤكد فعلا أن يقول الصحراويون، إن أتيحت لهم فرصة الاختيار بين واحد من العرضين، إنهم يرفضون وبالضرورة ذلك الذي يفترض بقاءهم داخل المغرب مع حصولهم على الحق في إدارة شؤونهم بأنفسهم وإدارة إقليمهم بشكل ذاتي يراعي خصوصياتهم؟ لا تقرأ الجزائر والبوليساريو على ما يبدو حسابا لذلك الاحتمال، ومن الواضح أنها لا تأخذ تلك الفرضية بعين الاعتبار. والسبب هو أنها تعتقد أن القبول وحتى مجرد التسليم بأن هناك فرصة ما للصحراويين بأن لا يطالبوا بإنشاء دولة مستقلة في المغرب الكبير، سينسف كل السردية التي عملت على الترويج لها طوال عقود، وسيجعل من كل الجهود التي بذلتها على مدى العقود الأخيرة تذهب أدراج الرياح. لكن ما الذي يجعلها تصر على المضي في ذلك الطريق؟
في أكثر من مناسبة قال الجزائريون أن لا أطماع إقليمية لهم، وانهم لا يريدون السيطرة على أراض خارج حدودهم. غير أن السؤال هو، هل أن ما يدفعهم للحفاظ على ورقة البوليساريو هو خشيتهم من أن يظهر المغرب في صورة ما إذا تمكن من إغلاق ملف الصحراء نهائيا، أي أطماع توسعية في المنطقة، بما قد يشكل تهديدا جديا وخطيرا لوحدة أراضيهم؟ ذلك ما لا يقوله المسؤولون الجزائريون رسميا لكن تنطق به وسائل إعلامهم بشكل غير مباشر. غير أن تلك المقاربة تفتقد لأفق استراتيجي قد يعكس وجود قناعة قوية بالمصير المغاربي المشترك. ولم يفت الرئيس التونسي الراحل بورقيبة أن ينبه مبكرا إلى عواقب ذلك فقد قال في حديث إلى مجموعة من الصحافيين الفرنسيين في نوفمبر/تشرين الثاني 1975 أي مع ظهور مشكلة الصحراء على السطح «أعتقد أن الصحراء الإسبانية لا تعني شيئا. ولا افهم لماذا تصر الجزائر على إيجاد صعوبات بالمطالبة بتقرير المصير لمجموعة من البدو الرحل، وبالنسبة لي فهذه الصحراء جزء من المغرب». ولنتخيل كم ضيع الصحراويون والمغاربيون من وقت وجهد في رحلة البعض منهم لمطاردة سراب تقرير المصير. وكم سيستغرق الأمر حتى يفهموا أن مستقبلهم يبقى واحدا وأنه لن يحقق الصحراويون أحلامهم خارج المغرب الكبير، مثلما أنه لن يكون باستطاعة المغاربيين أن يركبوا قطار الوحدة من دون صحراويين. ولا شك في أنهم إن لم يتعلموا من التاريخ فسترغمهم الأيام على استيعاب الدرس.