اختتم المؤتمر الحادي عشر لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض في المغرب مساء السبت، بإعادة انتخاب محمد نبيل بنعبد الله أميناً عاماً لولاية رابعة. وبذلك، يكون القيادي البارز نفسه قد قضى على رأس هذا الحزب أكثر من 12 سنة، تولى خلالها مسؤوليات كبرى، حيث أسندت له حقائب وزارية، فضلاً عن منصب سفير في إيطاليا.
وإذا كان هذا الحزب الذي يمتد تاريخ تأسيسه لحوالي ثمانية عقود، قد اشتهر بكونه حزباً شيوعياً ثم يسارياً تقدمياً ذا مرجعية اشتراكية، فإنه وجد نفسه متحالفاً مع حزب ذي مرجعية إسلامية هو «العدالة والتنمية» الذي قاد الحكومة المغربية ابتداء من 2012. وكان هدف «التقدم والاشتراكية» من وراء هذه التجربة هو «الدفاع عن المسار الديمقراطي» و»الوقوف في وجه التعثرات التي كانت تهدده»، مثلما قال بنعبد الله في افتتاح المؤتمر الحادي عشر، مشيراً إلى أن حزبه أدى الثمن عن تلك التجربة التي غادرها عام 2019، «بقرار حر ومستقل وجريء، حينما لم يعد لوجود حزبنا في الحكومة آنذاك أي مبرر، وحينما خَفَتَ في الصيغة الثانية من هذه التجربة ذلك النّفَس الإصلاحي المطلوب للمضي قُدماً في بلورة المشروع الديمقراطي»، وفق قوله.
انتخُب أميناً عاماً لـ «التقدم والاشتراكية» لولاية رابعة
وعاد بنعبد الله في كلمته إلى تشكيل الحكومة المغربية الحالية، إذ كشف أنه لم يُعرَض على حزبه المشاركة فيها عقب انتخابات العام المنصرم، ولكنه تمنّى لها النجاح في تجاوز الصعوبات الاستثنائية الحالية المتمثلة في التقلبات الدولية وتداعيات الإغلاق الطويل من جراء الجائحة، بالإضافة إلى الجفاف الحاد. وأوضح في كلمته أنه «حتى عندما ننتقد، في إطار أدوارنا الدستورية، فإننا نفعل ذلك بالموازاة مع الاقتراح البناء، فليس من شِيم (التقدم والاشتراكية) المزايدة، وليس هناك جدوى ولا منفعة، إذا لم يُـقرن تشخيص الأوضاعِ بفتح باب الأمل والتفاؤل والطموح».
وخاطب القيادي الاشتراكي الحكومة المغربية قائلاً: «ليس أمامكِ سوى مواجهة الأزمة وليس تبريرها، وليس أمامكِ سوى تحمُّل أعباء الظرفية الصعبة، وليس أمامكِ سوى إبراز القدرة على ابتكار الحلول وإجراء الإصلاحات الضرورية».
وأشار إلى أن «غلاء الأسعار الذي يكتوي بنيرانه المستضعفون والفئات الوسطى، لا يمكن أن يترك من دون إجراءات قوية، حتى يأتيَ على الأخضر واليابس. كما أنَّ الأمنَ الغذائي والطاقي والصحي لا يمكن لكم تأجيل معالجته في انتظار انتهاء الأزمة الحالية التي قد لا تنتهي أو قد تتلوها أزمات أخرى أكثر قسوة».
ولاحظ أن الحكومة بعد سنة على تشكيلها لم تقم بأي خطوة جديدة «غير تدابير عادية في زمنٍ استثنائي بكل المقاييس، تدابير لا ترقى إلى حماية القدرة الشرائية للمغاربة الذين يئنون تحت وطأة الغلاء. كما لا ترقى إلى الرقي بالنسيج الاقتصادي الوطني وتحصينه ضد الصدمات».
واستدرك بالقول إن هذا الكلام ليس تحاملاً، بل منطلق من اقتناع ويقين، خاصة أن «صبر الأسر المغربية بدأ يَنفَد»، لافتاً إلى بلداناً أخرى تدخلت حكوماتها من أجل خفض الأسعار، وحماية الأسواق الداخلية من المضاربات، واستعمال الأداة الضريبية، وتفعيل التضامن الوطني، وإنعاش الاقتصاد، وتحصين الأمن الطاقي، وحماية القدرة الشرائية لمواطنيها، وتقديم الدعم لهم بأشكال مختلفة، مباشِرة أو غير مباشِرة.
وتساءل قائلاً: «لماذا لم تقم حكومتنا بأيّ خطوة جريئة على هذا المستوى؟ ألم يكن الأجدر توظيف العائدات الإضافية في إجراءات متناسقة وقوية وذات أثر إيجابي وملموس: جزءٌ لدعم المقاصة، وجزءٌ لتمويل الورش الاجتماعي، وجزءٌ لتقديم دعمٍ مباشر للأسر الفقيرة ومنعدمة الدخل؟».
وتابع أن الحكومة تتحجج بأن الميزانية ستتأثر سلباً بل قد يتم إغراقها بنفقاتٍ إضافية في ظل موارد غيـر كافية. لكنه رد على هذا المبرر بكون الحكومة كان لها الحظُّ في تحسّن أداء قطاعات بعينها كالمداخيل الضريبية وعائدات المغاربة في المهجر والقطاع السياحي الذي يتعافى، فضلاً عن تحسن الأداء المرتبط بالفوسفات. وأكد أن لدى الحكومة مصدراً أكيداً لتمويل كل البرامج الاجتماعية، بما فيها ورش الحماية الاجتماعية وإصلاح الصحة والتعليم ودعم الأسر مادياً؛ وليس عليها سوى أن تتملك الجرأة السياسية للتوجه رأساً إلى حيث يوجد المال، وهذا المصدر حسب القيادي بنعبد الله ـ هو أولاً الشركات الكبرى التي تحقق أرباحاً «مهولة» من وراء الأزمة وبسببها، ومنها شركات المحروقات والاتصالات وغيرها. كما دعا، من جهة ثانية، الحكومة إلى أن تُباشر الإصلاح الضريبي، وإيجاد السبيل لتغيير وِجهة المليارات من خزائن المتملصين والمتهربين من الضريبة نحو خزينة الدولة.
وبقدر ما انتقد الأمين العام لـ «التقدم والاشتراكية» أداء الحكومة الذي وصفه بكونه «مخيباً للآمال»، بقدر ما أعرب عن «حيرته» من «غياب الخطاب السياسي والديمقراطي والحقوقي والمساواتي، ومن تَوَارِي خطاب إصلاح الفضاء السياسي، رغم من أنّ معظم تلك الإصلاحات لا تتطلب ميزانيات ولا نفقات، بقدر ما تتطلب الإرادة والجرأة السياسيتين».
واستنتج أن الوضع يقتضي بديلاً ديمقراطياً تقدمياً متكاملاً، تتوازى وتتكامل فيه الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية بشكل خلاَّق مع الارتكاز على المكتسباتِ في جميع هذه المستويات. كما يتعين ـ وفق المتحدث نفسه ـ وضع الإنسان فعليّاً في قلب المسار التنموي، من خلال تطبيق الدلالات والمضامين الحقيقية لمفهوم الدولة الاجتماعية، بما تعنيه من إعلاء لدور الخدمة العمومية، وللمدرسة العمومية والمستشفى العمومي تحديداً، وتوزيعٍ عادل للخيرات، وتوفير لشروط إنجاح ورش الحماية الاجتماعية.