انتقادات واسعة للجزائر حول تدهور وضعية الحقوق والحريات

حنان الفاتحي

لم تكف مرافعات وزير العدل الجزائري عبدالرشيد طبي لصالح بلاده في جلسات المجلس الأممي لحقوق الإنسان بجنيف لإقناع مختلف الأطراف التي وجهت انتقادات شديدة للسلطات الجزائرية حول العديد من الممارسات التي باتت مصدر قلق حقيقي للمنظمات والهيئات الحقوقية في الداخل والخارج، خاصة فيما يتعلق بوضعية الحريات وحقوق الإنسان.

وجهت الأطراف المشاركة في اجتماعات المجلس الأممي لحقوق الإنسان المنعقدة بجنيف انتقادات شديدة للسلطات الجزائرية التي تتعرض للمساءلة للمرة الرابعة في السنوات الأخيرة، على خلفية ممارسات تتنافى مع الخطاب المسوق من طرف السلطة، ومع النصوص والتشريعات الدولية الناظمة لحقوق الإنسان.

ودعا المتدخلون السلطات الجزائرية إلى مراجعة العديد من المسائل المتصلة بالحريات الإعلامية والسياسية والدينية، والتضييق على الناشطين المعارضين وعمل الجمعيات، فضلا على بعض النصوص القانونية المستحدثة والتي وظفت الحرب على الإرهاب واستتباب الأمن والاستقرار لأغراض قمع الحريات.

الخطاب الذي حمله وزير العدل إلى جنيف لم يغير من المعطيات المتوفرة لدى الهيئة الأممية، خاصة في الآونة الأخيرة

ونفى وزير العدل الجزائري وجود معتقلي رأي في بلاده، امتدادا لخطاب السلطة المعتمد، حيث سبق للرئيس عبدالمجيد تبون أن صرّح بالقول إن “معتقلي الرأي كذبة القرن.. لا وجود لمساجين رأي في الجزائر، وما يثار هنا وهناك متعلّق بسجناء قانون عام وترتبط بهم قضايا السب والشتم وإهانة المؤسسات الرسمية”.

كما شدد طبي على أن ما يتردّد حول توظيف نصوص قانونية من أجل القمع والتضييق على الحريات وملاحقة الناشطين السياسيين، هو حملات توظف لأغراض سياسية، لأن الهدف منها هو المحافظة على أمن واستقرار البلاد والوحدة الوطنية.

غير أن الخطاب الذي حمله ممثل السلطة إلى جنيف لم يغيّر من المعطيات المتوفّرة لدى الهيئة الأممية، خاصة في الآونة الأخيرة، حيث تم الاستماع إلى مداخلات لناشطين سياسيين معارضين للسلطة، واستقبال زعيم التنظيم الموصوف بـ”الانفصالي” فرحات مهني في جلسة مناقشة الملف الجزائري.

وصنّفت الجزائر الناشط المذكور والتنظيم الذي يقوده “حركة ماك”، في خانة الكيانات الإرهابية، وصدرت في حقه أحكام قضائية مشددة، فضلا عن مذكرات توقيف دولية، وهو ما يكرّس عدم اقتناع أطراف الهيئة بالمقاربة التي ترفعها السلطات الجزائرية في التعاطي مع الوضع الحقوقي والسياسي بالبلاد.

ودعا ممثل الولايات المتحدة لدى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الجزائر إلى “تكييف تشريعاتها الوطنية مع معايير حقوق الإنسان، وأوصت واشنطن الجزائر بمراجعة العديد من مواد قانون العقوبات، بما في ذلك المادة 87 مكررا، التي تحتوي على تعريفات غامضة للإرهاب”.

كما دعا إلى “مراجعة قانون الجمعيات 12/06 الذي يحدّ من حرية تكوين الجمعيات، كما طالبت بالإفراج عن جميع سجناء الرأي والصحافيين المسجونين بسبب أنشطتهم المهنية، ووقف المضايقات ضدهم”.

وتمّ توجيه تهمة تتعلق بالإرهاب للإعلامي ومالك مؤسسة “راديو أم”، وموقع “مغرب إيمرجانت” إحسان القاضي، خلال هذا الأسبوع، وذلك على خلفية واقعة جائزته للصحافة الاستقصائية إلى ناشطين في الحراك الشعبي، لتكون بذلك ثاني تهمة توجه له في هذا الشأن، بعد المقال الذي تحدث فيه عن حركة “رشاد” كمكوّن اجتماعي وسياسي في المجتمع الجزائري.

ولم تعد وضعية الحقوق والحريات بالجزائر مصدر قلق للمنظمات والجمعيات المختصة فقط، بل تعدّتها إلى مختلف الوفود الرسمية الأعضاء في المجلس الأممي لحقوق الإنسان، حيث تواترت الانتقادات في مختلف المداخلات التي دعت السلطات الجزائرية إلى مراجعة الممارسات والنصوص التشريعية بشكل يحترم المبادئ الأساسية للحقوق والحريات.

 

ملف حساس يرهق النظام الجزائري
ملف حساس يرهق النظام الجزائري

 

وأعربت عدة وفود عن قلقها عمّا أسمته بـ”انتهاكات حقوق الإنسان في الجزائر”، على غرار الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا والشيلي، والمكسيك من بين هذه الدول ألمانيا وفرنسا وتشيلي وفنلندا.. وغيرها.

وأجمعت المداخلات على ضرورة مراجعة النصوص التشريعية التي تحوّلت إلى غطاء لممارسة القمع والتضييق على الحريات السياسية، والتمطيط في الإيقاف، والتضييق على حرية التعبير والصحافة، فضلا عن سجن العشرات من الناشطين المحسوبين على الحراك الشعبي.

وأعرب الوزير الجزائري أن بلاده “مستعدّة للمزيد من التعاون مع الهيئات والمنظمات الحقوقية، وأنها ستستقبل في العام القادم المقرّر الأممي لحرية التظاهر السلمي وتأسيس الجمعيات والنقابات، وأن مصلحة البلاد في الأمن والاستقرار والوحدة لا يمكن أن تكون محلّ مزايدة تحت يافطة حقوق الإنسان”.

وأوصت ممثلة دولة المكسيك الوفد الجزائري بملاءمة قانون الاجتماعات العامة والمظاهرات مع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية”. كما أكدت على ضرورة تنقيح المادة 87 مكررا لجعلها تحترم حقوق الإنسان، ونفس الشيء بالنسبة إلى قانون الأسرة.

أما ممثلة دولة لكسمبرغ فقد طالبت بدورها بإزالة جميع العقبات التي تحدّ من حرية التعبير ومجال عمل المدافعين عن حقوق الإنسان، وأوصت بتعديل التشريع الجزائري لجعله أكثر انسجاما مع مبادئ حقوق الإنسان، كما دعتها إلى التصديق على نظام روما الأساسي وانضمام الجزائر إلى المحكمة الجنائية الدولية.

وأوصت ليتوانيا وألمانيا وأستراليا والسويد والنرويج وهولندا وفنزويلا، الجزائر بمراجعة أداء المجلس الوطني لحقوق الإنسان حتى يتمكّن من أداء دوره بالكامل الذي حدده نظام باريس الأساسي، فضلا عن مراجعة المادة 87 مكررا من القانون الجنائي وإقرار المساواة بين الجنسين، كما أعرب هؤلاء عن قلقهم بشأن التعدّي على الحريات وانتهاك حقوق الإنسان.

اترك رد

%d مدونون معجبون بهذه: