تدفع تركيا بقوة من أجل تعزيز موقعها في الجزائر عبر استغلال فرصة قانون الاستثمار الجديد بالاستحواذ على فرص الاستثمارات الحكومية المفتوحة، وتجسيد طموح أنقرة لتصبح الشريك المفضل والموثوق للجزائر، فضلا عن تأمين حاجياتها من النفط والغاز في ظل المنافسة الشديدة بين المستهلكين الكبار، ووضع قدم على أرض صلبة للتمدد في المنطقة المغاربية وأفريقيا، خاصة وأن الجزائر أبدت تمسكها بعلاقاتها مع الأتراك رغم تحفظ دول عربية على ذلك كما ظهر في القمة العربية الأخيرة.
وأعلنت الرئاسة الجزائرية استقبال الرئيس عبدالمجيد تبون لوزير الطاقة التركي فاتح دونماز الذي سلمه رسالة من نظيره التركي رجب طيب أردوغان، ولم تفصح عن مضمون الرسالة، غير أنه لا يستبعد أن تكون قد حملت تأكيدا على تعزيز الشراكة والتعاون بين البلدين في مختلف المجالات، بما فيها مجالات السياسة والطاقة والدفاع بحسب ما أعلن الوزير التركي في المؤتمر الصحفي الذي عقده بحضور نظيره الجزائري محمد عرقاب.
وذكر الوزير التركي في تصريحه أن “التعاون الاقتصادي والتجاري والسياسي والثقافي بين تركيا والجزائر اكتسب زخما، وأن إرادة حكومتي البلدين ورجال أعمالهما وتصميمهما متواصلان حيال تطوير هذه العلاقات”، وهي رسالة واضحة على “رغبة تركيا في توسيع الشراكة بين الطرفين، بما فيها المجالات الحيوية كالدفاع والتسليح والطاقة”.
ويبدو أن تركيا المرشحة لصدارة الشركاء الاقتصاديين مع الجزائر، بصدد تثبيت روابطها في مجال الطاقة بالموازاة مع القطاعات الأخرى، تحسّبا للتطورات التي يعيشها القطاع منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية مطلع العام الجاري، ولذلك ركز الوزير التركي على بحث ملفات التعدين والطاقة والاقتصاد مع المسؤولين الجزائريين الذين التقى بهم بمناسبة منتدى الاستثمار في الجزائر.
وأبدى دونماز انفتاح بلاده على مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية التي بإمكانها تحقيق طموح أردوغان وتبون لرفع سقف التبادل بين البلدين إلى عشرة مليارات دولار. ويبدو الاهتمام منصبّا في الظرف الراهن على الطاقة والدفاع، كنتيجة للتطورات التي يعرفها العالم، فأنقرة تريد الاطمئنان على إمدادات الطاقة من شريكها في شمال أفريقيا، والجزائر بدورها تريد الاستفادة من تكنولوجيا السفن الحربية والطائرات المسيرة.
وألمح تقرير لوكالة الأناضول الرسمية التركية إلى رغبة أنقرة في توسيع مشروع الامتداد التركي في المنطقة والقارة الأفريقية عموما انطلاقا من الجزائر، وإلى رغبتها في منافسة القوى الكبرى في معركة الصراع على النفوذ في القارة السمراء.
ولفت التقرير بشكل أدق إلى تركيز الأنظار الأوروبية على مصادر الطاقة في أفريقيا، الأمر الذي يضع المنتجين على غرار الجزائر ونيجيريا وأنغولا تحت مجهر الأتراك الذين يعملون على المتابعة الدقيقة، وعدم تفويت الفرصة للدخول على خط المنافسة انطلاقا من الجزائر.
وذكر الوزير التركي في هذا الشأن أنه “لا يعمل رفقة نظيره الجزائري فقط على تقييم مجالات الطاقة والتعدين ولكن أيضا القضايا الاقتصادية الأخرى من أجل الوصول إلى سقف عشرة مليارات دولار كتبادل بين البلدين”.
ولفت وزير الطاقة الجزائري من جانبه إلى أنه “بحث مع نظيره التركي تطوير وتنفيذ كافة المشاريع التي تم تحديدها في اللجنة الاقتصادية المشتركة، ومشاريع في مجال البترول والمنتجات النفطية والتعدين”.
وأكد أنه “ستتم مناقشة سبل تأسيس شركة جزائرية – تركية، ستكون الأولى في مجال تطوير المناجم، بين الوكالة الوطنية للجيولوجيا والتحكم في التعدين الجزائري، ووكالة أبحاث واستكشاف المعادن التركية، وأن العلاقات بين سوناطراك الجزائرية وبوتاش التركية متينة وجيدة”.
وأشار الوزير الجزائري إلى تمديد العقود بين سوناطراك وبوتاش التركية، كما أن الشركات التركية درست أيضا فرص القيام باستثمارات مشتركة في قطاع المحروقات مع سوناطراك.
وأشار تقرير الأناضول إلى خطوط الغاز الجاري تشييدها انطلاقا من نيجيريا إلى أوروبا، سواء الذي يربطها بالمغرب أو الخط الذي يمر بالجزائر، وحتى من ليبيا، التي تكون قد تلقت ضمانات من أنقرة لتنفيذ خط الغاز بينها وبين نيجيريا، الأمر الذي يعطي الانطباع بأن تركيا، التي تريد تجديد عقود الطاقة مع الجزائر، تبحث عن فرص موازية لدخول المنافسة إذا مرّ الخط عبر الجزائر أو ليبيا.
وينتظر أن تصل إلى ميناء علي آغا غربي تركيا اليوم الجمعة سفينة قادمة من الجزائر محمّلة بالغاز الطبيعي المسال، في خطوة تكرس تجديد عقد التزويد وتعزيز التعاون في مجال الطاقة بين البلدين.
وتسعى الحكومة الجزائرية إلى إعطاء دفع جديد للاستثمارات الاقتصادية الأجنبية، من خلال القانون الجديد للاستثمار الذي خص رأس المال المحلي والأجنبي بمزايا ومحفزات للشركات الأجنبية، وهي تعوّل على التقارب بين تبون وأردوغان للاستفادة من الاستثمارات التركية، وهو ما يتم طرحه في مختلف فعاليات الاستثمار في الجزائر.
وكانت الزيارة التي قادت الرئيس الجزائري إلى تركيا خلال شهر مايو الماضي قد توجت بإبرام 15 اتفاقية بين البلدين تشمل مختلف القطاعات بما فيها المجالات الحيوية كالتسليح وصناعة السفن الحربية والطائرات المسيرة والطاقة والمعادن، وغيرها.
وذكر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار أن “التعاون بين تركيا والجزائر سيقدم إسهامات هامة للسلام في المنطقة وليس فقط للبلدين وقواتهما المسلحة”، في تلميح إلى الأغراض الدفاعية وابتعادها عن الصراعات الإقليمية.