كشفت ندوة نظمها مرصد الصحراء للسلم والديمقراطية وحقوق الإنسان بجنيف، بشراكة مع منظمة تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية (غير حكومية)، جوانب من السجل الأسود لأوضاع حقوق الإنسان بالجزائر والفجوة الكبرى بين الخطاب والممارسة على مستوى تنفيذ الالتزامات الدولية للبلد.
وخلال الندوة التي احتضنها قصر الأمم المتحدة، تزامنا مع مسلسل الاستعراض الدوري الرابع للجزائر، اعتبر بيورن هولتين، المستشار السياسي السويدي والخبير في الشؤون الإفريقية، أن الجزائر تشكل نموذجا في شمال إفريقيا لدولة متملصة من واجباتها والتزاماتها بحكم العديد من القضايا العالقة وعدم التجاوب مع الآليات الدولية.
وتناول الخبير السويدي، الذي أدار الندوة، التفاعل الكمي للجزائر مع فعاليات الاستعراض الدوري الرابع، حيث أبرز أنها توصلت بـ 229 توصية تهم النهوض بحقوق الإنسان، لم توافق إلا على 113 منها، واصفا المؤشرات حول الوضع الحقوقي في الجزائر بأنها “مقلقة”.
وقدمت رئيسة المرصد، عائشة الدويهي، محاور التقرير الذي أعدته المنظمتان برسم الاستعراض الدوري للجزائر، والذي يسجل انتهاكات ويقدم توصيات على مستوى 6 محاور تشمل: 1- التعاطي مع المعايير الدولية، 2- حرية الرأي والتعبير والتجمع، 3- الإعدامات خارج القانون والإفلات من العقاب، 4- وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على تراب تندوف، 5- حماية الأطفال ضد الاستغلال ،6- شروط اللجوء وسيادة القانون.
ولاحظت الدويهي أن الجزائر ترفض التعامل بإيجابية مع الزيارات الأممية إلى تندوف، ولا تبدي انفتاحا على آليات الرقابة الدولية، كما أنها تواصل رفض المصادقة على اتفاقيات دولية رئيسية.
وعلى صعيد الممارسة، قالت الناشطة الحقوقية إن عدم استقلالية القضاء تفتح الباب أمام ملاحقات قضائية ممنهجة تطارد الناشطين السياسيين والصحفيين الذين كثيرا ما يجدون أنفسهم في مواجهة تكييف واسع لمفهوم الجريمة الإرهابية، يفضي بهم إلى المتابعة والاعتقال.
وفي ما يخص الوضع في مخيمات تندوف، نبهت عائشة الدويهي إلى خطورة ممارسة الإعدامات التعسفية التي ترتكبها عناصر أمنية جزائرية في حق ضحايا من ساكنة تندوف، بينما تتملص الجزائر من مسؤوليتها عن حماية هؤلاء الضحايا وزجر المرتكبين.
ولاحظت في هذا السياق أن المخيمات توجد خارج مدار الخدمات الأساسية رغم التمويلات الكبرى الموجهة لدعم قطاعات مثل السكن ومختلف المشاريع الاجتماعية، والتي يتم تحويلها، وفقا لما أكدته تقارير دولية عديدة، مؤكدة أن التمتع بالحقوق الأساسية حظوة يختص بها الأفراد المقربون من قيادات الجبهة الانفصالية.
وخلصت رئيسة المرصد إلى أنه ما من تقدم محرز في معالجة أوضاع اللاجئين وتنفيذ التوصيات التي قبلتها الجزائر في الاستعراض السابق لسنة 2017.
من جهته، سلط هانس نوت، عضو مجلس منظمة “حقوق الإنسان بلا حدود” ببروكسيل، الضوء على الوضع الاستثنائي السائد في مخيمات تندوف المحرومة من تطبيق بنود الاتفاقية الدولية للاجئين، في غياب إحصاء للساكنة وفي ظل مناخ من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ترتكب أمام أعين الجزائر كدولة مضيفة تتحمل مسؤولية توفير الحماية لهذه الساكنة.
وقدم هانس نوت قراءة في اختلالات الوضع الحقوقي بالجزائر، خصوصا ما يخص النساء، مشيرا إلى تعرضهن لآفة العنف الجنسي رغم صدور قانون يجرم هذا العنف، معربا عن استغرابه لعدم تضمن قانون الأسرة لأي إشارة تخص العنف المنزلي. ولاحظ في هذا السياق أن التشريع الجزائري لا يوفر الحماية الفعلية لضحايا الاغتصاب.
وعمد الخبير إلى مقاربة الوضع النسائي في امتداده داخل مخيمات تندوف، متوقفا بشكل دقيق عند تهمة الاغتصاب التي تواجه رئيس جماعة “البوليساريو”، المدعو إبراهيم غالي، من قبل السيدة خديجتو محمد، التي تعرضت للاعتداء وهي في سن الثامنة عشر. وسجل بأسف أن السلطات الجزائرية لم تحرك ساكنا تجاه تظلمات الضحية.
وتشمل توصيات المنظمتين بخصوص الاستعراض الدوري للجزائر عدة محاور منها فتح باب زيارة المخيمات في وجه الجمعيات الحقوقية وفتح تحقيق بخصوص حالات الاختطاف والاختفاء القسري، والسماح بتأسيس الأحزاب والمنظمات غير الحكومية بمخيمات تندوف.
كما دعت التوصيات إلى وقف الاضطهاد القانوني للمدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والإفراج عن المحتجزين، ورفع حالة الطوارئ في المخيمات والعمل على إيصال المساعدات إلى المستهدفين بها في تندوف والتعجيل بإحصاء ساكنتها واعتماد إطار تشريعي لتنزيل الاتفاقية الخاصة باللاجئين.