تزايدت حدة الانتقادات الموجهة إلى الحكومة المصرية في ملف حقوق الإنسان بالتزامن مع استضافة قمة المناخ “كوب 27” التي انطلقت الأحد وتستمر حتى الثامن عشر من الشهر الجاري بمدينة شرم الشيخ، حيث تعالت الأصوات المطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي والنشطاء السياسيين والحقوقيين، واحتل الملف أولوية لدى حكومات ومنظمات وشخصيات غربية ومحلية.
وبدت آمال نشطاء المناخ الذين استعدوا مبكرا للاحتجاج أثناء فترة انعقاد القمة متراجعة بعدما أصبح صوت مناصري الحريات عاليا واستحوذ على جانب من اهتمام عدد من القادة والمؤسسات الدولية، ما جعل الحكومة المصرية في وضْع حرٍج، لأنها سعت إلى استغلال الحدث لترويج مرونتها في ملف المعتقلين.
وذكرت الأمينة العامة لمنظمة العفو الدولية أنياس كالامار أن المنظمة وثقت التحقيق مع 1540 شخصا في مصر خلال الأشهر الستة الأخيرة، مقابل الإفراج عن 766 شخصا خلال نفس الفترة، مضيفة “مع ذلك نحن نرحب بحالات إطلاق السراح، وسيكون هناك مؤتمر صحفي خلال قمة المناخ حول أوضاع حقوق الإنسان في مصر”.
وأشارت في مؤتمر صحفي بمقر المبادرة المصرية للحقوق الشخصية الأحد إلى تركيز الجهود في الحملات الدعائية للإفراج عن 12 سجينا وذكرتهم بالاسم.
وتعتزم الحكومة استيعاب الموقف ومن غير المتوقع أن تدخل في صدام مع المنظمات الحقوقية أثناء قمة المناخ أو بعدها بالنسبة إلى الأسماء المعلن عنها لأن غالبيتهم يحاكمون في قضايا تم الحكم فيها، وبعضهم من المنتمين إلى جماعة الإخوان التي تصنفها القاهرة على أنها إرهابية، ومتهمون في قضايا مرتبطة بالإخلال بالأمن القومي للبلاد.
وانتقدت لويز أمتسبرغ مفوضة الحكومة الألمانية لحقوق الإنسان الأوضاع الحقوقية في مصر، معتبرة أنها لا ترقى إلى مستوى “المسؤولية الخاصة” للبلد الذي يستضيف مؤتمر المناخ، داعية بشكل خاص إلى الإفراج عن الناشط علاء عبدالفتاح ومحاميه محمد الباقر، حيث قالت أمتسبرغ “لن ننجح في السيطرة على أزمة المناخ إلا بتبادل منفتح للأفكار”.
وأكد رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك التزام حكومته بحل قضية الناشط علاء عبدالفتاح، ومواصلة الضغط على القاهرة لأجل ذلك، مؤكدا أنه يتابع حالته عن كثب وسط القلق من تدهور صحته وتعهد بمناقشة ملف حقوق الإنسان مع الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال قمة المناخ للوصول إلى حلول جذرية ترتبط بسجناء الرأي.
ودعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن مصر إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين بالتزامن مع قمة المناخ، مشيرا في اتصال هاتفي مع نظيره المصري سامح شكري إلى أن “التعاون بين البلدين يتعزز بإحراز تقدم ملموس في مجال حقوق الإنسان”، ما يعني أن تقارب واشنطن مع القاهرة مرهون بالملف الحقوقي.
◘ دوائر سياسية مصرية تشعر بما يشبه “التربص” بالحكومة عبر توظيف ملف حقوق الإنسان بشكل ممنهج في حدث دولي مهم
وتشعر دوائر سياسية مصرية تحضر مؤتمر شرم الشيخ بما يشبه “التربص” بالحكومة عبر توظيف ملف حقوق الإنسان في حدث دولي بشكل ممنهج، وإثارة قضايا الحريات بطريقة توحي بأنها محور الأزمات في مصر، وأن هناك من يسعون لتحويل قمة المناخ إلى حدث سياسي تام وسجال حقوقي وليس بيئيا.
وتتعامل القاهرة مع قمة شرم الشيخ بحرص وتأمل في نجاحها وتقديم صورة سياسية جيدة، حيث وظّفت إمكانيات كثيرة لذلك، وجرى تخصيص منطقة للتظاهرات ووضع ضوابط قانونية صارمة، وتم السماح للنشطاء بالاحتجاج بالتزامن مع عقد جلسات القمة لتبدو مصر بلدا منفتحا وحريصة على تطبيق معايير الحريات وحقوق الإنسان.
ورأى نجاد البرعي الناشط والمحامي الحقوقي المعارض أن الحكومة المصرية لا يجب أن تكون ممتعضة من فتح ملف حقوق الإنسان بالتزامن مع قمة المناخ، وعلى العكس هي مطالبة بأن تتقبّل النقد بصدر رحب، لأنها بذلك ستقدم عن نفسها صورة مغايرة لتلك التي تُصدّر ضدها، إذ تسعى فعلا لتحسين وضعها الحقوقي.
وأضاف لـ”العرب” أن مصر تحتاج إلى المزيد من الإجراءات لدحض الانتقادات التي تطالها في ملف الحريات.
وسبق قمة المناخ قيام السلطات القضائية في مصر بالإفراج عن حوالي ألف من النشطاء والمحبوسين على ذمة قضايا بناء على توصيات قدمتها لجنة العفو الرئاسي.
وأطلقت 12 منظمة حقوقية مصرية عريضة إلكترونية لجمع توقيعات للضغط على الحكومة خلال قمة المناخ بفتح الفضاء المدني وإطلاق سراح المحتجزين دون وجه حق، على اعتبار أن تجاهل تسليط الضوء على أزمة حقوق الإنسان في خضم الحدث الدولي يثير تواطؤ الدول المشاركة مع القاهرة ويشجع على المزيد من الانتهاكات.
ويضع تصعيد ملف حقوق الإنسان القاهرة تحت ضغوط دولية قد تعرقل تحقيق أهدافها من تنظيم قمة شرم الشيخ، لكنها ستكون محل انتقادات محلية إذا استجابت وأفرجت عن سجناء بعينهم، لأنها ستبدو قليلة الحيلة وموجهة وضعيفة، وهي النبرة التي يرفضها الرئيس السيسي ويتعامل معها بحساسية شديدة.
ويقول مراقبون إن القاهرة لن تستجيب بسهولة للمطالبات المرتبطة بحقوق الإنسان، حيث تتمسك بالظهور في موضع قوة وعدم الرضوخ للضغوط المعنوية الموجهة إليها.
وشدد الرئيس السيسي أكثر من مرة على استقلال القرار المصري وعدم التدخل في شؤون القضاء، وهي من الرسائل المتوقع أن يعاد تكرارها إذا تم طرح قضية حقوق الإنسان بمصر في أيّ من الجلسات التي ستعقد على هامش قمة المناخ.
وانتقد معارضون في مصر توسع أجهزة الأمن في القبض على نشطاء سياسيين وأصحاب رأي بالتزامن مع دعوات إخوانية لتنظيم احتجاجات يوم الجمعة المقبل، فيما يرى مناصرون للنظام المصري أن القبضة الأمنية في هذا التوقيت مطلوبة، لأن جماعة الإخوان تعمل على إثارة المنغصات السياسية ضد القاهرة تزامنا مع قمة المناخ.
ويرى قريبون من الحكومة أن الإفراج عن سجناء الرأي والمحبوسين سياسيا وإرخاء قبضة السلطة ضرورة لتجنب استمرار الصورة السلبية، لأن أجهزة الدولة قوية ولديها أدوات الحفاظ على الأمن والاستقرار، لكن الأزمة تكمن في اقتناع الحكومة أن الإفراج عن دفعات متتالية من السجناء يكفي لتحسين سجلها الحقوقي، وهي نظرة ضيقة قد تجلب المزيد من الضغوط، ومع الوقت يمكن أن تعجز عن تبرير مواقفها وإعادة تحسين صورتها مهما اتخذت من إجراءات إيجابية في هذا الملف.