يشكل النداء الذي توجه به رؤساء حكومات ووزراء خارجية أفارقة سابقون إلى الاتحاد الأفريقي بطرد جبهة بوليساريو خطوة ضغط جديدة لتصحيح الانحراف الذي حصل باعتراف المنظمة الأفريقية بكيان وهمي لا يملك أي مقوم من مقومات الدولة، ووجوده ضمن هذه المنظمة من شأنه أن يغذي الانقسامات والنزعات الانفصالية.
وجه رؤساء حكومات ووزراء خارجية أفارقة سابقون نداء رسميا يطالبون فيه بطرد جبهة بوليساريو الانفصالية من الاتحاد الأفريقي، وذلك على هامش انعقاد فعاليات المنتدى الدولي “ميدايز” بطنجة شمال المغرب.
وجاء النداء عقد انعقاد مائدة مستديرة بعنوان “الاتحاد الأفريقي في سياق قضية الصحراء المغربية”، وسجّل باهتمام أن “ثلثيْ الدول الأفريقية لا تعترف أبدا بالكيان الوهمي لجبهة بوليساريو، كما أن نصف بلدان القارة قد فتحت إلى حد الساعة قنصليات في العيون والداخلة”.
وشدد ستة عشر من رؤساء الوزراء ووزراء خارجية أفارقة سابقين في النداء، على أن انضمام بوليساريو إلى منظمة الاتحاد الأفريقي “انحراف تاريخي وسياسي وقانوني، لأن هذا الكيان الوهمي لا يفي بالمقومات والمعايير المقبولة في القانون الدولي والمشكلة للدولة، ويمثل عائقا أمام التكامل السياسي والاقتصادي للقارة”.
وأبرز رئيس وزراء جمهورية أفريقيا الوسطى السابق مارتان زيغيلي في تصريح صحافي بمناسبة إطلاق نداء طنجة ضمن المنتدى الدولي “ميدايز” الذي اختتم أعماله السبت أن “وجود ما يسمى بكيان ‘الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية’ داخل الاتحاد الأفريقي انحراف سياسي وقانوني، لأن هذا الكيان الوهمي لا يفي بالمقومات والمعايير المقبولة في القانون الدولي والمشكلة للدولة”.
وأكد نبيل الأندلوسي رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الإستراتيجية أن مطالبة شخصيات أفريقية وازنة بطرد جبهة بوليساريو من منظمة الاتحاد الأفريقي، هي من جهة بمثابة ترافع أفريقي لدعم قضية الوحدة الترابية للمملكة المغربية، ومن جهة أخرى تضييق للخناق على الأطروحة الانفصالية و”داعمها الرسمي” الممثل في النظام الجزائري.
ولفت الأندلوسي في تصريحات له إلى أن اتساع رقعة الدول الأفريقية الداعمة للطرح المغربي هو بمثابة صحوة ضمير، واستدراك لخطأ تاريخي تم بموجبه قبول عضوية كيان وهمي لا يتوفر على أي ركن من أركان الدولة في منظمة الوحدة الأفريقية (الاتحاد الأفريقي حاليا)، وما الدعوة إلى تصحيح الانحراف التاريخي إلا تأكيد على التوجه الأفريقي الذي يتعزز يوما بعد يوم، بفتح نصف الدول الأفريقية تقريبا لقنصليات لها بالعيون والداخلة، كما أن ثلثي الدول الأفريقية لا تعترف بالكيان الوهمي.
ويدعو “نداء طنجة” إلى “الطرد الواضح والنهائي” للكيان الوهمي من الاتحاد الأفريقي، معتبرا أن الكيان “مصطنَع فُرضَ على الاتحاد الأفريقي، ضد كل شرعية ومشروعية، كما أنه كيان مصطنع لا يخضع لأيّ عنصر من العناصر المكونة للدولة، أي الإقليم والسكان والحكومة الفعلية”، وهو ما يجعله حسب النداء “كيانا وهميا بلا سيادة وبدون مسؤولية قانونية دولية، وبدون قيمة مضافة لأنه يعيق فعالية الاتحاد الأفريقي”، لافتا إلى أنه “يهدد الوحدة الأفريقية والتكامل السياسي والاقتصادي، فضلا عن كونه يزعزع الاستقرار والأمن الإقليميين”.
وحسب رأي زيغيلي يجب استبعاد “الجمهورية الوهمية” من الاتحاد الأفريقي “لأسباب واضحة ومحددة، أي أنها ليست دولة، وأنها تشجع على الانقسام، أي الانفصال داخل الاتحاد الأفريقي”، مضيفا أن وجود هذا الكيان الوهمي “يعيق عمل الاتحاد الأفريقي ويقوض آفاق الوحدة الحقيقية للقارة على أسس مقبولة”.
وقال زيغيلي “ندعو بإلحاح رؤساء الدول الأعضاء في الاتحاد الأفريقي إلى عدم السماح لهذا الانحراف القانوني بالاستمرار داخل المنظمة القارية، الأمر الذي يشوه عمل الاتحاد الأفريقي والذي يبدو بالواضح أنه يشجع على الانفصال والانقسام”.
وأعرب وزير خارجية غينيا السابق مامادي توري بدوره عن دعمه لنداء طنجة “ليس فقط للإشادة بعودة المغرب التاريخية إلى الأسرة المؤسسة للاتحاد الأفريقي، ولكن أيضا لإثارة الانتباه وإبراز الانحراف الذي حدث”.
وشدد توري “نحن نطالب بتصحيح هذا الخطأ التاريخي، لأنه يشكل سابقة خطيرة في المنظمة، بل إن مصداقية المؤسسة القارية على المحك”.
من جهته أكد وزير الشؤون الخارجية السابق لجزر القمر فهمي سعيد إبراهيم الماسيلي أن “ما يسمى ‘الجمهورية الصحراوية’ الوهمية ليس لها أي وجود قانوني بالمعنى المقصود والواضح في القانون الدولي، وطرد هذا الكيان من الاتحاد الإفريقي لن يؤدي إلا إلى تعزيز وحدة أفريقيا”، مشددا على أن “أفريقيا اليوم تحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى المزيد من الوحدة والعمل سويا وبشكل مشترك وفق الرؤية الواحدة والتخلص من هذه الأمور التي لا داعي لوجودها”.
واعتبر رئيس المركز المغاربي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية أن عودة المغرب إلى الاتحاد الأفريقي مكنته من تصحيح مغالطات ومزاعم الدبلوماسية الجزائرية، واستغلال بوليساريو لسياسة المقعد الفارغ بعد انسحاب المغرب من المنظمة الأفريقية في ما سبق، منوها بأن الدبلوماسية المغربية مطالبة اليوم بتوضيح حقيقة الصراع والمشكلة المفتعلة بشأن الصحراء المغربية بالنسبة إلى الدول الأفريقية التي لا تزال منخدعة بخطاب تصفية الاستعمار، على قلتها.
ودعا “نداء طنجة” الذي وزع عقب المائدة المستديرة المنظمة من طرف معهد “أماديوس” إلى ضرورة “تصحيح الانحراف التاريخي والقانوني والمنحى السياسي المعكوس المتمثل في القبول غير القانوني وغير المشروع، ثم بعد ذلك الإبقاء غير المبرر للجمهورية الوهمية ضمن المنظمة القارية والتأثير العملي السلبي لذلك”.
وفي هذا السياق ذكر وزير الشؤون الخارجية والتعاون السابق ببنين جان ماري إيهوزو بأن “الكيان الوهمي المسمى ‘الجمهورية الصحراوية’ قد تم قبوله ضد كل التوقعات والانتظارات خلال اجتماع وزاري جمع المسؤولين عن الشؤون المالية”، متفقا مع وزير خارجية الصومال السابق محمد عبدالرزاق محمود بأنه قد حان الوقت لإصلاح ذلك، مؤكدين على أن تتحد أفريقيا وألا تنقسم إلى كيانات صغيرة.