دعا وفد برلماني فرنسي الأحد من الرباط إلى ضرورة “الخروج” من أزمة التأشيرات التي وتّرت العلاقات الفرنسية – المغربية منذ أكثر من عام.
ولا تخفي دوائر سياسية ونيابية مؤثرة في فرنسا امتعاضها من إصرار الحكومة الفرنسية على موقفها من منح التأشيرات للمواطنين المغاربة، خصوصا وأن هذا الأمر لا يخدم جهود الشراكة بين البلدين.
وقال نائب رئيس مجلس الشيوخ فانسان دولاهاي “ينبغي إيجاد حلول للخروج من هذا الوضع بسرعة”. وأضاف السيناتور عن الضاحية الباريسية أيسون خلال زيارة قام بها برلمانيون ونظمتها لجنة الصداقة الفرنسية – المغربية “يجب أن نحاول إيجاد طرق مقبولة للجميع”.
وأصدرت باريس قبل أشهر قرارا يقضي بتقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغرب والجزائر إلى حدود النصف، بما يشمل رجال أعمال وفنانين وطلبة، مبررة ذلك برفض البلدين استعادة مهاجرين غير نظاميين تريد باريس ترحيلهم.
ووصفت الرباط حينها القرار بـ”غير المبرر”. وحذر مثقفون، في نقاشات أثيرت حوله مؤخرا، من أنه “يعاقب” الفئات الوسطى للمجتمع المغربي المرتبطة أكثر من غيرها بفرنسا. وسعت وزارة الخارجية المغربية خلال الفترة الماضية إلى إقناع باريس بضرورة العدول عن قرارها، لكنها اصطدمت بممانعة من باريس حتى الآن.
وأثار هذا التشدد استياء على مواقع التواصل الاجتماعي ومقالات لاذعة في وسائل الإعلام، وأضعف العلاقات بين الرباط وباريس.
وأكد صلاح بوردي، رئيس اللجنة، خلال مؤتمر صحافي “التقينا رجالا ونساء مغاربة أصيبوا بالخيبة”. وأوضح أن “سياسة التأشيرات هذه ألحقت ضررا بالغا، لأنها شملت قسما كبيرا من المغاربة الناطقين بالفرنسية والأكثر قربا إلى بلدنا”.
وكررت الحكومة الفرنسية التي قدمت مؤخرا مشروع قانونها المتعلق باللجوء والهجرة، هدفها المتمثل في تنفيذ جميع التزاماتها بمغادرة الأراضي الفرنسية.
وقال السيناتور ميشيل داغبرت “يجب فصل مسألة التأشيرات عن قضية الالتزام بمغادرة الأراضي الفرنسية”، داعيا كذلك إلى “خطوة في الاتجاه الصحيح من قبل المغرب”.
وتتزايد الدعوات من الجانبين المغربي والفرنسي إلى الحد من “حرب التأشيرات” هذه، والتي لا تشكل حجر العثرة الوحيد بين الرباط وباريس.
وسبق وأن دعا الرئيس الفرنسي السابق فرنسوا هولاند الشهر الماضي إلى أهمية “إحياء” الشراكة بين فرنسا وبلدان المغرب الكبير، وخصوصا المغرب، مبديا تحفظات حيال قرار الحكومة الفرنسية بشأن التأشيرات.
وأعرب هولاند خلال مؤتمر حول مكافحة الرشوة في أفريقيا، والذي جرى تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس في التاسع عشر من أكتوبر الماضي، عن أسفه “لحالات سوء التفاهم التي يمكن أن تحدث أو تستمر، والقرارات التي يمكن ألا يتم تفهمها”، داعيا إلى “طرح المواضيع التي يمكن أن تجمعنا على الطاولة، واستبعاد تلك التي يمكن أن تفرقنا”.
الدعوات تتزايد من الجانبين المغربي والفرنسي إلى الحد من “حرب التأشيرات” هذه، والتي لا تشكل حجر العثرة الوحيد بين الرباط وباريس
ويرى مراقبون أن الأزمة الصامتة بين المغرب وفرنسا لا تنحصر فقط في مسألة التأشيرات، بل لها جذور أخرى في علاقة بموقف باريس من ملف الصحراء المغربية، الذي بدا مخيبا للآمال بالنسبة للقيادة المغربية.
ونجحت الدبلوماسية المغربية خلال السنوات الأخيرة في كسب دعم العديد من الدول الوازنة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، حيال رؤيتها للتسوية في هذا الملف، لكن باريس، التي تعد شريكا رئيسيا للرباط، تبدو مترددة في حسم موقفها، خشية المزيد من إغضاب الجزائر.
ومؤخرا اتخذت الرباط بعض الخطوات التي اعتبرها متابعون إشارات مغربية تحذّر من المنحى الذي يمكن أن تتخذه العلاقات بين الجانبين.
وعين العاهل المغربي قبل أيام سفير الرباط لدى فرنسا محمد بنشعبون مديرا عاما لصندوق محمد السادس للاستثمار، فيما بدا قرارا ضمنيا بسحب بنشعبون من مهمته الدبلوماسية في فرنسا، وذلك بعد انتهاء مهمة السفير الفرنسي.
وذكرت مصادر مطلعة أن قنوات الاتصال مستمرة بين البلدين بانتظار تعيين سفراء جدد في العاصمتين، ليحلا مكان السفيرين السابقين.
وقالت المصادر إن ماكرون والملك محمد السادس أجريا اتصالا هاتفيا في الأول من نوفمبر، حول زيارة دولة مخطط لها منذ فترة طويلة للرئيس الفرنسي، بحلول نهاية العام أو بداية عام 2023. ولم يتم تأكيد الاتصال أو نفيه رسميا.