لم يبق لدى طهران مزاعم كاذبة تبرر به موقفها ودعمها لجبهة بوليساريو بطائرات مسيّرة، كما فعلت في اليمن حينما دعّمت الحوثيين وما زالت. وفي أوكرانيا أيضا بتزويدها الجيش الروسي بطائرات مسيّرة لدك مواقع أوكرانية حساسة. بيد أن التدافع الأيديولوجي الإيراني تزداد وتيرته هذه الأيام، في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم إلى الحرب الروسية – الأوكرانية.
هذا الاضطراب السياسي المعهود من إيران منذ حقبة الشاه، آخذ في التفاقم كما تشير المعطيات. نذكر على سبيل المثال لا الحصر، قمع ثورة النساء بعد مقتل مهسا أميني الفتاة الكردية في سجون أجهزة القمع في إيران، والدعم الإيراني لمنظمة حزب الله في لبنان، وحماس في فلسطين، إلى جانب دعمها لنظام الأسد بعد أحداث الربيع العربي من خلال وجود قواتها المسلحة والبعثات الدبلوماسية وغيرها على الأرض السورية.
هذه الوقاحة السياسية الإيرانية حلقت بأجنحتها في فضاء الرباط الرحب، من خلال دعم حركة التشيع في المغرب العربي، واستهداف هوية الشعب المغربي الراسخة ووحدة عقيدته ومذهبه، وأيضا عبر تسليحها لجبهة بوليساريو وتزويدها بالطائرات المسيّرة.
◘ إيران بعتادها العسكري ونفطها وقفت حائرة أمام الوعي العربي، ورفضه لمنهج التشيع كما فعل العرب في فترة المد الصفوي
الأزمات المتتابعة التي تفتعلها طهران ضد المغرب وغيرها من الدول، تقف خلفها دوافع عديدة، حيث تمثل العلاقة مع المغرب بالنسبة إلى إيران ركيزة أساسية لمد التيار الشيعي والزحف إلى المغرب العربي برمته، ومن ثم منطقة الساحل والصحراء وعموم أفريقيا.
هنا تنبغي الإشارة إلى أهمية القارة الأفريقية بالنسبة إلى الأطماع الإيرانية، ويبدو ذلك جليا من خلال حجم الزيارات لبعض المسؤولين الإيرانيين إلى القارة. وكانت إيران قد استطاعت عام 2010 عقد مؤتمر للتقارب الفكري بين إيران وأفريقيا، حضره أكثر من 30 دولة من القارة السمراء، والهدف هو كسب ود الأفارقة. لكنها أخفقت ولم تحقق نجاحا يذكر.
رغم تحسن العلاقات بين المغرب وإيران في خمسينات القرن الماضي وستيناته وسبعيناته، إلا أنها لم تستمر، ولم تبق على ما يرام طول الوقت. لقد زار محمد رضا بهلوي وزوجته المغرب في عام 1964، وبالمثل رد ملك المغرب الراحل الحسن الثاني الزيارة إلى طهران، فضلا عن حضور الشاه المؤتمر الأول للقمة الإسلامية في المغرب. وانتهى الوئام بين البلدين بعد ثورة 1979 والتي أطاحت بنظام الشاه، لتبدأ مرحلة أخرى من التباعد مع خروج الشاه من إيران، ومروره بالمغرب، بعدما تخلت عنه الولايات المتحدة حليفته الإستراتيجية، ليحتضنه السادات في مصر حيث مات ودفن هناك. واتهمت طهران حينها المغرب بتقديم المساعدة للشاه قبل رحيله ليستقر في مصر، وساءت العلاقات إثر ذلك بين البلدين حتى وصلت إلى طريق مسدود.
لا شك أن المصالح التوسعية لإيران على الصعيد الأيديولوجي والسياسي واضحة، وبعد نجاح ثورة الخميني المدعومة أميركيا وفرنسيا، بدأ الخميني في توجيه الإعلام الإيراني لدعم جبهة بوليساريو، كما دافع عن خطاب الجبهة الداعي إلى الانفصال عن المغرب. ولاحقا أعلنت إيران رسميا دعمها لحق تقرير المصير لجبهة بوليساريو. وردا على هذا الموقف العدائي الداعم للجبهة استدعت الرباط بعثتها الدبلوماسية في طهران.
◘ الاضطراب السياسي المعهود من إيران منذ حقبة الشاه، آخذ في التفاقم كما تشير المعطيات. نذكر على سبيل المثال لا الحصر، قمع ثورة النساء بعد مقتل مهسا أميني
العلاقة بين البلدين لم تستقر يوما، وكانت دائما بين مد وجزر. إلا أن إيران حرصت على إبقاء شعرة معاوية حتى لا تفقد ورقة أفريقيا من يدها، لتعود العلاقات بينهما في عهد الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني عام 1991 على هامش القمة الإسلامية في دكار العاصمة السنغالية، التي أعلن خلالها عن استئناف العلاقات بين البلدين.
رغم كل ذلك، حالت القيود الخارجية دون بسط المفهوم الفكري لولاية الفقيه، فثمة خلاف كبير داخل المصفوفة الشيعية الواحدة حول كيفية شيعنة العالم العربي برمته. بهذا القدر من المحاولات نستطيع القول إن إيران بعتادها العسكري ونفطها وقفت حائرة أمام الوعي العربي، ورفضه لمنهج التشيع كما فعل العرب في فترة المد الصفوي.
واهم من يظن أن أفريقيا بمنأى عن الجهود المبذولة من إيران لتصدير ثورتها، كما تفعل مع دول الخليج العربي وسوريا ولبنان، وتحاول قدر الاستطاعة مع الأردن، لكنها فشلت حتى الآن في التغلغل بالوعي العربي رغم ما عاثته فسادا في سوريا من قتل ودمار وخراب.
وراء الأكمة ما وراءها. الدعم الإيراني لبوليساريو هدفه خبيث، حيث تستغل طهران الخلاف القائم بين الجزائر والمغرب حول الصحراء لتوسع من هيمنتها وتبسط نفوذها على البلدان الأفريقية مستغلة الخلافات بين تلك الدول، وفي نفس الوقت تتطلع إلى المحيط الأطلسي كهدف إستراتيجي تسيطر على جزء منه من خلال زرع قواعد عسكرية لها هناك، هذا إضافة إلى نشر التشيع في دول المغرب العربي.