الاستفزازات الجزائرية للوفود الإعلامية المغربية تقليد يتكرر
تكرر السلطات الجزائرية في كل مرة تحتضن فيها الجزائر أي ملتقى ذي صبغة دولية أو إقليمية أو قارية، “تقليدا” يتمثل في منع الوفد الإعلامي المغربي من القيام بواجبه الإعلامي، ما أثار انتقادات حادة.
انتقدت هيئات مهنية مغربية “استفزازات ومضايقات” تضمّنت “مصادرة للمعدات وتحقيقات أمنية”، تعرّض لها الوفد الإعلامي المغربي المكلّف بتغطية فعاليات القمة العربية التي انطلقت الثلاثاء في العاصمة الجزائرية.
وأعلن الاثنين في المغرب عن عودة الفريق الصحافي للقناة المغربية الأولى الحكومية من الجزائر، بعد “منعه من تغطية أعمال القمة العربية في الجزائر وحجز معداته في مطار هواري بومدين”.
وأشار وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة في تصريحات صحافية إلى أن “ثلثي الوفد الإعلامي وصلا إلى الجزائر ثم عادا دون تغطية القمة العربية”.
وقال مبعوث القناة الأولى إلى الجزائر قيس محسن في منشور على فيسبوك بعنوان “حكايتي مع الجزائر”، ”عن أي جار نتكلم وعن أي تنظيم نتحدث، هل ما عجزت عنه الأمم المتحدة وعدد من الأصدقاء والأشقاء عبر الوساطة لحله يمكن أن تنجح الشعوب في فك خيوطه؟”. وأضاف:
Kais Mohssine
”التهميش والإقصاء وسوء المعاملة لم تطل المسؤولين المغاربة فقط بل كذلك الوفد الإعلامي المغربي الذي كنت حاضرا من بينهم للمشاركة في أعمال الجامعة العربية، تركنا في المطار لساعات طوال بعد سفر تطلب منا التوجه إلى باريس ثم بعدها الجزائر نظرا لقرار دولة العسكر قطع الحدود الجوية مع المغرب، تعرضنا لكل أشكال اللامبالاة والتحقيقات غير الرسمية من أجهزة ادعت أنها تريد المساعدة لحل مشكلة الولوج إلى بلد لا يؤمن بحسن الجوار، لكن دون جدوى”.
وزاد ”استغرق الأمر أكثر من ست ساعات داخل المطار ليأتي بعدها الفرج الملغوم مفاده إمكانية ولوجنا إلى الأراضي الجزائرية كأفراد ليس كصحافيين أي بمعنى آخر جردنا من كل آليات اشتغالنا من معدات وتجهيزات ودائما لأسباب واهية اعتدنا أن تختلقها الجزائر في ملف وحدتنا الترابية فما بالك في هكذا قمة فشلت قبل انطلاقها”.
وقال الصحافي في القناة الأولى المغربية “بعد ذلك توصلنا بخبر مفاده أن الإعلام المغربي لا مكان له بالقمة (…)”.
وختم تدوينته بالقول “فبعد ليلة لم تخل من مراقبة الأجهزة الاستخباراتية عن بعد عدنا أدراجنا ولله الحمد إلى بلدنا الحبيب بلد الأمن والأمان والازدهار والتقدم فعلا كانت قمة في الاحتقار والتخابر والتواطؤ ليست قمة لحل مشاكل الأمة العربية، هكذا عودتنا الجزائر”. وكتب إعلامي مغربي:
“عن أي قمة عربية ناجحة يتحدثون؟ عن أي لم الشمل يروجون؟ #الوفدالإعلاميالمغربي يتعرض للمهانة وللمضايقات والمنع…. أهكذا يستقبل الإعلام الجزائري وغيره في المغرب؟ فعلا قمة عربية بنكهة دبلوماسية عسكرية لن تكون سماتها إلا الكراهية والحقد والدناءة إن صح التعبير.. مهزلة والله!!”.
من جانبها قالت النقابة الوطنية للصحافة المغربية إنّ السلطات الجزائرية “تستمر في نهج أساليبها العدوانية تجاه الصحافة المغربية، والتي أضحت بمثابة تقليد يتكرر حين احتضان الجزائر لأي ملتقى ذي صبغة دولية أو إقليمية أو قارية، مما يبين عداءها لحرية الرأي والتعبير”.
واعتبرت أنّ ذلك “يظهر البعد الانتقامي لهذا الفعل المستهجن المتعامل مع الصحافة المغربية بعقلية انتقامية متقادمة، لا تنظر إلى الإعلام إلا من زاوية سياسوية محدودة الأفق ومرتهنة للأمني في وجهه القمعي، الذي يحصي الأنفاس عوض خدمة مصالح الشعوب وحقها في الحرية والكرامة”.
كذلك، اعتبرت النقابة أنّ هناك مسؤولية تلقى على الأمانة العامة لجامعة الدول العربية في “حرمان الوفد الإعلامي المغربي من تغطية أعمال القمة العربية في ظروف لائقة وآمنة”.
ودعت النقابة المسؤولين في جامعة الدول العربية إلى تحمل مسؤوليتهم الكاملة تجاه ما تعرّض له الوفد الصحافي المغربي، ولفتت إلى أنّ الجزائر مجرد محتضنة لأعمال القمّة، ولا حق لها في منع وفد صحافي من القيام بواجبه المهني، خصوصاً إذا كان الوفد ينتمي إلى دولة مشاركة في الفعاليات من خلال وفد رسمي.
وقالت إنّ “هذا الفعل المشين يحرم المغاربة من حقهم في الحصول على معلومات تخصّ القمة والمشاركة المغربية، ولذلك فإن النقابة الوطنية للصحافة المغربية تعتبر أن السلطات الجزائرية لم تعد مخاطبا جديرا بالثقة، وبالتالي فإنها تحمل المسؤولية لهذه السلطات عن أي شكل من أشكال الاعتداء يمكن أن يتعرض له أي صحافي مغربي”.
ووجه المجلس الوطني للصحافة رسالة إلى أحمد أبوالغيط، أمين عام الجامعة العربية، للتنديد بما حصل للوفد المغربي في الجزائر، ودعاه إلى التدخل العاجل لمطالبة سلطات هذا البلد بالسماح للوفد بتأدية واجبه المهني.
ونقلت الوكالة المغربية الرسمية بيانا عن الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين المغربية، والتي نددت بما وصفته بـ”الفضيحة”. وذكرت الجمعية أن “الوفد الإعلامي تعرض للضغوطات والتحرشات والتحقيقات الأمنية وساعات الانتظار الطويلة في مطار بومدين بالجزائر”.
وأضافت الجمعية أن “السلطات الجزائرية رفضت دخول الوفد الإعلامي المغربي الرسمي عبر خط جوي مباشر”، مشيرا إلى أن الإعلاميين المغاربة “اضطروا إلى السفر عبر طائرة إلى باريس، ومنها إلى العاصمة الجزائر لأداء واجبهم المهني، قبل أن يتعرضوا لما يشبه الاعتقال التعسفي، الذي انتهى بتجريدهم من صفتهم الصحافية، ونزع معداتهم وكاميراتهم، والسماح لهم بالدخول إلى التراب الجزائري، كمواطنين فقط”.
وتابعت أنه “أمام هذه التصرفات المشينة، التي تكررت للمرة الثانية في ظرف أقل من ثلاثة أشهر مع وفود إعلامية مغربية، تعلن الجمعية الوطنية إدانتها لهذا السلوك غير الحضاري الذي ينم عن غياب دولة مدنية بهذا القطر المغاربي، مؤمنة بحرية الصحافة والتعبير وتحرك الإعلاميين لنقل الأخبار باستقلالية، وتعويضها بثكنة للعسكر تتحكم في أنفاس الأجانب والصحافيين، وتعتبر كل وافد من المغرب، هو عدو بالضرورة”.
ويونيو الماضي رفضت السلطات الجزائرية السماح لتسعة صحافيين مغاربة بالدخول ضمن البعثة الرياضية المغربية المشاركة في ألعاب البحر المتوسط في وهران. وأبقت السلطات الإعلاميين المغاربة في مطار وهران الدولي، قبل أن ترحّلهم إلى تونس، ومنها إلى المغرب.
وانتقدت الجمعية “انكشاف ادعاء حسن الجوار وجمع شمل الشعوب والدول العربية الذي ترفعه الحكومة الجزائرية شعارا لهذه القمة، بعد أن ضاق صدر العسكر عن استقبال إعلاميين”.
ودعت الجمعية “الهيئات الإعلامية الجزائرية النزيهة والحرة لإدانة هذه التصرفات المتكررة مع الصحافة المغربية”، كما دعتها إلى “مراقبة هذا السلوك، وإدانته وإصدار موقف رسمي منه”. وخلصت الجمعية إلى أنها “تحتفظ بحقها في اتخاذ جميع الإجراءات القانونية وطنيا ودوليا، لرد الاعتبار للإعلام المغربي، ضد الغطرسة الجزائرية، وعقلية الانغلاق”.
في الوقت ذاته، نشرت وكالة الأنباء الجزائرية تقريرا حول “الترحيب” بالوفود الإعلامية الأجنبية، ما أثار سخرية واسعة.
من جانبها، أعربت الفيدرالية المغربية لناشري الصحف، عن إدانتها ورفضها “للسلوك القمعي والشارد” للسلطات الجزائرية في حق الوفد الإعلامي المغربي الذي سافر إلى الجزائر لتغطية القمة العربية.
يذكر أن قناة الجزائر الدولية الحكومية اعتذرت قبل أيام قليلة عن نشر خريطة للعالم العربي على موقعها الإلكتروني تُخالف الخريطة التي درجت الجامعة على اعتمادها، واقتطعت الصحراء من بلدها الأم مما أثار تحفظ الوفد المغربي.
وإثر الضجة والاستنكار الواسعين في العالم العربي لما قامت به القناة ومخالفتها لمعايير العمل الصحافي واحترام أصول المهنة، اضطرت إلى نشر اعتذار مقتضب الأحد، قالت فيه إنها “تعتذر عن استخدام خريطة للوطن العربي غير تلك المعتمدة لدى الجامعة العربية”. وأكدت أن ذلك “لا يعدو إلا أن يكون خطأ فنيا من قسم الغرافيكس”، غير أن وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة أكد أن الادعاءات التي قدمتها القناة غير مقنعة.
وعلاقة بالاستفزازات التي تعرض لها الوفد المغربي، قال بوريطة إن “التلاعب بالقواعد وعدم احترام الأعراف والبروتوكولات يؤديان إلى الفشل (فشل القمة العربية)”.